في ظل تعقيدات المشهد السياسي العراقي والانهيارات غير المسبوقة للتنظيمات الارهابية في العراق يتجه ميزان التحديات العراقية نحو اهداف أخرى كإقامة الأقاليم واستقلال كردستان العراق واهتمامات أخرى وبالتالي هناك ثمة متغيرات جديدة تلوح في سماء العلاقة بين القوى السياسية العراقية.
ولأجل استيعاب هذا المتغيرات عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ملتقاه الشهري تحت عنوان (العلاقة بين القوى السياسية العراقية في ضوء المعطيات الحالية)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والاكاديمية والاعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.
وقد أشار مدير الجلسة الدكتور حسين احمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الى ان " الدولة العراقية شهدت بعد التغيير السياسي في عام(2003) تعددية سياسية، نتج عنها تعددية حزبية وهذا الموضوع تماهى كثيرا مع هدف التحول الديمقراطي والانتقال الى النظام السياسي الديمقراطي، لذى وجد عدد كبير من الأحزاب السياسية هذا الأحزاب تتباين من حيث الأهمية والعمق ومن حيث الامتداد، منها ما هو تم تأسيسه داخل العراق في القرن الماضي واضطر الى الخروج من العراق ومارس العمل السياسي في دول الجوار ومنها ما شكل داخل العراق بعد التغيير السياسي".
"هذه التشكيلة السياسية والتعددية الحزبية أصبحت ثقافة جديدة على المجتمع العراقي، وعلى الثقافة العراقية السياسية، بعد سيطرة الحزب الواحد على النظام السياسي على السلطة لعقود طويلة لكن هذه التعددية مختلفة في الاتجاهات، فلدينا في العراق قوى وأحزاب سياسية مختلفة الأيديولوجية، فهناك أحزاب إسلامية واحزاب لبرالية او علمانية لاسيما وان بعض الأحزاب الاسلامية ينتمي الى المكونات الإسلامية الأساسية كالمكون الشيعي والمكون السني، فضلا عن الأحزاب القومية الموجودة في كردستان العراق. هذه الأحزاب كانت تتخذ موقف المعارضة للنظام السابق، لكنها بعد التغيير دخلت في العملية السياسية وكان لها شان كبير في إدارة البلاد طوال المرحلة السابقة، ما يؤشر على ان هذه القوى والأحزاب السياسية، وهو نادرا ما يحدث في دول العالم انه قضية العلاقة بين هذه القوى بمراحلها المختلفة، فمنذ التغيير السياسي في العام (2003) ولحد حزيران (2014) هذه العلاقة اكتنفتها الكثير من الاشكاليات السياسية ، ابرز هذه الإشكاليات هي ما مارسته سلطة الائتلاف المؤقتة في تشكيلها لمجلس الحكم الانتقالي والحكومة الانتقالية، هذا المجلس تم تشكيلة على أساس طائفي اثني وبالتالي أسس الى انعدام الثقة والشك والخوف من الاخر لدى القوى السياسية، ونتيجة المناخ السياسي الغير مستقر اضفى على هذه الاشكاليات الكثير من الامتداد والاثار السلبية، لذلك استمرت العلاقة منذ تأسيس مجلس الحكم والى الوقت الحاضر، تبنى على أساس المصالح الحزبية الضيقة بعيدا عن المصلحة الوطنية.
