موازنة 2019 استمرار للنمط الريعي والاستهلاكي

6689 2019-03-11

تقرير من اعداد عصام حاكم

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقاه الشهري موضوعا تحت عنوان: (موازنة 2019 استمرار للنمط الريعي والاستهلاكي) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عُقد في تمام الساعة العاشرة صباح يوم السبت الموافق 2/3/2019 بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.

قدم الورقة البحثية الاستاذ حامد عبد الحسين الجبوري، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، والتي اورد من خلالها

"معروف لدى الجميع ان العرق بلد نفطي بحكم امتلاكه احتياطي نفطي كبير يقدر بأكثر من 148 مليار برميل، يحتل موجبه المرتبة الثانية عربياً بعد السعودية (266) مليار برميل، والمرتبة الرابعة عالمياً بعد كل من فنزويلا والسعودية وإيران".

"وبدلاً من تحويل هذه الثروة الناضبة من باطن الأرض إلى ثروة حقيقية مستديمة فوق الأرض يتمتع بها العراقيون حالاً ومستقبلاً، أصبح العراق بمجتمعه واقتصاده وماليته يعاني نمط الريعية والاستهلاكية والاستيرادية والتبعية وذلك لأسباب عديدة خارجية وداخلية قد تكون تاريخية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها، تتلخص بمجملها بغياب الإدارة الكفؤة ذات الإرادة الوطنية والرؤية الاستراتيجية، وخير دليل على ذلك هو موازنة 201".

"ففي 24/1/2019 صوت مجلس النواب العراقي على الموازنة العامة التي تشوبها الكثير من علامات التعجب والاستغراب في ضوء المنطق الاقتصادي كونها لازالت تعتمد النمط الريعي في إيراداتها والنمط الاستهلاكي في نفقاتها المتسربة لتغذية الجهاز الإنتاجي في الخارج عبر قناة الاستيراد".

"حيث تتكون الموازنة بشكل عام من ركنين رئيسيين هما الإيرادات العامة والنفقات العامة وحينما تتساوى الإيرادات مع النفقات يعبر عنه بـ"توازن الموازنة" ومتى ما كانت الإيرادات العامة أكبر من النفقات العامة سيحصل ما يُعرف بـ"فائض الموازنة" والعكس صحيح حينما تكون النفقات العامة اكبر من الإيرادات العامة سيحصل ما يُعرف بـ"عجز الموازنة".

"وبما إن النفقات العامة البالغة 133107616412 ألف دينار كانت أكبر من الإيرادات العامة البالغة 105569686870 ألف دينار فالموازنة تعاني من عجز بقيمة 27537929542 ألف دينار، سيتم تغطيته من ثلاث طرق هي

1- الرصيد المدور        =     12858775392 ألف دينار

2- الاقتراض الداخلي    =     8889718150 ألف دينار

                         مجموعهما =    21748493542 ألف دينار.

3- الاقتراض الخارجي =    5789436000 ألف دينار. 

الإيرادات العامة وتوزيعها

ويمكن ملاحظة توزيع الايرادات العامة من خلال الجدول (1)

          جدول(1) توزيع الإيرادات العامة ونسب مصادرها               ألف دينار

اسم الإيراد المبلغ (ألف دينار) نسبة الإيراد من الإيرادات العامة

الإيرادات النفطية 93741110400            88.8%

الإيرادات غير النفطية 11828576470          11.2%

الإيرادات العامة 105569686870                      100%

حيث نلاحظ من خلال الجدول إن حجم الإيرادات العامة بلغ 105569686870 ألف دينار وتم تحديد مصادرها في جانبين هما

الإيرادات النفطية: بلغت قيمتها 93741110400 ألف دينار وتشكل 88.8% من الإيرادات العامة وهذا النسبة تفصح عن مدى تركز الإيرادات النفطية في الإيرادات العامة.

والإيرادات غير النفطية: بلغت قيمتها 11828576470 ألف دينار، وتشكل 11.2% من الإيرادات العامة، وهذه النسبة تكشف مدى هشاشة الإيرادات غير النفطية المتمثلة بالجدول (2)

جدول(2) الإيرادات غير النفطية ونسبها من الإيرادات العامة                  ألف دينار

اسم الإيراد غير النفطي المبلغ (ألف دينار) نسبة الإيراد غير النفطي الإيرادات العام

1- مجموع الضرائب 6334159876            6.0%

- الضرائب على الدخول والثروات 3841807752 3.6%

- الضرائب السلعية ورسوم الإنتاج 2492352124 2.4%

2- الرسوم 536975787                                                0.5%

3- حصة الموازنة من أرباح القطاع العام 2761349345 2.6%

4- الإيرادات الرأسمالية 45075195                                   0.04%

5- الإيرادات التحويلية 254677378                                    0.02%

6- إيرادات أخرى 1896338889                                    1.8%

الإيرادات العامة 105569686870                                              100%

من خلال الجدولين أعلاه يمكن ملاحظة 

أبرز دلالات استمرار ريعية الموازنة والمتمثلة بأربعة نقاط هي

1- الاعتماد على النفط، حيث تشكل الإيرادات النفطية ما نسبته 88.8% من الإيرادات العامة وبهذا النسبة تفوق فهي تفوق ثمانية أضعاف الإيرادات غير النفطية التي تشكل 11.2% من الإيرادات العامة. كما شكل حجم الإنفاق الاستثماري نحو الطاقة 58.98% من المجموع الإنفاق الاستثماري.

2- الاتساق أي سواء كانت موازنة العراق تتسم بالتوازن أو بالاختلال، فهي موازنة تسير بشكل متسق مع أسعار النفط المتذبذبة في الأسواق الدولية لأسباب سياسية أو اقتصادية أو مناخية، فترتفع إيرادات الموازنة حين ترتفع أسعار النفط وتنخفض بانخفاضها.

