التعليم العالي في العراق : مكامن الاعتلال وسبل المعالجة

المقدمة: يستمد التعليم العالي أهميته من دوره المحوري في استكمال حلقات البناء والنهوض الحضاري للأمة، فهو المعين المعرفي الذي يمدها بالطاقة اللازمة لمواصلة مسيرة التطور، وهو الدعامة الرصينة في تحصين المجتمع ومعالجة تشوهاته من آفات الجهل والتعصب ومخاطر الثقافات الظلامية الهدامة أو الاستهلاكية السطحية. وفي آتون الدمار الذي خلفته آلة الحرب والذي استطار شرره ليطال كل أركان الدولة العراقية وبناها (التحتية والفوقية)، كانت الجامعات العراقية هي الأخرى تأن تحت وطأة الإصابات المزدوجة التي لحقت بها من جراء إهمال النظام السابق من جانب ومن جراء الأضرار التي خلفتها تلك الحروب من جانب آخر. إن حجم الدمار وتداعياته ترسم حدوداً واسعة لدور ينبغي أن تؤديه الجامعات اليوم. ومثل هذا الدور يستقدم الحاجة الماسة لتشخيص مكامن الاعتلال في بنية الجامعات ذاتها كمدخل لا غنى عنه لتوصيف المعالجات الضرورية. والفرضية التي يمكن إطلاقها لترسيم دالة البحث في هذا المجال تنبني على القول بأنه كلما تعاظم حجم الدمار وتفاقمت تهديداته التي تواجه المجتمع عامة ومؤسساته التعليمية خاصة، كلما تنامت الحاجة وتأكدت لإعلاء شأن المؤسسة الجامعية وتعزيز دورها في تحصين ذلك المجتمع وتضميد جراحه، بعد أن يتم تحصين الجامعة ذاتها ومعالجة اعتلالاتها. ولا يستغني البحث في هذا المضمار عن الاستعانة بأدوات المنهج النظمي والوظيفي والإفادة من محدداته في تسهيل الوصول إلى أهداف البحث عبر خطة تقوم على ثلاثة محاور أو إشكالات الإشكال الأول: انتقاء المدخلات الإشكال الثاني: تطوير أنماط المعالجة التقليدية الإشكال الثالث: تكييف الإفادة من المخرجات الإشكال الأول: انتقاء المدخلات تستمد ماكنة التعليم العالي فاعليتها وقدرتها على العطاء من جودة الوقود الحيوي الذي تستخلصه من حصيلة المعرفة التي تراكمت لدى طلابها عبر أشواط الدراسة الأولية السابقة. ومثلما تكون المنطلقات الصحيحة في عملية البناء العلمي الحصيف معارج لا غنى عنها في إدراك الحلقة الأهم لإنضاج المخرجات وتحقيق الأهداف، كذلك يكون النقيض حينما تتهالك عملية البناء أو تسند إلى قواعد خاوية تضيق في ظلها الرؤية المستقبلية ويغيب عن افقها التخطيط والتماس الأهداف بأسلوب علمي وعملي. ومحنة التعليم العالي في العراق تنشأ في محطتها الأولى عند آلية غياب انتقاء الاختيار للمدخلات المستند إلى عنصر الكفاية المطلوبة للتخصص الدراسي. وبالمقابل تصب عند غياب التزود بالمدخلات كل إخفاقات النظام التعليمي الأولي وترسباته، بعد أن تكون قد مرت بقناة التصفية الاضطرارية التي تدعى بـ(الامتحان والقبول المركزي). وإذا كان الحصاد المر لترسبات الدراسة الأولية يمثل جزءاً من المحنة الأولى للتعليم العالي، فإن اعتماد الجامعة في استحصال مدخلاتها (وقودها الطلابي الحيوي) في ضوء محددات ومقررات نظام الامتحان والقبول المركزي يمثل الجزء الآخر من محنة فرض المدخلات على منظومة التعليم العالي في العراق وهذا يتأتى من أسباب أهمها:- 1. إن هذا النمط الامتحاني وما يترتب عليه من قبول مركزي يمثل الحلقة المتقدمة والأدق لاستحصال مخرجات نظام تعليمي متهرئ يتأسس على المفاهيم التقليدية في التعلم عن طريق الإملاء والتلقين والاستذكار مع إهمال ملكات ذهنية مهمة أخرى تبرز من خلالها قدرات الطلبة ومواهبهم. أي إن هذا النمط من الفرض الآلي يستحضر معه إلى جانب غياب الإدارة الحرة كل إخفاقات النظام التعليمي الأولي في العراق، الأمر الذي لا يحمل معه الأمل بامكانية تحقيق انعطافه أو نقلة نوعية في طريقة استحصال مدخلات رصينة لمنظومة التعلم. 