أسعار النفط وحرب المضخات

تعجز أساسيات العرض والطلب عن تفسير التدهور المذهل الذي طال أسعار النفط العالمية منذ نهاية العام الماضي مما يؤكد ان النفط كان وما زال سلعة سياسية بامتياز، وتشير معظم الآراء والتحليلات إلى أن التطور الحاصل في أسعار النفط ليس له علاقة بأساسيات الاقتصاد، بل هو عبارة عن تحرك جيوسياسي له أهداف إقليمية وعالمية للضغط على بعض الدول اقتصاديا. في هذا السياق، يرى عدد من المراقبين أن الرياض تخوض حربا غير معلنة على طهران بسبب برنامجها النووي، وتريد إضعاف النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط الممتد من العراق إلى غزة ولبنان ومن سوريا إلى اليمن. أما الولايات المتحدة فتستغل انخفاض الأسعار - رغم أنه يؤذي صناعة إنتاج النفط الصخري لديها- بهدف تدمير الاقتصاد الروسي. وقد تناولت الكثير من الدراسات مؤخرا دور السعودية والولايات المتحدة في معاقبة روسيا وإيران بسبب الخلافات السياسية الناشبة في أوكرانيا والشرق الأوسط، خصوصا بعد المقال الذي نشره الكاتب الأمريكي المشهور وذي الارتباطات الواسعة في واشنطن، توماس فريدمان، في عموده في صحيفة « نيويورك تايمز» بتاريخ 14 أكتوبر (تشرين الأول) تحت عنوان «حرب المضخات»، حيث يفترض الكاتب وجود اتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يرمي الى ترويض عدد من الدول، والأسباب التي أوردها الكاتب تتلخص بإن تخفيض الأسعار سيلحق الضرر بالاقتصاد الروسي ويؤثر سلباً في النزاع الأوكراني، كما أنه سيُضعف الاقتصاد الإيراني، خاصة في حال الاتفاق النووي المتوقع مع إيران والرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية على ضوئه. من جانب آخر، لم تلق المواقف السابقة التي تتهم الولايات المتحدة والسعودية بالتآمر للضغط على الدول المصدرة للنفط قبولاً لدى وزير البترول السعودي علي النعيمي، حيث نفى الأخير مرارًا وتكرارًا المزاعم التي تشير إلى أن المملكة السعودية مشتركة في مؤامرة لتخفيض أسعار النفط، وبالنسبة للنعيمي فإن انخفاض أسعار النفط ناجم عن "نقص التعاون من قِبل الدول المنتجة للنفط والغير منضمة لأوبك، جنبًا إلى جنب مع انتشار المعلومات الخاطئة وجشع المضاربين"، وبعبارة أخرى، فإن الوزير السعودي يود أن يقول إن العالم مسؤول عن انخفاض أسعار النفط، باستثناء البلد الذي أبقى تاريخيًا أسعار النفط مرتفعة من خلال التحكم بالإنتاج، وهذا الموقف يبدو غريبًا خاصة في ظل تخلي أوبك - ومن خلفها السعودية الرئيس الفعلي لها - عن الإستراتيجية التقليدية لهذا الكارتل، حين أعلنت المملكة العربية السعودية أنه لن يخفّض الإنتاج حتى لو انخفضت الأسعار إلى 20 دولارًا للبرميل. إن انخفاض أسعار النفط مؤخرا لم يكن نتيجة لديناميكية السوق الحرة، فالعوامل الاقتصادية تعجز عن تفسير هبوط بنسبة 50% من قيمة برميل النفط خلال أسابيع، بل إن هذا الانخفاض جزء من إستراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف لخنق الاقتصاد الروسي، والحد من التمدد الإيراني في الشرق الأوسط ودعم الحركات السياسية في عدد من البلدان العربية، لأجل تحقيق أهداف إستراتيجية كبرى. ولا يرجح ان يكون الحد من إنتاج النفط الصخري الهدف من هذا التدهور، حسبما يدعي الإعلام السعودي، على اعتبار ان المملكة العربية السعودية قد ساهمت بشكل غير مباشر، وبتنسيق مع الولايات المتحدة، على نمو هذا المصدر من الطاقة حين حافظت على استقرار أسعار النفط فوق عتبة ال 100% خلال السنوات الأربع الماضية.
التعليقات
تغيير الرمز