3- الإتكالية، أي إتكالية القطاع العام على الموازنة العامة في تمويل نفقاته التشغيلية دون الأخذ بعين الاعتبار المنطق الاقتصادي القائم على الربح والخسارة، هذا ما أدى إلى انخفاض أهمية إنتاج القطاع العام ومن ثم انخفاض إيراداته إلى الموازنة. والدليل أن أرباح  القطاع العام لم تشكل سوى2.6% من الإيرادات العامة مع العلم إن الدولة تملك الكثير من المشاريع ومستلزمات الإنتاج.

4- ضعف الضرائب، حيث لا تشكل الضرائب المباشر وغير المباشرة سوى 6% من الإيرادات العامة، لانه في غالب البلدان الريعية تتصرف الدولة بصفة المتفضل على المواطنين من خلال إعفاءهم من الضرائب مقابل أصواتهم الانتخابية مستغلة الثروة الريعية في تيسير أمورها.

النفقات العامة وتوزيعها

جدول (3) توزيع النفقات العامة ونسب أبوابها

اسم الإنفاق المبلغ (ألف دينار) نسبة الإنفاق من النفقات العامة

النفقات التشغيلية(الاستهلاكية) 100059110004        75.1

النفقات الاستثمارية(الرأسمالية) 33048506408         24.9

النفقات العامة 133107616412                             100%

نلاحظ من خلال جدول (3) إن النفقات العامة بلغت 133107616412 ألف دينار تم توزيعها نحو جانبين هما

الأول: جانب تشغيلي-استهلاكي: يستأثر بالنسبة الأكبر وتشكل أكثر من 75.2 من النفقات العامة وبمبلغ قدره 100059110004 ألف دينار يوزّع بين

1- تعويضات الموظفين 43.3% من نفقات الجانب التشغيلي الاستهلاكي، البالغ عددهم 2941890 موظف.

2- مجموع نفقات أخرى56.2% من نفقات الجانب التشغيلي الاستهلاكي وهي

أ‌- والمستلزمات الخدمية                                        2.0%

ب‌- والمستلزمات السلعية                                         7.9%

ت‌- وصيانة الموجودات                                          0.9%

ث‌- والنفقات الرأسمالية(الاندثار)                                0.3%

ج‌- والمنح والإعانات وخدمة الدين ومصروفات أخرى       26.9%

ح‌- والالتزامات والمساهمات والمساعدات الخارجية          0.3%

خ‌- والبرامج الخاصة                                            0.8%

د‌- والرعاية الاجتماعية                                         17.3%

الثاني: جانب استثماري-إنتاجي: حيث يستأثر بالنسبة الأقل وهي 24.8% من النفقات العامة وبمبلغ قدره 33048506408 ألف دينار عراقي. علماً إن أكثر من 18%(6115668000 ألف دينار) من هذا المبلغ (مبلغ الجانب الاستثماري-الإنتاجي) جاء من خارج خزينة الدولة أي من القروض الأجنبية والمصرف العراقي للتجارة.

ويمكن تحديد حجم ونسب الإنفاق الاستثماري وفقاً للقطاعات والأنشطة بالآتي

التسلسل/ القطاع/ حجم الإنفاق الاستثماري) ألف دينار) / نسبته من مجموع الإنفاق الاستثماري

1 الأمن والدفاع 3246716308                        9.8%

2 التربية والتعليم 275430088                          0.83% 

3 الطاقة 19492127093                              58.98 %

4 الصحة 351300301                            1.06%

5 الخدمات الاجتماعية 151073797             3.07%

6 الماء والمجاري والصرف ال صحي 154100000 0.46 %

7 النقل والاتصالات 540311573                    1.63%

8 الزراعة 661076202                             2.00%

9 الصناعة 90574798                              0.27%

10 التشييد والإسكان 1953284986              5.91%

11 الثقافة والشباب والأندية وال اتحادات277980791 0.84%

12 الإدارات العامة المركزية والمحل ية5854530471 17.71%

أبرز دلالات استهلاكية الموازنة العامة 

1- ارتفاع نسبة الإنفاق التشغيلي الاستهلاكي إلى 75.1% من الإنفاق العام على حساب الإنفاق الاستثماري الإنتاجي الذي شكل 24.2% من الإنفاق العام.

2- ارتفاع نسبة الإنفاق الاستثماري على الطاقة بل كانت الطاقة تستحوذ على الجزء الأعظم من الإنفاق الاستثماري وهذا ما يؤكد على استمرار ريعية الموازنة في إيراداتها من جانب واستمرار استهلاكها من حيث نفقاتها من جانب آخر.

3- انخفاض نسبة الإنفاق الاستثماري على القطاعات الإنتاجية وشكلت نسب متدنية جداً إذ شكلت 2.00% للزراعة 0.27% للصناعة.

4- انخفاض نسبة الإنفاق على التربية والتعليم والصحة حيث لم تتجاوز نسبة الاستثمار 1% على التربية والتعليم في الوقت الذي يحتاج العراق فيه من 3 – 5 الآف مدرسة، وشكلت 1.06% على الصحة وهي منخفضة أيضاً، وهذا ما يعني إهمال الاستثمار في رأس المال البشري الذي يُعد أساس تقدم البلدان.

5- ارتفاع نسبة الإنفاق على الإدارات العامة المركزية والمحلية حتى شكلت 17% من الإنفاق الاستثماري مع استمرار ضعف الخدمات المقدمة، وهذا ما يعني استمرار الاستهلاك دون جدوى.

ولأجل اثراء هذا الموضوع أكثر نفتح باب الحوار عبر السؤالين الآتيين:

س١/ ما هي أسباب استمرار النمط الريعي والاستهلاكي في الموازنة؟

- أ.م.د حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يعتقد "إن هذا الموضوع هو من الموضوعات المهمة، علما أن الاقتصاد العراقي هو يعاني من اشكاليات سياسية، فلو بعدنا ما بعد (2003) وفي اطار اجماع واشنطن ونادي باريس وتسوية الديون العراقية، فكان هناك الزام على الدولة العراقية، أن تذهب باتجاه مبدا الدولة الصغيرة، والقصد من ذلك هو أن يكون الانفاق العام والميزانية التشغيلية قليلة جدا".

