حققت حكومة اقليم كوردستان العديد من الاهداف والمصالح منذ سنوات نتيجة تأرجح قرار بغداد تجاه القضايا المالية والنفطية بين المركز والاقليم اتساقا مع المصالح والتوافقات التي فرضتها العملية السياسية في العراق. وقد اعتمدت حكومة الاقليم مبدأ مقايضة الموقف السياسي بالمصالح النفطية والمالية منذ العام 2003، واستغلت ضعف التوافق بين الفرقاء في حكومة بغداد لتوثيق علاقاتها بكتل واحزاب تشكل ثقلا في المشهد السياسي العراقي. ووقعت حكومة اقليم كوردستان اكثر من (50) اتفاقية لاستثمار النفط والغاز في الاقليم بمعزل عن الحكومة الاتحادية، في مخالفة واضحة لنص المادة (111) من الدستور العراقي التي نصت على (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات) والمادة 112 /اولا / التي نصت على (ادارة الحكومة الاتحادية للنفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد) وثانيا ( تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير الثروة النفطية والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي).
بدلا من الالتزام بمواد الدستور، انفرد اقليم كوردستان في التعاقد مع الدول والشركات الاجنبية لاستثمار النفط والغاز في الاقليم بمعزل عن وزارة النفط الاتحادية، مع استلام حصة من موازنة العراق الاتحادية دون تسليم ايرادات المنافذ الحدودية التي نصت عليها المادة (114) من الدستور العراقي. وذهب الاقليم خطوة أخطر حين شرع قانون النفط والغاز رقم (22) لسنة 2007 مستغلا ضعف حكومة بغداد والوضع الامني الهش الذي عاشه العراق آنذاك.
المحكمة الاتحادية العليا وتجميد نفط الاقليم
بعد سنوات من الدعاوى بخصوص مخالفات الاقليم النفطية وتعاقده مع دول وشركات خارج سلطة الحكومة الاتحادية، والمخالفات المالية المترتبة على تنصل الاقليم عن تسليم كامل النفط المستخرج الى شركة سومو الوطنية، او على الاقل الايفاء بتسليم (250) الف برميل يوميا الى بغداء لقاء حصته في الموازنة الاتحادية خلال السنوات الماضية، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، يوم الثلاثاء 15/ شباط / 2022 حكماً بقضية تصدير النفط في إقليم كوردستان خارج موافقة الحكومة الاتحادية، يقضي بإلغاء قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كوردستان رقم 22 لسنة 2007 لمخالفته احكام المواد (110، 111، 112، 115، 121، 130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005. ويترتب على قرار المحكمة المذكور جملة من التداعيات لعل اهمها:
1- إلزام حكومة اقليم كوردستان بتسليم كامل انتاج النفط والغاز من الحقول النفطية الى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية.
2- يترتب على الغاء قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كوردستان تمكين وزارة النفط الاتحادية من استخدام صلاحياتها الدستورية في الاقليم بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره.
3- لوزارة النفط الاتحادية الحق في متابعة بطلان التعاقدات النفطية التي ابرمتها حكومة اقليم كردستان مع الاطراف الخارجية (دول وشركات) بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه.
4- تمكين وزارة النفط الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادية من مراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة اقليم كوردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه خلال السنوات الماضية لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة اقليم كوردستان واشعار الحكومة الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بذلك.
5- اعادة النظر بحصة الاقليم في الموازنة الاتحادية والغاء الاتفاق القائم على مبادلة نفط الاقليم بحصة الاقليم في الموازنة الاتحادية نظرا لانتفاء فقرة نفط الاقليم بعد ان اقرت المحكمة الاتحادية عائدية الثروة النفطية للشعب وعدم حصرها في محافظة او اقليم.
6- ارتفاع الطاقة التصديرية للنفط العراقي واستحواذه على كامل حصته في منظمة اوبك بعدما كانت صادرات الاقليم النفطية تستقطع جزء من حصة العراق في اوبك.
7- تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف ابناء الشعب العراقي من الشمال الى الجنوب ونزع فتيل الصراع في المدن الجنوبية عبر التهديد المستمر بإنشاء اقليم البصرة والسيطرة على الابار النفطية اسوة بتجربة اقليم كوردستان.
8- يترتب على قرار المحكمة الاتحادية العليا طعن في شرعية الدول والشركات النفطية العاملة في حقول اقليم كوردستان وعواقب تصديرها النفط العراقي بصورة غير شرعية، وامكانية ملاحقة هذه الشركات قضائيا في محاكم دولية بقضايا مضمونة الكسب لصالح حكومة بغداد.
فرص نفاذ قرار المحكمة الاتحادية
رغم صعوبة اعتراف حكومة اقليم كوردستان بقرار المحكمة الاتحادية وضعف حكومة تصريف الاعمال في تنفيذ فقرات القرار كافة، فان قرار المحكمة نزع الغطاء الشرعي عن السياسة النفطية لإقليم كوردستان وزاد من حراجة موقف الاقليم تجاه الدول والشركات العاملة في القطاع النفطي والمستوردة لنفط كوردستان. وإذا ما حظي العراق بحكومة وطنية نزيهة، تنشد الاصلاح كما تدعي بعض الكتل والاحزاب الفائزة، فان عليها اولا تنظيم حصة الاقليم في قانون الموازنة الاتحادية لعام 2022 بعيدا عن توافقات السنوات السابقة بتسليم (250) ألف برميل مقابل نسبة من الموازنة الاتحادية، بل اعتماد النسب السكانية في توزيع الثروة النفطية، مع ادارة وتسويق كافة النفط المستخرج من الاقليم من قبل وزارة النفط الاتحادية. فضلا على قيام شركة سومو الوطنية بإشعار مشتري النفط الدوليين وشركات ناقلات النفط وشركات التامين بالتبعات القانونية المترتبة على مخالفة قرار المحكمة الاتحادية. وايضا التنسيق بين وزارة العدل ووزارة الخارجية لإعداد خطة عمل على المستوى الدولي، تراعي الجنبة القانونية والدبلوماسية، لتفعيل قرار المحكمة الاتحادية العليا وضمان الامتثال التام للقرار. مع ضرورة اعداد بدائل تطرح على الشركات الاجنبية المتعاقدة مع حكومة الاقليم ومن ضمنها القبول بعقد الخدمة المعياري البديل ثم التفاوض على تحديد قيم المتغيرات الاساسية فيه مثل اجور الخدمة، نسبة استرداد الكلفة الرأسمالية، ... الخ في ضوء خصوصية الحقل المعني؛ او التنازل عن حصصها في العقود الموقعة مع حكومة الاقليم؛ او غيرها من البدائل .