وبالتالي كان المعيار الاساسي لتعامل هذه القوى السياسية اتجاه بعضها البعض هو المصلحة الحزبية، حتى اننا في انتخابات (2014) بداءنا نبحث عن مصلحة شخصية ففي انتخابات (2006)، كانت المصلحة طائفية فيما يخص المناصب وإدارة الدولة وفي عام (2014)، كانت المصلحة حزبية بامتياز وحاولنا أيضا ان نرضي شخوص، وعنداك اخرجنا اشخاص متهمين بعمليات إرهابية، ومن ثمة تولوا مناصب عليا في الدولة سواء على الجانب التشريعي او التنفيذي، وهذا إشكالية أساسية وعمقت من عدم الثقة والشك اتجاه الاخر. هذه المرحلة انتهت في حزيران عام(2014) ولكنها عادت لتتجدد بوجود العصابات الإرهابية وامتداداتها في شمال العراق وشمال غرب العراق، وعلى هذا الاساس أصبح الموضوع هو سبب في سيطرة هذه المجموعات الإرهابية، وكان محور سجال وجدال بين هذه القوى في مجلس النواب وحتى في الحكومة، عن مسؤولية سيطرت هذه التنظيمات على ما يقارب من ثلث مساحة العراق، فالقاء المسؤولية والتهرب منها استحدث معيار جديد في العلاقة بين هذه القوى السياسية. المرحلة الحالية هي مرحلة نهاية تلك التنظيمات وهي في طور التكوين والتشكل، وواقعا اننا سندخل الى معايير أخرى تخص علاقة هذه القوى فيما بينها، هذه المعايير تستند اليوم وبشكل أكثر وضوحا على ممارسة السلطة، على مستوى أقاليم ومحافظات وليس على أساس المشاركة في الحكومة المركزية، ولذلك بداءة الدعوات تظهر بتجاه اقلمت البلاد والخروج من هذا المنعطف السياسي الخطير وتدارك دروس المرحلة السابقة ولابد من التصحيح السياسي في هذا الاتجاه.
اليوم بدأت العلاقة تختلف وتتأثر حتى داخل المكون الواحد، فأحزاب التحالف الوطني اليوم هناك الكثير من عدم التوافق وانعدام الرؤية المشتركة اتجاه بناء الدولة العراقية وإدارة البلاد وشكل ونمط النظام السياسي، وأيضا على مستوى المكون السني هناك تشتت وتبعثر في القوى السياسية، وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب والقوى السياسية الكردية نتيجة الإشكاليات السياسية ونتيجة الازمات السياسية التي يمر بها الإقليم، وأيضا هناك نوع من الصراع داخل هذه القوى، بالتالي اليوم الصراع انتقل ليكون أكثر حده داخل التحالفات القومية وحتى داخل التحالفات الطائفية".
وللولوج أكثر في هذا الموضوع تم فتح باب الحوار من خلال طرح الأسئلة الاتية: _
السؤال الأول: ما هي قراءتك لطبيعة العلاقة بين القوى والأحزاب السياسية بعد داعش وهل هي علاقة صراع ام تنافس؟
_ الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز ادم" اكد على ان تجارب العراق في السنوات الماضية تكاد ان تؤرخ لوجود محور مؤثر جدا في هذه العلاقة وهو عامل الثقة، وهذا العامل كان مفقود بين الأحزاب والكتل السياسية العراقية وعلى طول المراحل التي مرت بها العملية السياسية، واذا استرجعنا قليلا الى الوراء لوجدنا الصفقات التي كانت تحدث الاخرين لا يأمنون بان ينفذ الجانب الذي لصالحهم، فعلى سبيل المثال توافقت الكتل السنية والشيعية والكردية في فترة من الفترات على اصدار بعض القوانين، حتى جاءونا ببدعة السلة الواحدة ففي عام (2008) كان قانون المحافظات وقانون العفو العام وقانون الإجراءات التنفيذية لتشكيل الأقاليم، كانت تمر في سله واحدة والسبب كل كتلة كانت تريد ان تمرر القانون الذي تسعى ان تحقق مصالحها من خلاله. جاءتنا بعد ذلك الولاية الثانية للسيد المالكي فتعمق كثير ا مسالة انعدام الثقة بين الكتل السياسية، بسبب سلوكيات السيد رئيس الوزراء آنذاك او محاول استهداف بعض الشركاء السياسيين، وبدأ يأخذ منحى خطير بالبلد وانتهينا الى ما انتهينا اليه في دخول العدو داعش واحتلاله مساحات كبيرة من العراق، فلا زال هذا الهاجس يسيطر على الكتل والأحزاب السياسية، السيد رئيس الوزراء الحالي وان حاول جاهدا ان يزرع الثقة من خلال