تحسن اسعار النفط وحقيقة الوفرة المالية في موازنة 2021

في شهر اذار من العام الجاري صوت مجلس النواب العراقي على الموازنة العامة 2021 بأجمالي نفقات (129) ترليون دينار. وقدرت الايرادات النفطية في الموازنة بقرابة (81) ترليون دينار بناءا على سعر نفط متحفظ (45) دولار وصادرات نفطية قدرت بـ (3.25) مليون برميل يوميا، بضمنها (250) الف برميل من اقليم كوردستان. اما الايرادات غير النفطية فقدرت بقرابة (20) ترليون دينار متضمنة الضرائب والرسوم وايرادات املاك الدولة وغيرها. ويتم تمويل الفجوة بين اجمالي النفقات العامة والايرادات العامة (قرابة 29 ترليون دينار) عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، ومن جهات محلية ودولية ثُبتت في بنود الموازنة. مع ذلك، رافق اقرار الموازنة العامة تعافي اسعار النفط في الاسواق العالمية نتيجة اتساع رقعة تطعيم لقاحات كوفيد-19 حول العالم وتخفيف القيود في العديد من الدول ولمختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية فضلا على انتعاش قطاع السياحة والسفر، مما اسهم في ارتفاع معدلات الطلب على النفط وتحسن الاسعار بالشكل الذي دفع تحالف (اوبك+) الى تخفيف قيود الانتاج على البلدان الاعضاء والاتفاق على زيادة الحصص الانتاجية لبعضها حفاظا على توازن الاسعار في الاسواق العالمية. 

هل توجد وفرة مالية؟

ارتفاع اسعار النفط العراقي المباع في الاسواق العالمية من قرابة (53) دولار مطلع العام الى اكثر من (72) دولار في الآونة الاخيرة زاد من الايرادات النفطية من (4.7) مليار دولار مطلع العام الجاري، الى اكثر من (6.7) مليار دولار في شهر ايلول الماضي، وكما موضح في الجدول ادناه. هذه الارقام دفعت العديد من النواب في البرلمان العراقي وبعض الخبراء والمختصين الى المطالبة بموازنة تكميلية والغاء الاقتراض العام وانشاء صندوق ثروة سيادي لإيداع الفائض من الوفرة المالية المتحققة منذ شهور بسبب تعافي اسعار النفط واتساع الفارق بين السعر المقر في الموازنة، (45) دولار للبرميل، وبين سعر البيع الحالي، والمقدر كمتوسط (70) دولار للبرميل. مع ذلك، فان اعتماد لغة الارقام والحسابات المالية الحكومية من مصروفات وايرادات فعلية تفصح عن نتائج معاكسة تماما للوضع المالي المتوقع في الاعلام، ولعدة اسباب نذكر منها ما يلي:

1- من اجل تمكين الايرادات العامة من استيعاب النفقات العامة في العراق وتحقيق التوازن المالي الفعلي في موازنة 2021 ينبغي ان يكون متوسط سعر برميل النفط العراقي المباع قرابة (75) دولار طيلة ايام السنة المالية وليس بشكل متذبذب كما هو الحال عام 2021.

2- يشترط في تعظيم الايرادات النفطية ان يرافق ارتفاع اسعار النفط (للمعدل المذكور اعلاه) ثبات الكميات المصدرة من النفط، فقد بُنيت الموازنة الاتحادية 2021 على صادرات نفطية لا تقل عن (3.250) مليون برميل، اما المُصدر فعلا خلال الشهور الماضية لا يتجاوز (3) مليون برميل، نظرا لتخلف حكومة اقليم كوردستان عن التزاماتها النفطية بتسليم بغداد (250) الف برميل، نتيجة ارتفاع اسعار النفط وقيام حكومة الاقليم بتصدير نفط الشمال بشكل مستقل عن وزارة النفط الاتحادية، رغم استمرار بغداد في تمويل حكومة الاقليم شهريا.