2. يمثل هذا النمط من الامتحان والقبول المركزيين انعكاسا وامتداداً لنظام سياسي مركزي شمولي انتهت أيامه، وهو بالتالي لا ينسجم مع ولا يلبي متطلبات عملية إعادة بناء العراق الفدرالي الديمقراطي الجديد. 3. إن الآلية المركزية الشمولية التي يعتمدها هذا النمط الامتحاني يستلزم توافر شروط ومتطلبات من أهمها استقرار الوضع الأمني، والتنظيم الإداري المحكم، وبالتالي فإن الإخفاق أو حتى الارتباك في توفير أي شرط من الشروط يصيب الآلية الامتحانية بأعطال وتصدعات كارثية تنعكس بصورة جذرية على تدني مستوى المخرجات التي تتمخض عن هذا الشكل الامتحاني مثلما حصل في العامين السابقين في ظل غياب الأمن وهيمنة الميليشيات على المراكز الامتحانية. 4. لا يعبر هذا الأسلوب الامتحاني الشامل عن حقيقة المستويات والطموحات للطلبة الممتحنين. بل ليس من قبيل المبالغة وصف هذا الامتحان بأنه مقصلة الطموحات ومذبحة الإدارة الحرة التي تهدر على أعتابها إبداعات الطلبة وأحلامهم وآمالهم. وهكذا تغيب عن انطلاقة العملية التعليمية عنصر الانتقاء والاختيار، عندما تستجيب الجامعات لمقررات الامتحان والقبول المركزيين. المعالجة: لما كان من الصعوبة العملية والواقعية اقتفاء سبيل المعالجة من منطلق التغيير الجذري الشامل في بنية النظام التعليمي العراقي ككل، لذلك قد يجوز – ولو من الناحية الافتراضية النظرية – تبني منهج الحلول الترقيعية أو المعالجة التدريجية وذلك باعتماد نظام متقدم للأعداد والتقديم الذهني والنفسي القائم على انتخابات وتطوير الخصائص الإبداعية لطلبة الدراسة الإعدادية وتحديداً (طلبة المرحلة الرابعة الإعدادية) ثم السعي لتطوير تلك المكنات باعتماد مناهج وبرامج دراسية مختصة ومصنفة تبعاً لحقول التخصصات الجامعية بما يرقى باهتمامات وقدرات الطلبة وبما يلائم متطلبات الدراسة الجامعية في مرحلة لاحقة. ولا تتكامل حلقات هذا البناء العمودي ما لم يصار إلى دمج مخرجات النظام التعليمي الأولي بمنظومة التعليم العالي بعد استئصال مطب الامتحان والقبول المركزي واستبداله بنظام الامتحان التنافسي للقبول في كل كلية على حده طبقاًَ لاختيارات الطلبة واهتماماتهم وقدرتهم على اجتياز الامتحان التنافسي للقبول في التخصص المطلوب مما يجعل الطالب حرفي اختياره ومسؤول عنه في الوقت ذاته ومؤهل لاستكمال الشوط الذي تهيء له منذ منطلق الدراسة الإعدادية. وقد تم تبني هذا النموذج من القبول الفردي في أغلب الدول المتقدمة وكانت الإمارات العربية آخر من التحق بقافلة الدول التي ألغت نظام الامتحان المركزي. الإشكال الثاني: تطوير أنماط المعالجة تتعشق مقومات المنظومة التعليمية في بؤرة حيوية تعد بحق جوهر العملية التعليمية وقلبها ففي هذا الحيز الحيوي تتم معالجة المدخلات وتنضيجها وتهيئتها سبيلاً