تنفيذه لجانب كبير من البرنامج الذي جاء به، لاسيما وضع نظام داخلي لمجلس النواب العراقي فهذه واحد من التطمينات التي تذهب نحو الفرقاء السياسيين. اليوم السيد رئيس الوزراء في تحركاته على الصعيد الإقليمي والدولي والوطني، تحركات تنمو عن محاولة لملمت الشتات وزرع الثقة بين الفرقاء السياسيين، ولكن لازال هذا الامر يحتاج الى اشواط طويلة حتى نصل اليه، والسبب في ذلك ان اغلبية السياسيين لا زالوا يعيشون في عقلية المعارضة وليست عقلية الحكم، ولا زال البعض منهم يعيش ازمة المصالح الذاتية والدفاع عنها ازاء المصالح الوطنية، وبالتالي كانت كثير من الاعمال التي صدرت ن السلطات العامة تشريعية وتنفيذية، تنحى منحى تكريس المكاسب ومحاولة تأسيس لأحزاب كبيرة ولبقاء هذه الأحزاب على سدت الحكم لفترة أطول. لذلك فمسالة العلاقة المستقبلية ما بعد داعش ستبقى تدور الصراع بين هذه الكتل وهذه الأحزاب السياسية، لان الكثير منها لم يفهم الى الان ما هو العمل السياسي او ما هو المراد من العمل السياسي او السياسية بالتحديد وهي تهدف الى تحقيق المصلحة العامة، وقيادة الشعب نحو شاطئ الأمان وتحقيق اهداف الدولة العراقية، لا زلنا الى الان كل سلطة بنيت على وتيرة معينة ولا زلنا نفتقد الى الحكمة في تعاملنا السياسي والى من يبادر الى المساعي الحميدة، خاصة وان المغزى من وجود منصب رئيس الجمهورية في العراق هو لتقريب وجهات النظر وهذا الدور لم تلعبه رئاسة الجمهورية الى الان، لذلك فقضية الصراع لا تزال وربما ستستمر الى اوقات اخرة ".
_ احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات ،تحدث قائلا: " ان تاريخ الكتل والأحزاب السياسية التي حكمت العراق ما بعد (2003)، يتضح جليا بان الحالة ما بعد داعش سوف تبقى في نفس المضمون ما قبل وجود داعش، حيث الصراع الذي يصل في اقصى حالاته الى التسقيط والتشهير والتقليل من شان الاخر، بسبب ان الكتل والأحزاب السياسية في اغلبها لم تطرح مشاريع من شانها بناء مؤسسات الدولة او بناء الدولة، طرحت مشاريع مبنية على تأجيج العواطف والتعبئة، وهذه المشاريع أدت بنا الى وجود انقسام حاد في المجتمع العراقي على أسس قومية وطائفية وحتى انقسام في داخل الطائفة الواحدة. واليوم الفاعل الخارجي موجود ولا يمكن ان يغادر العراق فبعض الدول استعملت تكتيكات أخرى، فالسعودية ومنذ السقوط والى الان هي مقاطعة تماما للعملية السياسية في العراق وتعتبرها من صنيعة الخارج، وتعتب انه كل تلك القضايا مبنية على الطائفية او بمغزى اخر انه التدخل الإيراني في الشأن العراقي، وبالتالي وصلت الى نتيجة انه كل ما عملة عليه من خلال تمويل جماعات المعارضة فهي لم تصل الى اهدفها التي ترنو اليها، عنداك اتبعت تكتيك أخر بفتح افاق مع العراق وهو نواع من أنواع الحضور على الساحة العراق، هذا الحضور ممكن ان ينعكس ما بعد داعش او ما بعد الانتخابات القادمة على شكل علاقات دبلوماسية لغرض اثبات الوجود بالمقابل الطرف التركي والإيراني والامريكي، ما ممكن ان يترك العراق طرف إقليمي او دولي له اتباع من داخل الكيانات والأحزاب السياسية، وبالتالي ممكن هذه القضايا ان تعالج مرة أخرى على أسس طائفية او مشاريع تقسيميه لغرض تعبئة الشارع، لذا الكتل السياسية لم تأتي بجديد في المرحلة القادمة سوى تغيير المسميات ورفع شعارات، فعلى سبيل المثال طالب المجلس الأعلى على لسانه زعيمه السيد عمار الحكيم بمشروع جديد لإصلاح الوضع، والغريب ان تلك القيادة هي داخل العملية السياسية منذ عام (2003)، جهات أخرى أيضا تسوق لنفسها بمشاريع جديد مع انها هي ذات الجهات التي أوصلت البلد الى حالة من الفساد والفوضى والتشرذم والاقتتال، فبالتالي انه لا يوجد لقضية التنافس الحزبي وجود انما نحن امام حالة صراع وتعبنه لإذكاء حالة العواطف حتى ما بعد داعش".
_الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى "ان السمة الغالبة للعلاقة ما بين أحزاب السلطة في العراق هي علاقة صراع، فكان من المفروض ان تكون العلاقة علاقة تنافس في ظل النظام الديمقراطي، لذلك تحديد طبيعة العلاقة ما بين أحزاب السلطة في العراق هي هدف وغاية صعبة جدا ولا يمكن الوصول بها الى نتيجة، وذلك لان الأحزاب في العراق احزاب متعددة تجمعها فقط في الوقت الحالي مصلحة او هدف واحد، يجمع كل الأحزاب ويحظى باتفاق الجميع وهو محاربة داعش مع وجود اختلاف على الالية، الى جانب ذلك هناك عدد من النقاط التي سببت هذه العلاقة المتصارعة ما بين الأحزاب هذه النقاط لم تتغير لحد الان، منها مثلا مطالبة الاكراد بتطبيق الماد(140) الخاصة بالمناطق المتنازع عليها. الشعور الذي كان سائدا وما زال لدى السنة بأنهم مهمشين، خوف الشيعة من الارتداد الى الماضي والعودة من جديد الى حالة يعانون منها من الظلم بعيدا عن وجودهم في السلطة، ما زالت هذه الهواجس حاضرة لدى صاحب القرار السياسي في العراق، فهل التغيير ما بعد داعش سيحسن من العلاقة ما بين الأحزاب الإجابة ستكون سلبية، لأنه لم يطرأ تغيير على المواقف القديمة وعلى القضايا القديمة، ولحد الان هناك عدم ثقة ما بين الأحزاب".
_ المحامي زهير حبيب الميالي " يكاد ان يشكك في حقيقة التغيير المرجو في العلاقات التي تجمع بين القوى السياسية العراقية، بل يرجح حتمية تفاقم الامر بعد خروج داعش من العراق ولأسباب مختلفة، كان يكون تشكل أحزاب جديدة لا تفقه من السياسية شيء او لها طموحات وامل غير منطقية ولا تتلاءم مع الوضع العراقي القائم، ناهيك عن الطموحات والآمال الشخصية والحزبية التي تصب في خدمة الخارج قبل ان تصب في مصلحة الداخل العراقي".
_ حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية " يرجح بان كل حزب يسعى الى سدة الحكم من اجل تحقيق المآرب والمصلحة الشخصية، وبالتأكيد هذه المقومات منها مقومات داخلية فعلى سبيل المثال الحصول على الثروة، وهناك مقومات سياسية من اجل الشهرة وهناك دافع خارجي مدعوم من دول الجوار الاقليمي او الدولي".
_الدكتور حيدر ال طعمة كلية الادارة والاقتصاد وباحث في مركز الفرات" يؤشر الى ان الكثير من التجارب الدولية والبلدان التي تمتلك ثروات سواء نفطية او غير نفطية، شهدت صراعات وانقلابات مثل فنزويلا نيجيريا وغيرها من الدول، بطبيعة الحال ان العامل الاقتصادي هو عامل مهم جدا، فالعراق لو لم يكن يمتلك مثل هذه الثروات ليس هناك مسوغ للتكالب عليه، لذلك هناك مجموعة مغذيات لهذا الصراع وليس هناك من امل لانتهاء تلك الاستهدافات. ان أول عنصر هو الموارد المالية والسعي الى السلطة يغني هناك نهم كبير نحو السلطة من قبل الأحزاب السياسية، الامر الثاني هو طبيعة المنظومة الحكومية وتشكيلها على أسس توافقية وطائفية، وهذا الامر لم ينتهي في الأمد القريب بل سيستمر وهذا أيضا عنصر صراع، فلو كانت الحكومة حكومة اغلبية يقابلها على الطرف الاخر حكومة معارضة، عنصر اخر أيضا مهم هو الارتباط الخارجي الموجود عند كل جهة من الجهات السياسية العراقية، لذلك فالوضع ربما يكون أكثر سوداوية بعد خروج داعش من العراق، لأنه تلك الجهات والكيانات المسلحة اليس من السهل ان تترك السلام وتنخرط في العملية المدنية بسهولة، بل ربما ستبحث عن العمل وهذا هو عنصر الخطر القادم".
_ الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام "يرى ان مفردتي التنافس والصراع هما مفردتين مهمتين في الحياة السياسية والديمقراطية، اليوم دول العالم الثالث او الشرق الأوسط او الديمقراطيات الناشئة هي تعيش ديمقراطية هشة، بسبب أسلوب وإدارة هذه الديمقراطية فالأحزاب الى الان لم تصل الى النضج والوعي، لتفهم انه لابد ان تكون في إطار اللعبة الديمقراطية السلمية وان لا تخرج عن قواعد هذه اللعبة، ففي العهد الملكي الأحزاب العراقية خرجت عن قواعد اللعبة الديمقراطية وحاولت الاستئثار بالسلطة، وبالتالي حصل الصراع مما أدى الى انهيار النظام الديمقراطي وحصول انقلاب عسكري، كما حصل في العراق في قضية داعش بسبب اللعبة الصفرية ومحاولة الاستئثار بالسلطة لدى هذه الكتل والأحزاب أدى الى حصول هذه الكارثة، والحمد لله ربي العالمين لولا النضج الذي يمتلكه العراقيين وتداركوا الامر من اجل اصلاح الامر، وبالتالي لابد على هذه الكتل والأحزاب ان تأخذ العبر من هذه التجربة أي تجربة داعش، وان لا تتحول لعبتها لعبة صفرية قائمة على ان يخسر الاخر او الغاء وتهميش الاخر وهذه مشكلة كبيرة جدا، وان أحد أسباب الصراع الموجود في الساحة هو ان كل حزب يريد ان يكون له نفوذ قوي، من خلال المكابس التي يحصل عليها فورا اثناء وجوده في السلطة وليس من خلال ما يقدمه من خدمات للشعب، لذا فان الصراع الصفري من اجل الحصول على المناصب والحصول على الامتيازات وتقوية النفوذ، حتى ينجح بالانتخابات هذه طريقة خاطئة ولا تؤدي الى بناء نظام سياسي متكامل وسليم وصحيح، وهذا الامر بطبيعة الحال لا يناسب وضع العراق خاصة وان هناك فرق بين المحاصصة والتوافق، فالمحاصصة اليوم تؤدي الى المزيد من الصراع كونها تمثل تقسيم للسلطة بشكل غير سليم، اما التوافق فهو الاتفاق على العمل المشترك في إطار واحد".
السؤال الثاني: إذا ما تحققت حالة الصراع ونتج سيناريو الفوضى فمن بمقدوره إيقاف هذه الفوضى وما هي فلسفة نظام الحكم البديلة التي من الممكن ان تناي بالناس عن الفوضى وتعيدهم الى حالة الاستقرار؟
_ الدكتور علاء الحسيني " يؤكد على أن حصول الفوضى في المستقبل هذا شيء بالمتناول، ولكن لو رجعنا قليلا للوراء كان دائما صمام الأمان في العقبات التي مرت بالعراق بعد عام (2003)، دائما من يعول عليه هو وجود الحكمة التي وجدناها عند المرجعية وعند عقلاء الشعب العراقي ولم نجدها عند السياسيين، مررنا بمراحل في تاريخ العراق هدم القبور في سامراء والقبة الشريفة للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، وكان المخطط كبير جدا من اجل ان ينساق وراءه الجمهور العراقي في حرب اهليه دامية، رغم ان بعض البسطاء عززوا تلك القناعة لكن العقلاء استوعبوا الصدمة بالاتجاه المعاكس، اليوم قضية داعش ودخول داعش لا الكثير من السياسيين كان له اليد الطولى في تمكين ودخول داعش وكان له اكثر من سيناريو، ولكن اثبت الشعب العراقي بتكاتفه والتفافه حول قواته المسلحة والحشد الشعبي، وبالتالي استطاع تطهير مساحات كبيرة من ارض العراق لذلك فالتعويل دائما ينصب على الحكمة للولوج الى مستقبل امن الا ان السياسيين لا يمكن التعويل عليهم، من ينقذنا من الفوضى الاحتمال الوارد لو تسالم السياسيين على مسالة العقد الوطني او شرف وطني ، وان يتجاوزا الخلافات ونحتاج ايضا الى إعادة النظر ببعض الثوابت وعلى راسها بناء المؤسسات العامة في الدولة التشريعية والتنفيذية. هذا البناء الذي بنيه على المحاصصة والطائفية والحزبية والمصالح الضيقة، يجب