العراق والعقوبات الاقتصادية على تركيا وإيران

يواجه الشريكان التجاريان الاكبر للعراق، تركيا وإيران، عقوبات اقتصادية وازمات مالية حادة قد تغير ملامح العلاقات الاقتصادية القائمة مع العراق. وحتى العام 2017 بلغ حجم التبادل التجاري مع الجارة تركيا قرابة (10 مليار دولار) اي ما يقارب (22%) من اجمالي حجم التبادل التجاري العراقي. في حين قاربت حصة إيران (7 مليار دولار) وهو ما يوازي (13%) من اجمالي حجم التبادل التجاري العراقي. 

مؤخرا، اطاحت العقوبات والرسوم الامريكية بالليرة التركية لتفقد قرابة (14%) من قيمتها وتقترب من حاجز (6 ليرة للدولار الواحد). ورغم مناشدات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على ضرورة مقاومة الازمة الراهنة، من خلال بيع الدولار والاحتفاظ بالليرة التركية لإفشال المخطط الامريكي الرامي الى زعزعة الاقتصاد التركي، الا ان توقعات المستثمرين والجمهور باستمرار الفقاعة زادت من حمى المضاربة على الليرة التركية وزعزعت ثقة المستثمرين الاجانب بالاقتصاد التركي، مما يحتم على الحكومة التركية تفعيل ادوات السياسة النقدية وسياسات الاقتصاد الكلي الاخرى، بدلا من الخطابات العاطفية. 

اما فيما يخص الاقتصاد الايراني، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة أكثر عمقا وابعد تأثيرا نظرا لارتباطها بأجندة سياسية اقليمية ترمي الى تدمير نظام الحكم الايراني من الداخل عبر حزمة سياسات امريكية ترمي الى ايقاف تدفق العملة الاجنبية الى إيران واخراج الشركات الاجنبية العاملة فيها والحد من صادرات النفط الايراني وعزل إيران عن النظام المالي والاقتصادي العالمي، فضلا عن سياسات اخرى ترمي جميعها الى اضعاف قدرات الاقتصاد الايراني والحكومة الايرانية، واثارة الراي العام في إيران. وقد دخلت العقوبات الامريكية الجديدة على إيران حيز التنفيذ يوم الاربعاء (8 اب)، والتي تستهدف مشتريات إيران من الدولار الامريكي وتجارة إيران في المعادن والفحم والبرمجيات وقطاع السيارات. وأدت الى هبوط التومان الايراني بقرابة 150% ليصل الى قرابة (10000 تومان مقابل الدولار الواحد) بعدما كانت قرابة (4000 تومان مقابل الدولار الواحد) مطلع العام الحالي. وستمتد العقوبات الامريكية لتطال قطاع النفط الايراني مطلع تشرين الثاني من العام الجاري.

عقوبات الشركاء ماذا تعني للعراق

مؤخرا، وبسبب الازمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بدول الجوار، يشير عددا من المحللين والمهتمين بالملف الاقتصادي الى اهمية اقتناص الفرصة الذهبية الراهنة من خلال تفعيل القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والنهوض بالاقتصاد الوطني الذي تضرر بفعل سياسات الاغراق التي تتبعها دول الجوار لتحقيق النمو الاقتصادي فيها. ونود الاشارة الى جملة من الملاحظات على تلك الافكار، وكما يلي:

1- يعني هبوط سعر صرف الليرة التركية والتومان الايراني زيادة القدرة التنافسية لهذه البلدان وزيادة تدفق السلع والخدمات من البلدان المذكورة، نظرا لانخفاض اسعارها بالنسبة للأسواق المحلية في العراق وثبات سعر صرف الدينار العراق المقوم بالدولار الامريكي (قرابة 1200 دينار للدولار الواحد)، وهذا يعني اضعاف فرصة المنتج الوطني على المنافسة في السوق العراقية وليس العكس كما يذهب البعض.

2- يزيد هبوط سعر صرف عملات دول الجوار من توافد العراقيين لأغراض السياحة الدينية والطبية والترفيهية نظرا لقوة الدينار المقوم بالدولار الامريكي وضعف عملات هذه الدول مما يعني زيادة القدرة الشرائية للدينار العراقي في تلك البلدان.

3- إنعاش القطاع الصناعي في البلد لن يتحقق حين تنخفض عملات الشركاء التجاريين كما يرى البعض (منطق الاقتصاد الدولي)، بل العكس تماما. وفي العراق فان نهضة القطاع الصناعي بحاجة لحزمة من السياسات منها دعم وتحفيز القطاع الخاص، اعادة النظر بتقييم سعر الصرف القائم، توفير البنية التحتية، تامين جسور التمويل، سياسات ضريبية ملائمة، وغيرها من الاجراءات الحكومية.

4- فيما يخص القطاع الزراعي، فليس من المرجح ان يحقق طفرة بهبوط اسعار صرف عملات دول الجوار ايضا، فالقطاع يحتاج لسياسات مماثلة لمتطلبات القطاع الصناعي، فضلا على اعادة هندسة السياسة المائية في البلد بما يضمن حدود الكفاف لاحتياجات السكان والقطاع الزراعي والمتطلبات الاخرى.

واخيرا، تنبغي الاشارة الى ان التحديات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البلد منذ سنوات بحاجة الى معالجات داخلية مدروسة وسياسات كلية، قصيرة ومتوسطة وطويلة الاجل، وان اي سياسة غير مدروسة باتجاه تعويم سعر الصرف او منع الاستيرادات الاساسية من دول الجوار او الانخراط في تحالفات اقليمية، قد يضر بالدرجة الاولى بالمواطن العراقي ويزيد من معدلات الفقر والحرمان ويدفع الاقتصاد الى الجزء الحاد من الازمة. 

التعليقات
تغيير الرمز