لزجها إلى سوق العمل. وينبني هذا الحيز الذي يسبغ على جل العملية التعليمية هويتها ومحتواها وجدواها على ثلاثة أركان تدعى وفقاً للرؤية الدارجة (مثلث العملية التعليمية) (المدرس، المنهج الدراسي وطريقة التدريس). وعند تسليط الضوء على ما يلوح به المحور الأول من المثلث الذهبي (المدرس) نجد أنفسنا أمام ترسانة لا يستهان بها من الضغوط والمعوقات التي تضيق الخناق على وضع التدريسي، بعض هذه الضغوط تم استيراثها من تركه الماضي، وبعضها الآخر أفرزته الظروف الاستثنائية التي مر ويمر بها قطرنا بعد الحرب الأخيرة. وتحت جناح المتوارث من الماضي تبرز للعيان مشقة استحصال التغيير والتطور المنشود لجيل من التدريسيين الذين تشبعوا بقيم المجتمع الشرقي التقليدية حتى ينغلق أفق الأمل في التغيير. ثم يغرق طاقم التدريسي تارةً أخرى بلجة الهرمية المقيتة والسياقات الروتينية المثمرة والمتجذرة في أركان المؤسسة التعليمية، وفي مواجهة تدفق الضغوطات البروقراطية وأمراضه المزمنة تذوي مع استحكام حلقات الروتين روح الحماسة والتطلع إلى التغيير والإبداع. وبالانتقال إلى الضفة الأخرى من المشاكل التي نشأت في ظل الظروف الاستثنائية التي ولجها قطرنا بعد حربه الأخيرة تترامى أمام ناظرينا صورة أشد حلكة وقتامة، إذا اكتسبت محنة التدريسي في العراق أبعاد لم تطلها سابقاً، فبعد انفراط حلقات الأمن واستحكام الشعور بالخوف والتهديد لدى المدرس الجامعي، كان على هذا الأخير أن يحصد بمرار تداعيات الحرب وآثارها المدمرة على مجتمعه ومؤسسته التعليمية عبر صور من الإساءة التراجيدية التي تمثلت بالحلقات الآتية: 1. هجرة واسعة للأساتذة والكفاءات العلمية إلى خارج العراق، الأمر الذي خلف فراغاً كبيراً في مختلف التخصصات تسبب أولاً في تدني مستوى التعلم الجامعي وتراجع عنصر الخبرة الأكاديمية، وتسبب ثانياً في الإجهاز على خبرات وتخصصات معرفية تضاعفت الحاجة لها في ظل الظروف الراهنة للبلد. وعندئذ لاحت في الأفق هشاشة البناء المعرفي الخاوي من عنصر الخبرة والتواصل بين الأجيال. 2. تحرك مركز الثقل المعرفي وانتقاله من مركز العاصمة إلى المحافظات. ومثلما أسهم ذلك في إنعاش الحياة الجامعية في الأطراف بدفعات من الخبرة، فإنه بالمقابل قد أفضى إلى إقصاء تلك القدرات المعرفية المهاجرة عن مصادر التلقي والتواصل المعرفي في المركز. 3. انزواء الجيل المتبقي من التدريسيين وانغلاقهم على الذات إيثاراً للسلامة والحذر من مخاطر الاندفاعات الحماسية التي قد تخسرهم حياتهم. وهكذا تلاشى الأمل في التغيير والتطور تحت سيف الخوف من بطش الميليشيات وإرهابهم. 4. التخندق الطائفي والحزبي وتسيس الرسالة الجامعية، فعلى اعتاب الانفتاح السياسي والديمقراطي المجوقلة إلى العراق الجديد، وعلى أوتار العزف الطائفي المتسربل بترسانه الحشد السياسي، أغرق النظام التعليمي برمته في دوامة تلك التجاذبات الحزبية والطائفية أما طمعاً في تسلق هرم السلطة أو خوفاً من تكلفة التوجهات المستقلة في عصر الانحياز والاستقطاب الحزبي والطائفي. فكانت الجامعات من ساحات المواجهة الساخنة بين أنصار التيارات السياسية والطائفية المتصارعة حتى فقد الأستاذ حياديته وانغمس في تلك الجدالات والتجاذبات، فانعكس ذلك كلياً