3- وفقا للحساب المالي الحكومي، سجلت الايرادات النفطية المتحققة قرابة (43) ترليون دينار حتى نهاية شهر تموز 2021، نظرا لتذبذب الايرادات النفطية خلال الشهور السبع الماضية. واذا ما افترضنا بقاء اسعار بيع النفط العراقي، كمتوسط، كما هي الان عند (72) دولار، والصادرات النفطية عند معدلاتها الحالية (3) مليون برميل يوميا، فان اجمالي الايرادات النفطية المتوقع تدفقها الى العراق خلال الشهور الخمس المتبقية من العام الحالي تقارب (47) ترليون دينار، وبذلك يصبح اجمالي الايرادات النفطية المتوقع تحققها نحو (90) ترليون دينار. وهي بالكاد تغطي الايرادات النفطية المثبتة في الموازنة وتعوض جزء من العجز المتوقع في الايرادات غير النفطية، وكما مبين في الفقرة اللاحقة.   

4- قدرت الايرادات غير النفطية في موازنة 2021 بقرابة (20) ترليون دينار في حين يفصح الحساب المالي الحكومي الفعلي، الصادر عن وزارة المالية، عن تحقيق ايرادات غير نفطية بقرابة (3.9) ترليون دينار حتى نهاية شهر تموز الماضي، واذا ما استمرت على هذا المنوال فان اجمالي الايرادات غير النفطية التي قد تتحقق حتى نهاية العام الجاري لن تتجاوز (7) ترليون دينار كحد اقصى، وبما يقل عن المبلغ المخمن في الموازنة بقرابة (13) ترليون دينار، وهو عجز اخر في الايرادات العامة المخمنة، يضاف الى العجز المخطط في الموازنة الاتحادية. 

حقيقة وضع الموازنة

تفصح الارقام الفعلية والتقديرية المذكورة عن حقيقة الوضع المالي في العراق، ويتضح ان ارتفاع اسعار النفط متغير واحد، ولا يمكن الاعتماد عليه كونه مرتبط بتطورات الجائحة وآفاق نمو الاقتصاد العالمي. مقابل عدة متغيرات تضغط على موازنة 2021 من نحو معدل الصادرات النفطية وعدم تسليم نفط الاقليم والمبالغة في تقدير الايرادات غير النفطية وغيرها. ولا يعني ذلك ان نهاية العام الحالي سيدخل البلد في ازمة مالية بقدر ما يدعو الى توخي الدقة والحذر في مراقبة الوضع المالي في العراق وعدم المبالغة في تقدير الوفرة المالية والفوائض الناتجة عن تحسن اسعار النفط في الاسواق العالمية، بل الاستعداد لأوضاع مالية صعبة قد تواجه العراق اواخر العام 2021 على جانب الموازنة الجارية.

 اما على جانب الموازنة الرأسمالية، والممولة اساسا من الاقتراض العام بشقيه الداخلي والخارجي، فان موازنة 2021 خصصت قرابة (29) ترليون دينار للنفقات الرأسمالية، في حين لم تتجاوز المصروفات الاستثمارية خلال الشهور السبع الماضية (2) ترليون دينار، وهو تنفيذ متواضع جدا مقارنة بآلاف المشاريع الاستثمارية والخدمية المتوقفة منذ سنوات بحجة نقص التمويل وضعف التخصيصات الاستثمارية. ويعود ذلك بشكل رئيس الى ضعف الجهد الاستثماري الحكومي وعدم قدرة معظم الوزارات على تنفيذ المشاريع الاستثمارية ضمن السنة المالية الحالية وترحيلها مجددا الى العام القادم. الامر الذي يجعل العديد من الموازنات العراقية خلال السنوات الماضية تُقر بعجز مخطط وتنتهي بفائض فعلي يكون رصيد افتتاحي لموازنة العام المقبل.

التعليقات
تغيير الرمز