بقلم: دانييل فرايد نقلا عن Defense One / واشنطن
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: وحدة الترجمة في المركز
تقوم موسكو بتكرار تكتيكات الحرب الباردة ضد الولايات المتحدة، لكن من المهم ان نتذكر انها لم تؤدي النتائج المطلوبة بالنسبة للاتحاد السوفياتي (السابق) في ذلك الوقت. وبينت الجولة الاخيرة من المحادثات التي قام بها موظفوا السفارة الامريكية في روسيا ان \ التاريخ لا يعيد نفسه، الا انه يؤدي نفس القافية\.
ويذكر ان روسيا قامت بإبعاد المئات من العاملين في السفارة الامريكية في رد فعل متصاعد ضد طرد الولايات المتحدة لخمس وثلاثين دبلوماسياً روسيا في شهر كانون الاول الماضي، وهو اكبرعدد لإبعاد الدبلوماسيين الامريكيين منذ عام 1986. ويتذكر البعض تفاصيل الصراع في فترة الرئيس الامريكي ريغان، الا ان الكثيرين يتذكرون ان نتائج عقد الثمانينيات كانت سيئة بالنسبة للاتحاد السوفياتي.
وهذه هي النقطة التي سنتناولها: فموسكو – في الوقت الحاضر كما في الماضي – تسير في طريق مظلم من المواجهات ضد الولايات المتحدة الامريكية والاعتداءات في مناطق اخرى. واذا نظرنا الى السوفيت والقياصرة الرجعيون، نجد ان المواجهات الخارجية تتوافق – وربما تعويضاً – مع الركود في داخل البلاد، حيث تبدو تكتيكات الرئيس الروسي بوتين – مثل وصف الولايات المتحدة بالشيطان في الاعلام الرسمي – متكررة من سياسات الحرب الباردة.
وتذكرنا القرصنة السيبريانية والمعلومات الخاطئة بالاجراءات السوفياتية \ الفعالة\ في ثمانينيات القرن الماضي. فالحرب الروسية الصغيرة في اوكرانيا تختلف عن الغزو الروسي لأفغانستان (لسبب واحد ان الاوكرانيين كانوا يقاتلون من اجل الحصول على مستقبل اوربي)، الا ان العدوانين اثارا المقاومة على الارض فضلا عن اعتراضات الغرب.
وقد يحاول الزعماء الروس اقناع شعبهم وأنفسهم، ان امكانياتهم في التسلط على جيرانهم وقمع المعارضين وهز قبضاتهم امام وجه الولايات المتحدة الامريكية ما هي الا علامات للقوة، الا ان هذا لن يؤدي الغرض المطلوب كما حدث الأمر في اواسط ثمانينات القرن الماضي.
ورغم ان امال النظام السوفياتي – في السابق – ونظام الرئيس بوتين – في الوقت الحاضر بأن الغرب سيكون في موقف اخر، الا ان فشل القوميين الفرنسيين المؤيدين لروسيا والذين ساندهم بوتين حتى النهاية في الانتخابات في الربيع الماضي احدث أمراً اخر.
ومهما كانت الصفقة التي ارادها بوتين او اعتقد انه يريدها من الرئيس الامريكي ترامب، الا ان القوة الامريكية في مؤسساتها ومصالحها بعيدة المدى موجودة في بعض القيم الخاصة بها - بضمنها حكم القانون وحقوق الانسان والديمقراطية والرفاهية الناجمة عنهم – هي الغالبة ولن يساعد هذا الامر الرئيس بوتين في مساعيه. كما ان عدوانيات الرئيس بوتين في الخارج والقمع في الداخل لن يساعدوا في اصلاح الاقتصاد الروسي الراكد والذي ما زال يعتمد على النفط والغاز وبقية الصادرات من المواد الاولية، او نظامه السياسي المتجذر بالفساد المنظم من قمة هرم السلطة.
يدرك الروس في الوقت الحاضر ( وينتقدون) مرحلة اواسط ثمانينيات القرن الماضي باعتبارها مرحلة ركود اقتصادي، ولكن بعد عدد من سنوات النمو المتصاعدة ( مثل زيادة اسعار النفط) يبدو ان الروس قد ظلوا يراوحون في نفس المكان. وربما، كنتيجة كما حدث في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بدأ المفكرون الروس يدركون، وربما يتداولون الامر امام الشعب، ان بلادهم لا تستطيع المضي في مثل هذه الامور، وان روسيا بحاجة الى الحداثة – وهذا ما يجب عمله - والى المزيد من حكم القانون داخل البلاد والاتصال برأس المال والتقنيات الاجنبية.
وعلى هذا الاساس، تحتاج روسيا الى المزيد من العلاقات البناءة مع الغرب، بضمنهم الولايات المتحدة الامريكية. وتوحي التجارب ان على روسيا ان تختار بين التحديث او العدوان. ويستطيع المختصون تقديم الخيارات وامل ان يؤخذ بتوصياتهم. ويقوم المختصون في وزارة الخارجية الامريكية ومجلس الامن القومي بتحليل الانخفاض في اعداد موظفي السفارة والقنصليات الامريكية في روسيا، والنظر في امكانية الرد وما اذا كان سيحقق نتائجه او لا.