اضاف السرحان "وهذا المتطلب بطبيعة الحال يتعارض مع واقع دولة كبيرة، من حيث الانفاق العام والانفاق التشغيلي، وهذا مشكلة كبيرة لم تتجاوزها الحكومات السابقة، ولم تتكيف مع المتطلبات الدولية وشروط المؤسسات الاقتصادية الدولية، وحتى موازنة العام (2019) هي سارت في ذات الاتجاه، فالنفقات الموجودة خصوصا في الجانب الاستثماري في موازنة (2018) مثلا، كان للبرلمان العراقي ميزانية استثمارية تقدر ب (15) مليار دينار عراقي، وهنا نستفسر اين تصرف هذه الاموال".

يكمل السرحان "كذلك وزارة الدفاع والداخلية والوقف الشيعي والوقف السني كلها فيها موازنات استثمارية، فاين تصرف تلك الاموال، لكن الاشكالية الاخرى التي يمكن رصدها الان هي نسبة (24%)، التي تم طرحها في الورقة على اساس انها من مضمن الانفاق الاستثماري والانتاجي، فالاستثمارات الموجودة في مختلف الوزارات العراقية هي لا تدخل في خانة الاستثمار الانتاجي، بل هي تذهب باتجاه النفقات العامة، ايضا في موازنة (2019) هناك أكثر من (عشرين) بند هو يعتمد على القروض".

واشار السرحان "لكن الايجابية الوحيدة في هذه القروض انها موجه جميعا لأغراض استثمارية، لكن فعليا هذا الكلام غير دقيق، واقرب مثال على ذلك قطاع الزراعة والصناعة في موازنة (2019) لم يتجاوز التخصيص الاستثماري له اكثر من (3%)، ايضا التربية والصحة لم يتجاوز نسب الاستثمار اكثر من ( 2 أو 3%)، في وقت أن قطاع التربية وقطاع الصحة يتطلب الكثير من الاستثمار، بالإضافة إلى ذلك نحن لدينا التزامات الدولية في هذا الخصوص، فنحن كحكومة وكدولة عراقية لدينا الكثير من الالتزام اتجاه استراتيجيات التنمية المستدامة".

واوضح السرحان "وهي مقره من قبل البنك الدولي ومن قبل الامم المتحدة وغيرها، ايضا لدينا التزام فيما يتعلق بأهداف الألفية الثالثة، علما أن التنمية المستدامة تعتمد في جزء كبير منها على قطاعات التربية والتعليم والصحة، كذلك عندما نعود لموازنة عام (2018) ونلاحظ  تفاصيل الانفاق الفعلي للعام ذاته، فنجد أن النفقات الفعلية لم تتجاوز (60) ترليون دينار عراقي، بما معناه أن الانفاق الفعلي لحد الشهر (11) للعام (2018)، هو (69%) من النفقات المخططة، وهذا الرقم لو تم تقسيمه على (12) شهر يكون الناتج (5،1%)، بمعنى اخر حتى  شهر (12) الذي يأتي سوف يتم احتسابه على نفس الوتيرة".

يختم السرحان "عندها نستشف أن (21%) من النفقات المخططة لم يتم انفاقها بشكل واقعي وفعلي، أي يعني أن هذا العجز هو عجز مخطط، بالتالي فان الموازنات العراقية مبنية على هذا الاساس لان الاشكالية السياسية قائمة، ناهيك عن ذلك يراد لهذه الدولة أن تكون صغيره وهي ذات نفقات صغيرة في  القطاع العام والتشغيلي بالذات، لكن نجد الواقع يتناقض مع هذه الحقيقة، لذا فالأسباب وكما اسلفنا هي اسباب سياسية، كذلك الحكومات العراقية المتعاقبة لم يكون لديها ادراك ورؤية اقتصادية تتناسب مع سياسات الدولة بهذا الجانب، وشروط تسوية الديون أو جدولت الديون، ولكن الحكومة العراقية انتبهت لهذا الموضوع مؤخرا، وهي تريد أن تجعل موازنة العام (2020) موازنة بنود".

مشكلة العراق هي في ضعف الطاقة الاستيعابية للنفقات الاستثمارية

- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يعرض وبشكل تفصيلي بعض ارقام موازنة العام (2019)، حجم الموازنة (133) ترليون دينار عراقي، (100) ترليون كانت للنفقات التشغيلية، (33) ترليون كانت استثمارية، النفقات التشغيلية (15) ترليون منها للديون، (10) منها اقساط دين، (4،7) ترليون فوائد، والمتبقي (85) ترليون هي نفقات تشغيلية، طبعا الديون تنقسم إلى قسمين ديون داخلية وديون خارجية".

اضاف آل طعمة "لكن فيما يخص السؤال التالي لماذا النفقات منخفضة والتشغيلية عالية، في الحقيقة ورغم أن النفقات متواضعة في سنة (2017/ 2018)، ولكن المفارقة أن ثلث هذه النفقات المخصصة لا يتم صرفها نهاية العام، ففي العام (2018) ولحد شهر (11) كان هناك (9) مليار دولار فائض متبقي من الموازنة، فنلاحظ قد تم اقرار الموازنة بعجز للعام (2018) واقترضت الحكومة في حين انتهت بفائض، أي يعني هناك عجز مخطط وفائض فعلي، هذا يترتب عليه شيء مؤكد كوننا نقترض من دون أن نستفاد من تلك الاموال".

يكمل آل طعمة “اسباب ذلك يعود اولا إلى أن وزارة التخطيط ولحد الشهر السادس من العام الماضي هي لم تطلق التخصيصات الخاصة بالاستثمار، السبب الثاني هو وجود التجاذبات حول المشاريع الاجدى، فالبعض من يرى مشاريع الصحة والتعليم ويجب أن تستكمل، البعض الاخر يشير إلى المشاريع التي وحصلت نسبة الانجاز إلى (85%) فما فوق، بالتالي هذا الجدل بقي من دون تنفيذ".

