تواصل اسعار النفط الخام ارتفاعها منذ اسابيع مدفوعة بجملة من العوامل المؤثرة في اساسيات اسواق النفط العالمية لعل أبرزها تعاف الطلب العالمي على النفط نتيجة تخفيف القيود الصحية وانتعاش النشاط الاقتصادي وارتفاع اسعار الغاز في اسواق الطاقة العالمية، بالإضافة الى ضبط الامدادات النفطية وفقا لخطة تحالف اوبك+ وعدم الانصياع لرغبة الدول الكبرى في رفع الطاقات التصديرية لدول التحالف. وقد انعكس ارتفاع اسعار النفط في تزايد الايرادات النفطية المتدفقة الى العراق والتي فاقت (6.7) مليار دولار شهر ايلول الماضي. واذا ما استمر الاتجاه الصعودي لأسعار النفط، يتوقع ان يقلص العراق الفجوة المالية في موازنة 2021 اذا ما توفرت جملة من العوامل سترد لاحقا.
ويبين الجدول التالي النفقات والايرادات العامة المتحققة حتى نهاية شهر اب من العام 2021 والمنشورة حديثا على موقع وزارة المالية.
يصور الجدول اعلاه أبرز تطورات الوضع المالي في العراق، ومن خلال عرض اجمالي النفقات العامة واجمالي الايرادات العامة يتضح تحقق فائض مالي في الموازنة الاتحادية، خلال الشهور الثمان الاولى من العام 2021، وبما يقارب (2.6) ترليون دينار، نتيجة تحسن اسعار النفط في الاسواق العالمية.
مع ذلك، قدرت الايرادات غير النفطية في موازنة 2021 بقرابة (20) ترليون دينار في حين يفصح الحساب المالي الحكومي الفعلي، الصادر عن وزارة المالية، عن تحقيق ايرادات غير نفطية تقارب (4.65) ترليون دينار حتى نهاية شهر اب الماضي. وإذا ما استمرت الايرادات غير النفطية على هذا المنوال فان اجمالي ما قد يتحقق حتى نهاية العام الجاري لن يتجاوز (7) ترليون دينار كحد اقصى، وبما يقل عن المبلغ المخمن في الموازنة الاتحادية بقرابة (13) ترليون دينار، وهو عجز اخر في الايرادات العامة المخمنة، يضاف الى العجز المخطط في الموازنة الاتحادية، والمقارب الى 29 ترليون دينار. وهذا يعني ان العجز المخطط قد يرتفع الى (42) ترليون دينار.
على جانب الايرادات النفطية، ورغم صعوبة التنبؤ بأسعار النفط العالمية خلال الشهور الاربعة الاخيرة من عام 2021، الا ان المتوسط المرجح لسعر برميل النفط العراقي (75) دولار للبرميل، اذا بقيت اساسيات العرض والطلب والعوامل المؤثرة فيها على حالها. وبالتالي ستقارب ايرادات العراق النفطية، وفقا للمتوسط اليومي للصادرات (3) مليون برميل يوميا، بحدود (10) ترليون دينار شهريا. وبذلك يقدر اجمالي الايرادات النفطية المتحققة فعلا (51 ترليون دينار)، والمتوقعة (40 ترليون دينار/ خلال الشهور الاربع الاخيرة من العام)، بحدود 91 ترليون دينار كأجمالي للعام 2021. وبفائض يقارب (10) ترليون دينار عن الايرادات النفطية المخمنة في الموازنة الاتحادية والبالغة (81) ترليون دينار.
وكما يلاحظ، فان الوفرة المالية المتوقعة جراء ارتفاع اسعار النفط (10 ترليون دينار) غير قادرة على استيعاب العجز المتوقع في الايرادات غير النفطية والبالغ (13) ترليون دينار. وفي أفضل الاحوال، ومع توقع متفائل بارتفاع الايرادات غير النفطية عن المتوسط المحسوب بقرابة (3 ترليون دينار)، فان الايرادات العامة الفعلية ستكون مطابقة للإيرادات العامة المخططة في الموازنة. ويبقى العجز المخطط (29 ترليون دينار) على حاله دون تغيير.
وتوجد احتمالات ان ينخفض حجم العجز المخطط الى دون معدل (29) ترليون دينار، إذا ما ارتفعت اسعار النفط الى أكثر من (90) دولار للبرميل او ارتفعت صادرات العراق النفطية الى أكثر من (3) مليون برميل يوميا، بسبب تخفيف قيود اوبك+، او تسليم الاقليم لحصة بغداد النفطية (250 ألف برميل يوميا). كما يمكن ان يساهم المعدل المنخفض في تنفيذ الموازنة الاستثمارية الى هبوط العجز المخطط بشكل حاد نتيجة عدم استيعاب التخصيصات الاستثمارية للمحافظات والمشاريع العامة بشكل كامل نتيجة تأخر إطلاق الموازنة الاستثمارية من جهة، او للروتين الحكومي وضعف الجهد الاستثماري للمؤسسات العامة اجمالا من جهة اخرى. اذ بلغ اجمالي الموازنة الاستثمارية المنفذة حتى شهر اب الماضي قرابة (1.6) ترليون دينار، في حين رصدت موازنة 2021 أكثر من (29) ترليون دينار للموازنة الاستثمارية. وهذا ما جعل العديد من الموازنات العراقية خلال السنوات الماضية تُقر بعجز مخطط وتنتهي بفائض فعلي يكون رصيد افتتاحي لموازنة العام المقبل.