الحسابات المالية الحكومية حتى النصف الاول من عام 2022

رغم الوفرة المالية التي شهدتها الخزينة العراقية جراء تحليق اسعار النفط وانتعاش الايرادات النفطية مطلع العام الجاري، الا ان قيود الصرف والتمويل ومخاوف الامن الغذائي التي اثارتها الحكومة وبعض الاحزاب والكتل السياسية اسهمت في تمرير قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم (2) لسنة 2022. لرفع سقوف التمويل الحكومي لما يفوق نسبة (1/12) التي اقرتها المادة (13) من قانون الادارة المالية المعدل رقم (6) لسنة 2019. رغم دراسات ومقالات بينت وبالأرقام متانة الوضع المالي وعدم الحاجة لأموال اضافية لتمويل النفقات العامة.  

ويظهر تقرير حسابات الدولة لغاية شهر حزيران لسنة 2022هيكل الايرادات والنفقات الاجمالية خلال الشهور الستة الاولى من العام الجاري. ويوضح الجدول التالي الايرادات والنفقات العامة المخططة والفعلية وما ترتب عليها من موقف مالي خلال النصف الاول من العام 2022.

يفصح الجدول اعلاه عن عدة حقائق اهمها:

1- ضعف الانفاق الاستثماري مقارنة بالإنفاق الجاري نتيجة ضعف الجهود الاستثمارية الحكومية، اذ تشكل النفقات الاستثمارية اقل من (9%) من اجمالي الانفاق العام حتى منتصف عام 2022.

2- ارتفاع الايرادات النفطية نتيجة تعافي اسعار النفط لنحو (50%) مقارنة بأسعار العام الماضي فضلا على ارتفاع صادرات العراق النفطية بسبب تحرر الحصص الانتاجية من اتفاق اوبك+ تدريجيا.

3- ضعف الايرادات غير النفطية (الفعلية) حتى منتصف العام الجاري، اذ لم تتجاوز نسبة تلك الايرادات (4%) من اجمالي الايرادات المتحققة خلال هذه المدة، وهي نسبة متدنية جدا وتبدد امال نجاح الورقة البيضاء في تنويع ايرادات الموازنة للحد من صدمات اسعار النفط، وهو ما يؤشر ايضا ضعف الجهود الحكومية في تنويع الايرادات العامة واستمرار الاعتماد على النفط في تمويل الموازنة لما يقارب (96%) من اجمالي الايرادات العامة حتى النصف الاول من العام 2022.

4- تسليم مبلغ (400) مليار دينار الى حكومة اقليم كوردستان رغم امتناع الاقليم عن تسليم ايرادات النفط او النفط او ايرادات المنافذ الحدودية الى بغداد، فضلا على قرار المحكمة الاتحادية القاضي ببطلان عقود نفط الاقليم وعدم امكانية الحكومة المركزية على تمويل الاقليم باي مبالغ لحين اعادة الحقول النفطية الشمالية الى وصاية الحكومة المركزية وتحديدا وزارة النفط الاتحادية في بغداد.

5- بلغ اجمالي الفائض المالي المتحقق خلال النصف الاول من عام 2022 اكثر من (20) ترليون دينار، ويرشح ان يصل الى قرابة (40) ترليون دينار حتى نهاية العام الجاري. واستنادا الى المادة (19) من قانون الادارة المالية النافذ لسنة 2019، فان الوفرة المالية المتحققة جراء تجاوز اجمالي النفقات العامة لإجمالي الايرادات العامة ينبغي ان تودع في صندوق سيادي.

ختاما، ينبغي الاشارة الى خطورة ضعف الجهود الحكومية في تنويع الايرادات الحكومية وتراجع الايرادات غير النفطية بشكل كبير مقارنة بالعام السابق نتيجة ارتفاع الايرادات النفطية، مما ينذر بزيادة نسب الهيمنة النفطية على الموازنة بشكل يهدد الاقتصاد العراقي بصدمة حادة اذا ما تراجعت اسعار النفط في الاسواق العالمية. من جانب اخر ينبغي على الحكومة تنشيط الشق الاستثماري من النفقات العامة عبر تكثيف الجهود الحكومية في انجاز المشروعات قيد الانجاز، وبالأخص ميناء الفاو الكبير، والمشاريع الاخرى، خصوصا مع توفر التمويل المطلوب ودخول قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية حيز التنفيذ. واخيرا ينبغي تكليف البنك المركزي، باعتباره بنك الحكومة، بإنشاء حساب خاص تودع فيه كافة الفوائض المالية المتحققة، وان تعجل الحكومة بتنفيذ استراتيجية تسديد الديون التي اقرها مجلس الوزراء قبل شهور من اجل تخفيف الديون السيادية والتخلص من عبء تسديد اقساط وفوائد الدين العام الذي يثقل بند النفقات العامة سنويا ليصل في بعض الاحيان الى قرابة (10%) من اجمالي الانفاق، وهو رقم يزاحم النفقات الاستثمارية بشكل كبير، نظرا لعدم مرونة النفقات الجارية للضغط والتقليص.

التعليقات
تغيير الرمز