واضاف ايضا "مشكلة العراق هي في ضعف الطاقة الاستيعابية للنفقات الاستثمارية، وهي مشخصة منذ عشرة سنوات، فالنفقات الاستثمارية لا توجد طاقة استيعابية لاستيعاب هذه النفقات وتحويلها إلى منجز، في حين النفقات التشغيلية التي تذهب كرواتب تستنفذ بالكامل، والسبب الرئيسي هو وجود الفساد، الشيء الاخر أن المشكلة لا تتوقف عند الحكومة الاتحادية، بل حتى مجالس المحافظات هي ايضا تعرقل الاستثمار والانجاز، بالتالي فان ادارة الملف الاستثماري هي ادارة سيئة، ناهيك عن ذلك فان هيئة الاستثمار هي حلقة كابحة للاستثمار في العراق".

اشار آل طعمة "بالتالي لا توجد ارادة ونية واخلاص في تنويع الاقتصاد العراقي وزيادة الانتاج وتفعيل القطاعات المنتجة، والسبب هو وجود مصالح مرتبطة باستمرار الوضع الراهن على ما هو عليه، وايضا لا توجد ارادة ولا توجد حكومة حاسمة وحازمة، فالقرار مشتت وفق معادلة التوافق السياسي، اما بالنسبة لخبراء الاقتصاد فقد ادوا ما عليهم خصوصا ومع وجود استراتيجيات جيدة وممتازة، ولكن تبقى مشكلة تنفيذ البرامج قائمة".

ويستطر آل طعمة "بالتالي فان موازنة (2020) ستكون اختبار حقيقي لحكومة السيد عادل عبد المهدي، خاصة وأن البرنامج الحكومي يتحدث في العام (2020) على انها موازنة البرامج والاداء، لذا من المفترض أن تكون نقلة نوعية ويكون تنفيذ المشاريع الاستثمارية بشكل شفاف، فبعد البرنامج الحكومي هناك خطوة سميت (المنهاج الوزاري) وبعدها جاء المنهاج الحكومي الذي مدته (100) يوم".

يختم آل طعمة “ففي هذا المنهاج هناك استمارة متابعة، وهي تنقسم إلى قسمين استمارة فصلية واستمارة نصف فصلية، فيتم من خلال ذلك متابعة جميع المشاريع الاستثمارية وفق زمنية محددة، فلذلك هذه الاستمارة اذ تم العمل بها ستسرع من نسب الانجاز". 

الاقتصاد العراقي سوف يبقى مرهون بإرادات خارجية

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يركز على الضغوط السياسية الخارجية، والتي تسعى وبكل قوة للقضاء على الاستثمار الناجح في العراق، ولأسباب تكاد تكون معروفة للجميع، فنحن هنا نشكل على الحكومة كونها تستجيب لهذه الضغوط، ولا تحاول أن تغير من هذا الواقع كي تنهض بالاقتصاد العراقي، بالتالي موقفها دائما ضعيف في كل المفاوضات".

اضاف الحسيني "فاذا لم نضع حد للتدخلات التي تريد أن تجعل من الاقتصاد العراقي تبعا لاقتصاديات دول اخرى، سوف لن نرى في الوقت القريب اقتصادا قائما على الاستثمار وتظهر فيه جوانب تنموية واضحة، ليبقى الاقتصاد الريعي هو السائد وهو المهيمن على كل جوانب العملية الاقتصادية في العراق، بالتالي الاقتصاد العراقي سوف يبقى مرهون بإرادات خارجية". 

- سماحة الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى "هذه الموازنة هي موازنة سياسية وليست اقتصادية، وهي جاءت لإرضاء اجندة خاصة معينة حيث نسميها داخليا (الكتل السياسية)، أو هي جاءت لإرضاء اجندات اقليمية، بالتالي تبقى الموازنات استهلاكية وليست انتاجية، فمن جهة الكتل السياسية هي حاولت تقسيم الموازنة حسب اتجاهات الكتل السياسية، وليس حسب استحقاقات واقع المجتمع العراقي".

اضاف معاش "فرئيس الحكومة اراد ارضاء الكتل السياسية لاستمرار برنامجه السياسي، بالتالي يستجد سؤال هنا لماذا لا يمضي رئيس الحكومة بإرضاء الكتل السياسية لمدد زمنية اطول، فالكتل السياسية هي تريد الريعية وذلك كي تستطيع السيطرة على السلطة، وذلك لان الريعية هي اداة لتمويل العامل الانتخابي، بمعنى اخر يستطيع من خلال الريعية الحصول على مجموعة كبيرة من الناخبين، وهذا واضح من خلال اهداف الكتل السياسية وهي تسعى لزيادة حجمها ونفوذها وقدرتها للحصول على كمية أكبر من الناخبين".

يكمل معاش "فالاستثمار إذا كانت الموازنة الاستثمارية انتاجية وتذهب نحو عملية تمويل المجالس المحلية والتعليم والصحة، فهذا سيؤدي إلى صعود الديمقراطية من القاعدة، بالتالي ستنفك الاصوات الانتخابية عن الكتل السياسية، وتقل هيمنة الكتل السياسية على الشعب وهذا عامل اساسي، وهذا اقرب ما يكون الى الاشتراكية من نوع ثاني، أي اشتراكية الكتل السياسية التي تحاول أن تؤسس لنمط معين من الاستعباد الاجتماعي لأصوات الناخبين".

اضاف ايضا " العامل الثاني هو العامل الاقليمي وهو مهم جدا، فنلاحظ هناك صراعات بين الدول الاقليمية للسيطرة على الاسواق الاخرى، فمثلا الصراع الخليجي-الخليجي هو صراع اقتصادي وليس صراع سياسي، بالنتيجة هذا الحصار على قطر هو بدافع الاستحواذ على السوق الموجودة في دول الخليج، كذلك الصراع في سوريا هو بدافع الهيمنة على السوق السورية وقطع الانتاج السوري، فالعراق لا يراد له أن يكون منتجا، بل يراد له أن يكون سوقا استهلاكية والنفط مؤثر في هذا المجال".