على فاعلية الماكنة التعليمية وكفاءتها بعدما هيمن المتحيزون وانزوى المستقلون. إن ما جرى على التدريسيين انسحب كذلك على الطلبة الذين ارتشفوا علقم الإرهاب والتهديد لحياتهم والتهجير لعوائلهم أو على الأقل محاولة استقطابهم إلى تلك التجاذبات وانعكست محصلة ذلك سلباً على المستوى التعليمي وقدرات الطلبة التي تراجعت بصورة ملحوظة أما بسبب عدم الالتزام بالدوام والحضور وأما بسبب غياب الحافز والطموح بسبب قتامة صورة المستقبل التي ارتسمت في إطار الإرهاب وغياب فاعلية الدولة عن احتضان هؤلاء الطلبة في ساحات العمل والبناء. وعند الحلقة الثانية من مسلسل الأزمة التعليمية تطالعنا محنة المناهج الدراسية التي تخلفت عن كل أرتال ومراكب الحضارة الإنسانية، فهذه المناهج لم تزل تحاكي عنصراً قد ولى. وترجي الأمل في تطويرها (أي مناهج) بات صريع العقم المؤقت الذي أصاب المنظومة التعليمية ككل أما بسبب هجرة العقول والكفاءات العلمية المنتجة أو عزوفها عن مواكبة التطورات العلمية أو بسبب عدم قدرتها على تجاوز معوقات الروتين. وتكتمل آخر حلقات أزمة المعالجة عند محنة أسلوب التدريس.وهنا تحصن علقم كل إخفاقات وأمراض ليس نظامنا التعليمي فحسب وإنما مجتمعنا ككل، ليس في الوقت الحاضر فحسب بل في الماضي أيضاً. ويمكن إيجاز ملامح هذه المحنة، بعبارات محددة: "انعدام أفق التغيير وضمور الإدارة في التطوير، والمحاكاة المقيتة لسياقات الدراسة الأولية وأعرافها، مع خنق الطالب بين كماشة الاستذكار ومعيارية الدرجة، وتحت سقف التسلط، والانكفاء على مباني المنهج الدراسي دون إضافة أو تطوير، مع تغييب مقيت لدور الطالب وأثره في ريادة الحركة المعرفية". المعالجة: يمكن تشخيص المعالجة للأزمات السابقة الذكر عبر تبني المحاور الآتية: 1. الانتقاء والارتقاء: عبر إخضاع التدريسي لامتحان مقابلة لتفحص إمكاناته وقدراته العلمية والذهنية، ثم يتم إخضاعه لاحقاً لبرنامج تدريسي واختيارات لفحص القابلية دورية مع تنظيم قاعدة بيانات مفصلة لمتابعة تطور التدريسي طوال سنوات خدمته الجامعية، وذلك لا ينفصل عن ضرورة ضمان تواصل هذا التدريسي مع الخبرات العالمية المتقدمة عبر برامج واتفاقيات مع أبرز الجامعات على سبيل الإعارة والمعايشة للاحتكاك والتزود بالخبرة والمعرفة الضرورية لرفد حركة التدريسي الجامعي. 2. تخفيف الضغوط عن التدريسي: وهذا الأمر يتأتى من خلال تبني جملة مقترحات عملية منها- رفع سقف الرواتب- صرف مخصصات مغرية للنشاطات غير التدريسية مثل البحوث والترجمة والإشراف وغير هذا –تخصيص وحدات سكنية ووسائل نقل التدريسيين- تخصيص مستلزمات البحث العلمي وتسهيل طريقه- تذليل العقبات الروتينية المختلفة التي تواجه مسيرة التدريسي من خلال اعتماد نظام الارتباط الالكتروني بين الجامعة ومركز الوزارة لتسيير متابعة معاملات الأساتذة. ضمان استقلالية الجامعات والمعاهد عن التأثيرات السياسية وحلقات الروتين الحكومي. الإشكال الثالث: تكييف الإفادة من المخرجات عند إسدال الستارة على آخر فصول الدراسة الجامعية لا تنتهي محنة التعليم العالي في العراق بل تتجسم وتتفاقم أبعادها حتى تطال بآثارها السلبية بنية المجتمع وديناميكية ذلك أن جحافل المتخرجين تفوق بأشواط بعيدة قدرة