لكن الامر المهم ليس في الرد الفوري على الاستفزازات، وهذا ما يذكر بموقف الدارة الاميركية عام 1986 عندما سحبت روسيا العاملين من سفارتها، والذي هو ليس بالامر المهم، لكن الامر الاهم هو ان ادارة الرئيس الامريكي ريغان فهمت الاتحاد السوفياتي وطورت سياسة للتعامل معه وهي سياسة تتماشى مع المؤيدين والمعارضين في \الدولة العميقة\.
تعني السياسة العقلانية تجاه روسيا مقاومة العدوان الروسي ومساعدة الاخرين لمقاومتها، وتحديد مجالات التعاون الممكنة دون توقع الكثير من المنافع من هذا التعاون وفي مجالات المصالح المشتركة، وتثبيت هذه العلاقات حسبما كان الأمر ممكناً بضمنها الحفاظ على الحوار الدبلوماسي والعسكري والبحث عن علاقات مستقبلية افضل مع روسيا.
وبعبارة اخرى نتعامل مع روسيا الحالية في الوقت الحاضر، لكن لنتذكر ان روسيا الرئيس بوتين ليست روسيا الممكنة والوحيدة. فقد تعلمنا من منافع الحفاظ على الاتصالات مع المجتمع الروسي عموماً بضمنه المعارضين ذوي التفكير الديمقراطي الذين من غير المتوقع بقائهم في الظل دائماً ومع ذوي التفكير الاصلاحي بإحتمالات وصولهم الى السلطة مستقبلاً. وتوحي تجربة ثمانينيات القرن الماضي وجود تكتيكات مناسبة للمرحلة الحالية. فهي – الان كما في السابق – تشتمل على الثبات، خصوصاً في وجه محاولات مؤيدي قيام الروس بتخويف الاخرين. والان كما في السابق، تشتمل ايضاً على عامل الصبر. ومن الممكن ان يسيء الروس قراءة الاجراءات الخلاقة المتزايدة مثل الركض خلفهم، وحثهم على التعاون في موضوع ما، او اي شيء باعتبار ذلك ضعفاً.
ورغم تصريحات الرئيس الامريكي ترامب عن عدم رضاه بقانون العقوبات الذي وقعه سابقاً، فأن هذا سيوفر للإدارة الامريكية سلطات جديدة في مزيد من الضغط على الرئيس بوتين لتسوية الصراع في اوكرانيا بموجب إطار اتفاقات مينسك، وزيادة الضغط على روسيا حول تدخلها في الانتخابات الامريكية في العام الماضي.
ويذكر الكاتب انه كان منسقاً للعقوبات في وزارة الخارجية الامريكية في فترة حكم الرئيس اوباما ، وتوفرت له صلاحية في العقوبات المفروضة على روسيا في الوقت الحاضر، وانه ساند اللائحة الحالية التي اصبحت قانوناً. وعندما تتخذ روسيا طريقاً اخر، ويتوقع ذلك وفقا للاحداث التأريخية الذي يجب ان نعتمدها معياراً، عندئذ يجب على الولايات المتحدة ان تكون مستعدة للرد.
في هذه الاثناء، اثبتت اوربا انها شريك قادر على روسيا. فأمريكا واوربا فرضتا العقوبات سوية لمقاومة العدوان الروسي في اوكرانيا، وبالتالي قامت الامم الاوربية بدورها في ردع الضغوط الروسية على اعضاء الناتو من خلال نشر القوات في دول البلطيق، مع انتشار القوات الامريكية في بولندا ومواقع اخرى في وسط اوربا.
ويحتوي قانون العقوبات الجديد على لغة قد تهدد هذا التضامن مع اوربا، الا ان التعديلات التالية قللت من بعض هذا الخطر، وبالتالي تستطيع الادارة الامريكية تفعيل هذا القانون بالطريقة التي هدفت اليها في الضغط على روسيا، وليس ايجاد انقسام مع اوربا. وبالتعامل مع روسيا، كما جرى في زمن الحرب الباردة، يحتاج الامريكيون الى تذكر لماذا اصبحوا قادة العالم الحر ورعاة الديمقراطية وحكم القانون وهذه القوة توفر القوة.
يرى الكاتب انه الولايات المتحدة ساهمت بهذه الاخطاء، وان مؤسساتنا قد بدأت تهرم، كما جرى اختبارها داخل البلاد، الا ان الامة الاميركية تؤمن أنها بُنيت على المبادئ والقيم، ابتداءاً من التزامنا بالرأي ان الناس خلقوا سواسية. وان قوة هذا التراث الامريكي هو الذي منحها موقعها على الصعيد العالمي. واذا وضعنا هذا في ذاكرتنا في التعامل مع التحدي الروسي الاخير، والتضامن مع حلفائنا الديمقراطيين في اوربا وما بعدها، فإننا سننجح في مساعينا.