ان ينطلق الى افق أوسع وهو افق المصلحة الوطنية في مقدمة الحلول التي ربما تجنبنا مرحلة الفوضى ما بعد داعش، هو اصلاح النظام السياسي في البلد اصلاح المؤسسات العامة في البلد اصلاح المنظومة التشريعية وعلى راسها الدستور العراقي، حتى نتمكن من التخلص من الكبوات التي تمنع الدولة وتمنع مؤسساتها من ان تقوم بواجبها الأخلاقي والسياسي والقانوني، كذلك عدم التعويل على العامل الخارجي لان هذه المسالة التي داب عليه السياسيون جلبت الى البلد الويلات، والتذكر دائما بان البلد لا يبنى الا بأبنائه وبالشعور العالي بالمسؤولية وان تكون المصلحة العامة والمصلحة الوطنية قبل كل العناوين الأخرى".
_ احمد جويد " يجد ان حدوث الفوضى لا يأتي فقط من أسباب داخلية رغم ان ذلك قد يوفر لبعض القوى السياسية غطاء لتنفيذ مراميه واهداف الحزبية والشخصية، وبالتالي يبقى ان العامل الخارجي هو من يثير الفوضى من خلال تحريك اتباعه في الداخل، لذا إذا تم حللت بعض القضايا من جوار العراق مثلا القضية السورية والتدخل التركي والصراع السعودي داخل المنطقة. لذا على صانع وراسم السياسية في العراق ان يكون أكثر حكمة في استغلال وانتهاز أجزاء الفرص، لأبعاد العراق من كل تلك الازمات إذا ما أراد ان يبني دولة ويحقق وان يستغل كل خطوة ولا يفكر في الماضي".
_ د. قحطان حسين " يعتقد ان الوضع في العراق لم يصل الى درجة الانفلات الأمني الخطير ونشوء حالة من الفوضى السياسية وهذا الامر مستبعد لأسباب عديدة، السبب الأول وجود ضابط يحول دون انفلات الوضع في العراق الى حالة من الفوضى السياسية، وهذا الضابط يتمثل على مستويين الاول محلي والاخر دولي، اما ما يتعلق بالمحلي تأتي بالدرجة الاساس المرجعية الدينية برموزها المتعددة التي كانت وما زالت هي صمام الأمان ضد كل محاولات زعزعة الامن في العراق وحدوث حالة من الحرب الداخلية الاهلية. العامل الاخر هو الأحزاب السياسية المنتفعة من الاستقرار السياسي خاصة مع وجود بعض القيادات التي تمتلك العقل والرؤية ما يجعلها تقف بالضد من انزلاق الوضع في العراق الى حالة من الفوضى الخطيرة، لدينا على سبيل المثال الكون السني والمناطق السنية عانت كثيرا من الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، لذا فأنها ستبذل كل الجهود للحيلولة دون ان تعاد كرة الانفلات الأمني الذي عانت منه لسنوات ليست قليلة، أيضا في المناطق الشيعية هناك ارادات محلية وإقليمية تمنع من الانزلاق الأمني. كردستان هي الأخرى عاشت تجربة مريرة في مجال الحرب الاهلية والصراع الحزبي ما بين الأحزاب الكردية في تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي كل المؤشرات التي تلوح في الأفق تستبعد قضية انزلاق الوضع في العراق الى حالة من الفوضى، فضلا عن ذلك قضية الضابط الدولي فأمريكا الان في العراق في سعي حثيث لإعادة نفوذها بشكل أكبر وأعمق جذورا، أيضا على مستوى الدول الإقليمية السعودية تحاول بشكل حثيث من خلال خططها الاقتصادية فيجانب الاعمار إعادة المناطق المتضررة وان تضبط الوضع في المناطق السنية، إيران ستحول دون انزلاق في المناطق الشيعية الى حالة من الفوضى، ايضا قضية الانتخابات والنظام الذي طبق في العراق وفي ظل الافرازات التي ولدها هذا النظام، فلابد من التفكير بنظام جديد غير المحاصصة فالطروحات التي تطرح الان ممكن ان تلاقي استحسان جميع المكونات السياسية، ومن خلال ذلك نستطيع القضاء على التخندق الطائفي وبناء حكومة وطنية من الممكن ان تلبي رغبات اغلب شرائح المجتمع العراقي".