كما اوضح معاش "وذلك على اعتبار أن النفط هو من يمول الاقتصاد العراقي، بالتالي فبعض الاجندات الاقليمية تحاول أن تجعل من العراق مجرد سوق استهلاكية، فأي صعود استثماري في العراق يواجه من قبل الدول الاقليمية بالكبح، لذا هي تتدخل بالانتخابات من اجل صعود كتل سياسية معينة تمنع عملية الاستثمار والانتاج العراقية". 

صانع القرار العراقي فشل في ادارة الملف الاقتصادي في العراق

- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يطرح السؤال التالي لو رفعنا النفط كمورد اساسي لموازنة الدولة العراقي فكيف تتصرف الدولة العراقية؟، تلقائيا سيواجه مشكلة حقيقية، ولن يتمكن صانع القرار العراقي عندها من ارضاء المواطن، ولن يتمكن ايضا من ادارة دفعة الدولة بشكل كامل، بل ربما يواجه الوجود السياسي للعراق مشكلة كبيرة".

اضاف العرداوي "هذا يؤشر إلى أن صانع القرار العراقي فشل في ادارة الملف الاقتصادي في العراق، فالنفط لا يمثل دلالة على المهارة وعلى القدرة الاقتصادية لإدارة الدولة العراقية، وانما هو مورد طبيعي موجود في باطن الارض، المهارة الحقيقية هي في كيفية بناء اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات المختلفة، ويستطيع أن يبقى قائما على ذاته، لذا فالسبب الاساسي الذي جعل الموازنة ريعية، هي اننا لو رفعنا النفط لوجدنا لدينا صانع قرار سياسي واقتصادي فاشل بامتياز".

يكمل العرداوي "وهذا الفشل لصانع القرار العراقي انعكس على السياسات المتبعة في بناء الدولة، وانعكس على استثمار مكامن القدرة والقوة الحقيقية، وانعكس ايضا على الرفاه، فمن المفترض الدولة التي تمتلك مورد مالي فلابد أن ترفع من رفاه مواطنيها، لكن نجد اليوم المواطن العراقي يحتل الفقر لديه ما نسبته (22%)، فالسبب الاساسي هو فشل صانع القرار السياسي العراقي، الشيء الاخر هذا الفشل ادى إلى فشل من نوع اخر وهو معالجة الفساد المالي والاداري في العراق، فاليوم الفساد في العراق يراد منه ابقاء الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي او اقتصاد زمر، اكثر منه اقتصاد دولة".

اضاف ايضا "كذلك وبسبب هذين العاملين سمحنا للعامل الخارجي أن يكون مؤثر بشكل كبير، وهذا العامل الخارجي لن يسمح بمعالجة هذا الامر، فمثلا ملف الطاقة في العراق لن يعالج طالما دولة ما تجد نفسها، في عداد الخاسر الاكبر للموارد المالية التي تأتي من العراق ".

كما اشار العرداوي "وكذلك الحال بالنسبة لبقية السلع، فاليوم كل الدول ولو اخذنا الانتاج الصناعي والانتاج الحيواني والانتاج الزراعي كلها يراد منها افشالها في العراق، حتى يكون العراق سوقا رائجا لدول اخرى ".

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء والباحث في مركز آدم، يعتقد "من الناحية القانونية أن استمرار المورد الريعية والاستهلاكي لموازنة (2019)، نجد اننا لا ننفك من الارث القانوني الذي ورثناها من الدولة القديمة ومن النظام السابق وهو النظام الاشتراكي، النظام الاشتراكي في واحدة من تجلياته انه الدولة تتدخل في كل شيء، فحجم الجهاز الاداري يكون هائل ومترامي الأطراف، وبالتالي هنالك كم كبير من الموظفين ومن الدوائر الحكومية التي تتدخل في الشأن الاقتصادي والثقافي والبيئي والتربوي والتعليمي".

اضاف الحسيني "وهذا الذي لا نستطيع الخروج منه الان، فخروجنا منه لعله  سيسهم في خروجنا من النمط الريعي والاستهلاكي، فنجد مجلس النواب العراقي الموقر والحكومة العراقية الموقرة ومنذ العام (2003) وإلى الان، لم تعمل على خلق مبادرة حقيقية لإصلاح النظام القانوني في العراق، ومن خلاله يمكن أن نصلح النظام الاقتصادي والقضائي والاجتماعي والثقافي وما إلى ذلك، بل نجد أن المبادرات تنحدر نحو زيادة عدد الوزارات زيادة عدد الهيئات المستقلة، التي كل واحده منهن تملك هيكل تنظيمي لا يقل عن وزير ويتقاضى راتب ومخصصات وزير، وجيش من الموظفين الذين يتبعون هذه الهيئة وهذا التشكيل".

يكمل الحسيني "بالتالي تصبح هناك زيادة في الانفاق وزيادة في الاعتماد على النفط، اضف إلى ذلك سوف يكون هؤلاء عاطلين أو هم عبارة عن بطالة مقنعة، فعلى سبيل المثال البرلمان العراقي في العام (2017) صدر قانون يحمل عنوان (البصرة عاصمة العراق الاقتصادية) وهو تحت رقم(66)، فما الفائدة من هذا القانون، الفائدة الوحيدة هي أن مدير البلدية سوف يكون امين عاصمة  بدرجة خاصة، ويتحول راتبه من راتب مدير عام إلى راتب درجة خاصة ولابد أن يكون له معاونين ومدراء عامين، وبهذا الاجراء زدنا من الهيكلية وزدنا من البيروقراطية وزدنا من التشكيلات الادارية من دون أي فائدة حقيقية".

اضاف ايضا "لذلك هذا ما تعاني منه العاصمة بغداد، فأمين العاصمة والامانة في جهة، ومجلس المحافظة والمحافظة في جهة اخرى، والمواطن البغدادي غير مستفيد لا من الامانة شيء ولا من مجلس المحافظة شيء، ثمة اعقبها في العام (2018) قانون يوصي بسامراء عاصمة الحضارة الاسلامية وبابل عاصمة الحضارة الثقافية، فما هذا الترهل وما هذه الاستحداثات واين هو دور وزارة الثقافة، فهذا كله يستتبع زيادة في النفقات، لذلك فان استمرار النمط الريعي والاستهلاكي رهن بإصدار قانون السلطة التنفيذية في العراق".

