تضمن الفصل الاخير من تقرير " الوضع الاقتصادي للعراق"، والصادر عن وزارة المالية منتصف الشهر الماضي، بيانات محدثة عن مسار الدين العام في العراق خلال السنوات الثلاث الاخيرة. ووفقا للتقرير بلغ اجمالي الدين العام قرابة (99.737) ترليون دينار بشقيه الخارجي والداخلي حتى شهر ايار الماضي. ويشكل الدين الخارجي قرابة (28%) من اجمالي الدين العام، اذ بلغ نحو (28.645) ترليون دينار. ولا يشمل الرقم المذكور ديون النظام السابق، والبالغة نحو (57.8) ترليون دينار، او ما يعادل (39.9) مليار دولار، وهي مجمدة منذ عام 2003 بدون فوائد او اقساط. في حين بلغت نسبة الدين الداخلي قرابة (72%) من اجمالي الدين العام، وبما يقارب (71) ترليون دينار. وقد عملت وزارة المالية على اعادة تشكيل الديون الداخلية لتصبح بآجال متوسطة وطويلة الامد بعد اتفاق الحكومة مع البنك المركزي والمصارف العامة عام 2020 على تحويل كافة حوالات الخزانة الى قروض بمدد (10) و(20) سنة، مع سداد للأقساط ابتداءا من اذار 2021 وبمعدل فائدة (2%).
وتفصح أحدث بيانات وزارة النفط المتعلقة بالصادرات النفطية تحقيق العراق قرابة (49918) مليار دولار، أي ما يعادل (72) ترليون دينار للشهور الخمسة الماضية كإيرادات نفطية فقط. وهو ما يفوق كثيرا نسبة الصرف المحددة وفقا لقانون الادارة المالية المعدل رقم (6) عام 2019، والذي حددها في المادة (13 /اولا) "الصرف بنسبة (1/12) فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة، على أساس شهري ولحين المصادقة على الموازنة العامة الاتحادية." والمادة (13/ ثانياً) " الصرف على المشاريع الاستثمارية المستمرة والمدرجة استنادا لذرعات العمل المنجزة او التجهيز الفعلي للمشروع بعد التأكد من توفر السيولة النقدية والتي لها تخصيصات ضمن مشروع قانون الموازنة للسنة اللاحقة.
ووفقا لتقارير النهائية لموازنة 2021 فقد بلغ اجمالي المصروفات الفعلية قرابة (116.4) ترليون دينار، مما يُمكن الحكومة من صرف قرابة (9.7) ترليون دينار شهريا لتغطية الفقرات الواردة في المادة (13/ اولا / ثانيا) وفقا لقاعدة صرف (1/12). ويعني ذلك عدم ضرورة تخصيص مبالغ اضافية لتعزيز التمويل الحكومي للمصروفات الحالية. إذ يغطي الصرف الجاري بنسبة (1/12) من المصروفات الفعلية في موازنة 2021 مصاريف الحكومة الجارية رغم ارتفاع الاسعار، بشكل مباشر او عبر المناقلة ما بين ابواب الصرف، مما يُمكن الحكومة من تامين احتياجات البلد من القمح وبعض المواد الغذائية خلال العام الحالي بشكل مريح. خصوصا وان الصرف الفعلي وفقا لقاعدة (1/12) خلال هذا العام لم يتجاوز مبلغ (33) ترليون حتى نهاية شهر نيسان الماضي وفقا لآخر تقرير لوزارة المالية، رغم ان قاعدة (1/12) تسمح للحكومة الصرف لغاية (39) ترليون دينار خلال المدة المذكورة. مما يعني وجود فائض (أكثر من 6 ترليون) بين ما تمنحه قاعدة (1/12) وبين ما تم صرفه فعلا خلال عام 2022.
كما ان المادة (19/ثانيا) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة 2019 تنص على توجيه الفائض المتحقق حصرا الى الموازنات التالية او ايداعه في صندوق سيادي. وبالتالي لا يمكن التصرف بالفائض المتحقق بما يخالف نص القانون المذكور.
واخيرا، بررت الحكومة ومجلس النواب دوافع تعزيز التخصيصات المالية عبر اصدار قانون الامن الغذائي والتنمية الى الحاجة لتمويل مشاريع تنمية الاقاليم في المحافظات، ووفقا للمادة (3/ثانيا) من القانون المذكور تم تخصيص مبلغ (8) ترليون دينار لتنمية الاقاليم في حين لا يوجد مبرر اقتصادي او مالي لتضمين تخصيصات اضافية لتنمية الاقاليم بمبلغ (8) تريليونات دينار في قانون الامن الغذائي لان المحافظات عاجزة فعلا عن انفاق تخصيصاتها المالية المدورة من عام 2021 والتي يمكن صرفها في العام الحالي والبالغة (4) تريليونات دينار. فقد بلغ الصرف الفعلي من تخصيصات تنمية الاقاليم قرابة (575) مليار دينار فقط خلال الشهور الاربعة الاولى من هذا العام وبنسبة صرف (14%) فقط بحسب تقرير وزارة المالية الاخير. وبالتالي لا تحتاج الحكومة لتخصيصات اضافية لتنمية الاقاليم نظرا لتوفر التخصيصات اللازمة من جهة، وضعف القدرة الحكومية على تنفيذ وانجاز المشاريع العامة خلال المتبقي من العام الحالي من جهة اخرى.
ولما ورد ينبغي الحفاظ على الرصيد المالي المتراكم نتيجة ارتفاع اسعار النفط وتعاف الصادرات النفطية لحين اقرار استراتيجية سداد الدين العام للسنوات (2022-2024) التي تم اعدادها من قبل وزارة المالية ونوقشت قبل شهور في مجلس الوزراء وبقيت ضمن ادراج المجلس لضمان تمرير قانون الامن الغذائي والتنمية غير المبرر على حساب فرصة العراق في تسديد الديون المتراكمة وتحقيق الاستدامة المالية.