_ المحامي زهير حبيب الميالي "يعتقد بوجود عامل مهم يحول دون وقوع الفوضى وهو العامل الديني والشيء الاخر يحسب لصالح القوى السياسية العراقية كونها في اللحظة الأخيرة والحاسمة تقف بالضد من وجود الفوضى".
_ حامد الجبوري " يتساءل إذا كانت المرجعية هي صمام الوضع العراقي وهي التي تمنع من حدوث الفوضى فلم لا تتخذ تلك المرجعية إجراءات استباقية حتى لا تحصل الفوضى؟".
_ الدكتور حيدر ال طعمة " يرجح ان الولايات المتحدة الامريكية كانت ولا تزال هي التي تتحكم بمسار الاحداث في العراق، لذلك إذا كان هناك فوضى فهي مخططة وإذا حدثت الفوضى بدون تخطيط فالولايات المتحدة قادرة على امتصاصها، جانب ثاني بالنسبة الى المرجعية فالتجربة افصحت الى ان للمرجعية دور في معالجة الازمات، وأيضا ممكن شيوخ العشائر بالإضافة الى الضابط الخارجي، وعليه فان مسار الاحداث ليس عشوائيا بل مخطط له ".
_ الشيخ مرتضى معاش " يتصور ان سبب الفوضى يعود الى تعسف الأحزاب في استخدام السلطة وفي استنزاف الموارد واستعمال الأساليب البدائية في الصراعات، فعلى سيبيل المثال رفع علم كردستان على الدوائر الحكومية في كركوك، هذا يعبر عن نوع من الضحالة الفكرية في فكر هذه الأحزاب وهو خطئ كبير وهو الذي يؤدي الى الفوضى، الشيء الاخر الذي يؤدي الى الفوضى هو الإفلات من العقاب، اما صمام الأمان الذي لابد من التمسك به هو مبدا التداول السلمي للسلطة حتى نحافظ على روح الديمقراطية، النقطة الأخرى هي فصل السلطات وعدم السماح لرئيس الوزراء بالتدخل في كل شيء، وهذا ما تجسد قولا وفعلا في الولايات المتحدة الامريكية عندما اعترضوا على قرارات ترامب الأخيرة الخاصة بالمهاجرين، وبالتالي ان تلك الفقرتين هما صمام امان حقيقي للأحزاب العراقية نفسها".
التوصيات:
_ ضرورة الرجوع للشعب واستطلاع رايه بالأمور المفصلية من خلال الية الاستفتاء الشعبي او من خلال اصلاح النظام الانتخابي
_ احترام الدستور من قبل جميع الجهات السياسية.
_ تفعيل دور القضاء وإعادة الثقة والهيبة لهذه المؤسسة.
_ احترام رأي العام الشعبي العراقي.
_ أشراك المجتمع المدني في صنع القرار.
_ منع الأحزاب من العمل الاقتصادي وان يكون في داخلها تداول سلمي للسلطة.
_ إعطاء الحكومة فرصة لمحاربة الإرهاب والابتعاد عن محاولة تسقيطها.
_ محاربة الأصوات النشاز ودعم الأصوات المعتدلة والوطنية في مرحلة ما بعد داعش.
_ بناء دولة المؤسسات بشكل صحيح.
_ توجيه القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد العراقي.