واشار ايضا "إلى أن هذا القانون يحد من هذه التشكيلات ويقلص منها ويدمج التشكيلات الادارية المتشابهة، وبالتالي هو يقلل من عدد الدرجات الخاصة والعليا في العراق، حتى نقلل ونقلص تدخل الدولة أو زيادة الترهل الاداري، او خلق مناصب لإرضاء جهات حزبية وجهات متنفذة في بعض المحافظات وفي بعض الهيئات".

رسم السياسات العامة هو من واجب السلطة التنفيذية

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى "إن رسم السياسات العامة هو من واجب السلطة التنفيذية، لكن بما انه رئيس الوزراء لا يحظى بكتلة سياسية تسنده، بالتالي الفساد والنمط الريعي سوف يستمر للمرحلة القادمة".

-  عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يعتقد " في العراق ما بعد (2003) هي عبارة عن مراحل، بمعنى اخر أن هناك استحقاقات يجب أن ننجزها كما هو الحال في الانتخابات وفي الحكومات وفي الموازنات، فالهدف من كل ذلك هو وضع عناوين شكلية للديمقراطية وفارغة، والا لو كانت اهمية الموازنة بهذا المستوى العالي، اذن اننا امام مشكلة كبيرة جدا في انجاز الوزارات الفارغة كوزارة الدفاع والداخلية".

اضاف الصالحي "ففي بلد مثل العراق تعصف به الازمات من حدبا وصوب، فان جزء كبير من فشل مشروع الاستثمار عائد للتردي الامني في العراق، بالنتيجة كيف تستطيع أن تنجز موازنة فيها جهة استثمارية ولا تهيئ لها الارضية الامنية داخليا وخارجيا، لذا هذا الامر يشكل رسالة سيئة للاستثمار، بعبارة اخرى أن الكتل السياسية غير مستعدة أن تتخلى عن مصالحها في قبال بناء بلد، بالتالي فان استمرار هذا النهج هو ناتج عن التخبط السياسي وعدم توحيد المواقف، والتبعية السياسية، واستئثار وسيطرة فئات معينة على مراكز الثروة في العراق".

يكمل الصالحي "بالنتيجة الامر عندما يذهب باتجاه الاستثمار السيطرة ستكون صعبة، لكن بقاء المنهج الريعي على مصدر واحد كالنفط، هو سهل التوزيع وسهل الاستفادة منه، فالاستثمار قد يسبب لهم مشاكل غير محسوبة العواقب، ولذلك هذا النمط مسيطر عليه ويمكن استغلاله في الجانب الانتخابي بشكل واضح، وكذلك يستغل للسيطرة على الجهة الحكومية، لذا فالنهج الريعي هو ارادة كتل سياسية جهلا أو تعمدا".

س٢/ ما هي الحلول اللازمة لإنهاء النمط الريعي والاستهلاكي في الموازنات المستقبلية؟

- أ.م.د حسين أحمد السرحان، قال "عادة بعض الباحثين المتابعين للشأن الاقتصادي العراقي، يرون أن التحول الاقتصادي لابد أن يبدأ من القطاع الخاص، والسبب لان القطاع العام اليوم يستحوذ على نسبة كبيرة من الانفاق العام وانتاجيته ضعيفة جدا، فمثلا هناك (172) شركة حكومية، ما ينتج منها فقط نسبته (28%)، في الوقت الذي تستحوذ هذه الشركات على ما يقارب (30) ترليون دينار عراقي كنفقات عامة من كل موازنة، فالرقم (28) أي عدد الشركات المنتجة هي لا تستطيع سد حجم الانفاق المخصص لهذه الشركات".

اضاف السرحان "فالقطاع الخاص هو الاساس، لذا اريد للحكومات العراقية التي وضعت الخطة الوطنية لعام (2004/2007)، وايضا خطة التنمية (2007/ 2010)، واستراتيجية تطوير القطاع الخاص (2010/2014)، والاستراتيجية الكبرى التي هي (2014 / 2030)، علما أن الاستراتيجيات التي قبل (2014/2018) فشلت في تحقيق اهدافها في هذا الموضوع، وذلك من اجل توسيع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي وتكوين رأس المال الثابت".

يكمل السرحان "استراتيجية عام (2014 / 2030) المرحلة الاولى كانت في حكومة السيد العبادي، حينها الموازنة انطلقت في (شباط /2015) هذه الاستراتيجية اشترطت تطوير القطاع الخاص والبنى التحتية والاطر التشريعية اللازمة، المرحلة الثانية التي هي (2018/ 2022) التي تواكب الحكومة الحالية، الهدف المعلن من هذه الاستراتيجية أن يحقق القطاع الخاص ما نسبته (35%) من الناتج المحلي الاجمالي في عام (2022)".

اضاف ايضا "فعندما تأتي لهذه الموازنات ستجد ان سبب فشل هذه الاستراتيجية يعود، كون تلك الاستراتيجيات التي يتم وضعها لا تتناسب مع التخطيطات، بمعنى أن القطاع الخاص بقي بين وعود الخطط وانكار السياسات، لذا فالحل الانسب هو في القطاع الخاص، فتاريخيا قبل العام (2003) نلاحظ أن نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي يصل إلى (32/33%)، اما الان فمساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي الاجمالي لا يساوي شيئا".

كما اوضح السرحان "لذا فان تنشيط القطاع الخاص يتم من خلال مسودة قانون تم وضعها من قبل لجنة شكلت من قبل الحكومة، وايضا البنك الدولي والامم المتحدة ومنظمة الفاو وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، وتم وضع مسودة قانون بعد استشارات وخبرات محلية ودولية، بالتالي تم رفع مسودة القانون إلى مجلس الدولة لتدقيقها ومراجعتها، وحاليا هي في ادراج الدائرة القانونية لمجلس الوزراء، هذا المسودة يحتاج أن تأخذ طريقها وبما يتناسب مع تطوير القطاع الخاص (2014 / 2030)".

- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، يرى " إن صانع القرار العراقي يفكر بذهنية المستهلك وليس بذهنية المنتج، فإعادة تنويع الاقتصاد العراقي اشبه ما يكون بإعادة المفصل إلى موضعه بعد مدة اربعة عقود، أي مدة جدا مؤلمة والموضوع مؤلم، فنحن نحتاج صدمة على مستوى اسعار الصرف، وصدمة على مستوى ضبط السلع الكمركية، فهذه الامور كلها لا تناسب المناخ السياسي القائم على التوافق والمحاصصة، وكل السياسيين حاليا يعدون انفسهم يشغلون هذه المناصب للحصول على مكاسب ذاتية وحزبية". 

اضاف آل طعمة " بالتالي هم لا يحتاجون لعمليات جراحية، بل يكتفون بهذه المخدرات، لذلك هذا يتسم مع التشوه الحاصل في النظام السياسي وهو امتداد له، لذا الحكومة غير جادة في تحقيق الاصلاح الاقتصادي، وانما جهودها تتكرس فقط في عقد ورش ونشرات واستراتيجيات، أي انها تتمظهر خلف الجانب الإعلامي فقط ، وغير ذلك هي لا تستطيع أن تتقدم خطوة لأنه يتناقض بشكل كبير مع التوجه السياسي الحاصل الان، فهناك سوء في ادارة الملف الاقتصادي، وبالتالي فان ادارة هذا الملف يحتاج بشكل جاد لإرادة سياسية ويحتاج لمنهج ويحتاج لوطنية ويحتاج لنزاهة، وهذه الامور على ما اعتقد اغلبها مفقودة عند الطبقة الحاكمة".

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يعد "كل الاخفاق والتلكؤ الحاصل في الجوانب الاقتصادية، يأتي من طبيعة النظام السياسي في العراق الذي بنيه ما بعد (2003) على اسس خاطئة، هذه حقيقة مرة لابد أن يعترف بها الجميع، وبالتالي اذا استمر النظام السياسي وادارة الدولة بهذه الطريقة الفوضوية وغير المستقرة، لذا فالإخفاق الاقتصادي وتراجع الاداء الاقتصادي سوف يستمر، خصوصا وأن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن الديون العراقية، بلغت حجما سيستمر العراق في تسديده اذا استمرت واردات النفط على هذا المستوى حتى عام (2056)".

اضاف الحسيني "اذا تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي  هي من ضمن المقترحات التي تطرح في هذا المجال، بالتالي فان حكومة المشاركة أو الحكومة التوافقية هي البلاء الكبير في البلد، وذلك على اعتبار ستحصل مساومات بهدف خدمة الاحزاب وليس مصلحة العراق، فمن الافضل أن يتم تغيير اشياء معينة ، لاسيما عمر الدورة الانتخابية المقررة لأربعة سنوات، ففي ظل هذه الفوضى والتراكمات الجمة التي خلفها النظام السابق، فالسنتين الاولى من عمر الحكومة تستهلك في تثبيت اركان الحكومة، اما السنتين الاخيرة فالحكومة لا تستطيع ا أن تقدم شيء في حجم الخلافات الكبيرة التي تعصف بالعملية السياسية".

يكمل الحسيني "بالإضافة إلى ذلك فان القانون الانتخابي يجب أن يعاد النظر فيه بشكل جدي، بما يضمن تشكيل حكومة قوية مستقرة قادرة على الانجاز وقادرة على كبح كل المؤامرات التي تستهدفها، النقطة الاخرى لا امل في تحقيق تنمية اقتصادية فاعلة وناجحة اذا لم يتم القضاء على الفساد، فطالما هناك فساد هناك اذا هناك اخفاق وتراجع في التنمية الاقتصادية، ايضا قضية التدخلات الخارجية فيجب ان تضع في حسبانها الحكومات المتعاقبة في العراق، إن تجعل الدول المجاورة  تراعي المصلحة العراقية، وأن تحقق توافق ما بين المصلحتين العراقية والاقليمية، فهذه نقاط مهمة يجب أن يأخذ بها صانع القرار السياسي في العراق". 

- سماحة الشيخ  معاش "يجد بروز ظاهرة الثقافة الاستهلاكية في المجتمع العراقي ما بعد التغيير الحاصل في (2003)، ففي هذه الثقافة أي ثقافة الاستهلاك تكاليف جدا كبيرة، فمنها على سبيل المثال وهذا يكون من خلال الطلب المتزايد على المال، الشيء الثاني التوظيف المفرط  ما ادى إلى وظائف وهمية، النقطة الثالثة التأثير على الصحة العامة، فيكون الاكل غير الصحي والتغذية غير الصحية، النقطة الاخرى تأثيره على البيئة، وظهور بعض مظاهر الترف غير المناسب للواقع العراقي".

اضاف معاش "لذا نحتاج اولا إلى معالجة ثقافة الاستهلاك، كذلك العلاج يمكن أن يكون من خلال معالجة الترهل الوظيفي، وهو سبب كل المشاكل وهو الذي يؤدي إلى التنمر الذي يقوم به هذا الجهاز لسلب كرامة المواطن، وهذه النقطة تعالج من خلال تحجيم التوظيف إلى حد الكفاية والاحتياج ومحاسبة من قام بهذا العمل، أي في عملية استحداث الوظائف الوهمية ولو في اثر رجعي، وبالتالي يمكن أن نشجع على الانتاج وعلى القطاع الخاص من خلال الاستثمار بثلاثة نقاط، فانت لا تحتاج لبطاقة تموينية ولا تحتاج لوظائف وهمية لترضية المواطن".