سوق العمل على تعبئتهم ثم إن ما تلقوه من معارف نظرية قد توارت خلف حجب القصور في القدرة الاستذكارية للإنسان العادي والتي لا تتجاوز في أسمى صورها سقف الأربعين يوماً، وحتى ما يعلق في ذهن المتخرج من خبرات ومعارف نظرية تبتعد كثيراً عما تتطلبه الحياة العملية من خبرات، وعند هذه المفازة يرتحل الخريج بمركبه المعرفي المتهرئ رحلة مكوكية إلى عالم الواقع العملي الذي لن يكون سوى مطب حقيقي لتسفيه أحلامه وتشتيت قدراته وتلاشي طموحاته، فتضيع في دوامة البطالة والاغتراب العملي أو الانزواء وهجرة العقول أهم القدرات التي ينتظرها البلد في أحنك ظروفه. المعالجة: في مواجهة هذا الزحف الجامعي المديد على سوق العمل ينبغي تدارك خطر الفوضى والفيضان المعبر عنها بالبطالة عبر اعتماد آليه التخطيط الاستباقي القائم على قاعدة بيانات رصينة لتشخيص قدرة السوق على احتضان التدفقات من الخريجين مع العمل في الوقت ذاته على مستويين متقابلين أولهما: تمكين الجامعة من ضخ الطلبة –أثناء الدراسة النظرية- إلى سوق العمل على سبيل المعايشة والتدريب العملي وذلك لتحقيق غايات منها تذويب البون الشاسع بين حيز النظرية والتطبيق، ومنها أيضاً ترويض وصقل المهارات المتولدة من حقل المعرفة في سوق العمل عبر إعادة دمجها في الأخير، ومنها خلق فرص مستقبلية للإفادة من هؤلاء الطلبة وخاصةً المتميزين منهم في المواقع التي سبق وان تدربوا بها، والاهم من ذلك وقبله تفحص إمكانية السوق على احتضان الخريجين والعمل المبكر على احتواء الفائض منهم عن سوق العمل وتوظيفه في مجالات أخرى. أما ثانيهما فيتواصل مع الحلقة السابقة من خلال تشخيص وتعزيز قدرات السوق على احتواء موجة المتخرجين للحيلولة دون تبديد طاقاتهم. ويتساوق مع هذا المنهج فكرة قيام الجامعة بذاتها على إيجاد فرص استثمارية من خلال توظيف جزء من ميزانيتها وخبرات أساتذتها في مشاريع تمويل ذاتي لتطويرها مستقبلاً للإفادة في رفد قوى السوق وتقليص حجم البون بين الجامعة والسوق. كلمة أخيرة إن فداحة الأضرار التي أصابت المؤسسة الجامعية في العراق وخطورة التهديدات التي تواجهها في المرحلة القادمة من جراء الإهمال الطويل والحروب المتكررة، قد رسمت خطوطاً واسعة ومفتوحة للمواجهة لا يمكن تجاوزها بعد اليوم، وأملت أعباءً ومهام ينبغي النهوض بها قبل فوات الأوان. فمن خلال الاستجابة الفعالة والتحلي بروح المسؤولية والوعي بحجم وحقيقة الضرر وأخذ زمام المبادرة وتحشيد الطاقات والعمل البناء الدؤوب، يمكن فقط تضميد جراح الماضي والحاضر وسلك طريق آمن إلى المستقبل. إن الاستجابة المنشودة تتعدى مسؤولية شخص القائد الإداري والحكومة السياسية، حيث إنها تتسع لتشمل جميع مستويات العمل والتفاعل داخل مؤسسة التعليم العالي وخارجه. وهذا يستلزم –ابتداءً- قدح زناد الوعي بالحاجة إلى التغيير والتطوير وإدراك كنه الضرر سبيلاً لتداركه قبل استفحاله. لذا يعد هناك متسع للاستكانة والتلطف بالراحة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم والتي تنذر بسحق المتوانين عن اللحاق بركب الحضارة... لأن هذا يعني الهلاك المؤجل مع احتمال امتداد مساحة الاعتلال وتعسر سبل المعالجة لواقع التعليم العالي في العراق.
التعليقات
تغيير الرمز