ماذا يعني البيان الختامي لقمة الرياض؟

في سابقة لافتة احتضنت العاصمة السعودية الرياض يوم السبت الموافق للحادي عشر من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري قمة استثنائية ضمت زعماء 57 دولة عربية وإسلامية للتداول بشأن الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحماس، والتي اندلعت في اعقاب هجوم الاخيرة على القواعد العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية الكائنة عند غلاف غزة في السابع من شهر تشرين الأول-أكتوبر الماضي.                         

وقد انطوت خطابات الزعماء العرب والمسلمين المشاركين في القمة على قدر كبير من مشاعر الغضب وعبارات الإدانة والاستهجان للمواقف العدوانية الإسرائيلية، وتمادي تل ابيب في قتل المدنيين الأبرياء في غزة، وتدمير بنيتها التحتية، وتهجير سكانها، وضرب المستشفيات ودور العبادة والمدارس والجامعات وغيرها من الاعيان المدنية فيها بشكل مخالف لنصوص القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان.

 وفي الوقت نفسه أظهرت الخطابات –أيضا- انقسامات واضحة وتباينات لا لبس فيها بين الزعماء في تقييم العدوان الإسرائيلي، والأطراف المتورطة فيه، وسبل الرد عليه، والنظرة المستقبلية للصراع في فلسطين.

ولكن بدون الخوض في هذه الخطابات، والاهداف والرسائل التي حاول كل زعيم ايصالها من خلالها، خرجت القمة ببيان ختامي تكون من 31 بندا، انطوت على إدانة كافة الإجراءات العدوانية الإسرائيلية في غزة، واستنكار المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي، ورفض تهجير وقتل الشعب الفلسطيني، وضرورة إطلاق سراح جميع الاسرى والمعتقلين المدنيين، ونفي صفة الدفاع عن النفس فيما يحصل بالنسبة لتل ابيب، والدعوة الى كسر الحصار على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية بكل الطرق المتاحة. كما طالب البيان الدول والمنظمات الدولية باتخاذ مواقف جدية لإيقاف العدوان وتطبيق القوانين والقرارات الدولية ذات العلاقة، ودعم التحرك الدولي لمحاسبة إسرائيل بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها سواء من خلال المحكمة الجنائية الدولية او من خلال جهود السلطة الفلسطينية، وتكليف الامانتين العامتين لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بتشكيل وحدتي رصد لتوثيق الجرائم الإسرائيلية وكشفها للرأي العام، فضلا على تكليف وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا واندونيسيا ونيجيريا وفلسطين بالبدء بتحرك دولي باسم المنظمتين من اجل إيقاف العدوان. إضافة الى ما تقدم، رفض البيان خطاب الكراهية الإسرائيلي، وتمسك بخيار السلام وفقا لقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، المستند الى حل الدولتين، والذي يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تحيا بسلام وأمن الى جانب دولة إسرائيل. وختمت القمة بيانها بالدعوة الى عقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب فرص، وتقديم الدعم المالي والاقتصادي اللازم للحكومة الفلسطينية ووكالة الاونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين).

ان هذا البيان على أهميته، ودقة الظرف الذي صدر فيه، الا انه لا يخرج عن الخطاب التقليدي الذي اعتادت عليه الدول العربية والإسلامية في جميع قممها السابقة، كما تجد تجد فيه ثلاثة امور لا يمكن اغفالها، ولها دلالات مهمة هي:

الأول-خلو البيان من الخطاب الراديكالي الذي اعتادت على طرحه الجمهورية الإسلامية الإيرانية والأطراف العربية القريبة منها، ذلك الخطاب الذي ينكر وجود إسرائيل كدولة، ويدعو الى تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر، مما يدل على وقوع هذا الخطاب تحت تأثير الخطاب الذي تمثله الأطراف العربية والإسلامية الأخرى المستعدة للتعايش مع وجود الدولة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، ولذا تجد التأكيد واضحا في البيان على السلام وحل الدولتين وغيرها من العبارات التي تصب في نفس الاتجاه. 

الثاني- لم يتضمن البيان الإشارة الى منظمة حماس ولا مرة واحدة، بل على العكس تبنى وجهة نظر الحكومة الفلسطينية بعد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة جميع الفصائل الفلسطينية الى الانطواء تحت مظلتها، وهذا التوجه من القمة يذهب ضمنا الى تجاهل حماس ودورها في الحرب الدائرة في غزة، ويرجح كفة تل ابيب والعواصم الغربية العاملة على انهاء تأثيرها في أي مسار مستقبلي للسلام في فلسطين.

الثالث- تبني القمة خيار عدم توسيع الحرب ، عندما ادان بيانها الختامي في البند (23) التهديدات الإسرائيلية المتكررة " بإعادة لبنان الى العصر الحجري، وضرورة الحؤول دون توسيع الصراع"، وهذا التوجه من القمة يتماشى مع الإرادة الإسرائيلية والغربية بصورة او اخرى، ويجعل هذه الأطراف تتنفس الصعداء، كونها ستشعر بحرية اكبر في التصرف مع غزة بعد ان اطمأنت الى عدم وجود رغبة عربية وإسلامية في توسيع الصراع خارج فلسطين المحتلة، وربما ستكون من تأثيرات هذا التوجه لدى الدول العربية والإسلامية هو ضغط طهران على وكلائها في المنطقة لمنع فتح جبهات جديدة مع اسرائيل.

حقيقة، ان هذه القمة والبنود التي تبنتها الدول العربية والإسلامية في بيانها الختامي على أهميتها لن تردع تل ابيب عن المضي في تحقيق أهدافها التي وضعتها لحربها في غزة، طالما اقتصرت مواقف هذه الدول على الشجب والادانة والاستنكار والرفض والمطالبة وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، فما كان يخيف تل ابيب وحلفائها هو وجود استعداد عربي واسلامي لتوسيع الصراع عند الضرورة، وبغياب هذا الخيار او التلويح به تكون بقية التبعات قابلة للتحمل، ومن السهل تبريرها او تجاوز أثارها وحتى نسيانها بفضل الهيمنة الغربية والإسرائيلية على المنظمات والسياسة الدولية، وعلى وسائل الاعلام في العالم.

أخيرا، ربما ستكون من ثمار القمة هو تعميق العلاقات العربية السعودية بعد زيارة رئيسي الى الرياض، واستمرار تبادل اللقاءات بين الطرفين، وقد نشهد قريبا زيارة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى طهران، وكل ذلك سيترك تأثيراته الإيجابية على الاستقرار في الشرق الأوسط، ومعالجة الملفات العالقة في العراق وسوريا واليمن ومنطقة الخليج، مما يعني إعادة النظر في المواقف التي تتخذها الدولتين في سياستهما الخارجية، وإعادة تقييم وكلائهما وحلفائهما وفقا لمتطلبات ومصالح السياسة الجديدة.

التعليقات
تغيير الرمز