يكمل معاش "تحتاج اولا إلى الاستثمار في التعليم الذكي والمركز، عندها نصنع مهارات ووظائف جيدة قادرة على ادارة الاقتصاد العراقي، النقطة الثانية التركيز على الاستثمار في  الصحة كي تلبي بعض حقوق المواطن الاساسية، الشيء الاخر الاستثمار في السكن، لذلك المواطن اذا شعر بالتعليم الجيد والصحة الجيدة والسكن الجيد، فلا يحتاج للوظيفة الحكومية بل يذهب وراء القطاع الخاص، كذلك الحكومة دائما ما تركز على المظاهر وهي لا تستثمر في البنى التحتية، فهي دائما ما تنشئ مولات ولا توفر الكهرباء، بالتالي الحكومة اليوم هي تخدع المواطن، فلابد أن تكون للحكومات اولويات تعتمد عليها".

- الدكتور خالد عليوي العرداوي، قال " اليوم اذا راقبنا الدولة العراقية نجد القوى الكابحة للدولة القوى التي تشد الدولة للخلف، هي اكثر قوة من القوى التي تدفعها إلى الامام، لذلك القوى المدنية والاكاديمية وحتى السياسية، التي يهمها جانب البناء لمفهوم الدولة والدولة بشكل كامل، هذه القوى اليوم هي جدا ضعيفة، والقوى التي تسحب الدولة للخلف أو التي تجعلها تقف في مكانها هي اكثر شدة، ولذلك قاطرة الدولة نجدها تتراجع إلى الخلف، بالتالي نرى اليوم قضية المديونية والبطالة والفقر والنزوح، وهذا مما انعكس على ثقافة المجتمع".

اضاف العرداوي "فهذه كلها افرازات لهذه القوى، ولمعالجة هذا الوضع نحتاج اولا إلى توفر الارادة السياسية لبناء العراق، اليوم تتوفر ارادة لتحقيق مصالح الكتل ولاستمرارية الوضع القائم، اما قاعدة سياسية لبناء العراق فهي غير موجودة، الشيء الثاني نحتاج لمراجعة تحالفاتنا الخارجية، اليوم مثلا لدينا تحالفين بارزين في الشرق الاوسط إيران وحلفائها وامريكا وحلفائها، المشكلة اننا نجد كل حلفاء إيران أصبحوا فقراء بما فيها ايران نفسها".

يكمل العرداوي "في الوقت الذي نشاهد فيه الحلف المقابل كلهم وضعهم جيد، لذا فان حلف إيران وحلفائها عجزوا أن يبنوا نموذج ناجح على المستوى الاقليمي والدولي، وهذا يدل على ان القوى الفاعلة داخل هذا الحلف تحتاج أن تعيد حساباتها من جديد، او أنه العراق يعيد تحالفاته ويوجد تحالف جديد يحقق مصالحه ومصالح المجتمع العراقي، بالتالي لا يمكن استمرار القاطرة الاقليمية والدولية بهذه الطريقة، الشيء الاخر لا يمكن لأي عملية اصلاحية أن تستمر ما لم ننهي دولة الفساد والاقتصادات الموازية".

اضاف ايضا "طالما هناك دولة اسمها دولة الفساد ومافيات الفساد، فلا يمكن أن تنجح هذه الندوة والندوات الاخرى والمؤتمرات الاخرى، دولة الفساد اصبحت متغلغلة ولها جذور عميقة داخل الدولة العراقية، فاذا لم تسقط هذه الدولة من غير الممكن أن نبني العراق من جديد". 

-   الدكتور علاء إبراهيم الحسيني "يعلق الآمال على الجانب الثقافي على اعتباره يلعب دور كبير جدا، فثقافة المجتمع العراقي اذا لم تتبدل باتجاه مغادرة الريعية والاستهلاكية، فمن الصعوبة  أن نقنع صانع القرار العراقي بان يغير، علما اننا جربنا السلطات التشريعية وهي قد تتعسف في استخدام السلطة، وهي قد تذهب باتجاه تحقيق مصالحها الفئوية الضيقة، والتي يكبح جماحها الرقابة، فالرقابة اما تكون رقابة ذاتية أو خارجية، الذاتية مستحيلة الان، اما الخارجية فأدواتها غير متوفرة الان، كذلك الرقابة الخارجية تنقسم إلى قسمين وهي رقابة قضائية ورقابة شعبية".

اضاف الحسيني "الرقابة الشعبية هي شبه مفقود أو مفقود بصريح العبارة، والسبب لان نمط المجتمع العراقي أصبح ريعي واستهلاكي، بالتالي لا نستطيع أن نطلب من الدولة أن تغادر الاستهلاكية، ولمعالجة هذا الامر لابد من اعادة النظر بمنظومتنا الثقافية ثم القانونية ثم ننطلق نحو الاقتصاد".

-   عدنان الصالحي، يعتقد "كل حركة تحتاج لبوصلة  كي توجهها وتقودها، اليوم لا الحكومة العراقية ولا الكتل السياسية لديها بوصلة واضحة في الراي واتخاذ القرار، بالنتيجة الخطط الاستراتيجية التي من المفترض أن تبنى عليها الدولة العراقية لما بعد (2003)، والتي انهكتها الحروب والمديونية الخارجية، اليوم نحن لا نواجه تلك الاشياء، بل على العكس من ذلك نواجهها  بتدخلات اوسع وبديون اكبر، الطامة الكبرى انه المجتمع العراقي بدأ يفقد البوصلة الدينية، بمعنى اخر أن القيادات الدينية بدأت تفقد سيطرتها".

اضاف الصالحي "وهذه إذا حدثت ننتظر المعجزة لحل المشكلة، فالمواطن العراقي عندما فقد الثقة بالكتل السياسية وفقد الثقة بالحكومة والملجأ الاخير هي القيادات الدينية، فاذا فقد الثقة بالقيادات الدينية سينتظر اما التغيرات والمعجزات الخارجية، أو يتماشى مع وضع الفساد في العراق والفوضى، بالنتيجة وصلنا إلى حافة الهاوية، بالتالي لابد أن يحصل تغيير وطريق الصدمة تنطلق من القيادات الدينية وتنزل إلى الشارع".

التعليقات
تغيير الرمز