في بداية سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق شاسعة من مدن ومحافظات العراق والتي امتدت من مدينة الموصل وصولاً لحزام او إطراف العاصمة بغداد سارع التنظيم لبسط نفوذه وإعلان دولته التي عززها ببعض الأحاديث والشعارات وكان الهدف هو إيصال صورة التنظيم الذي لا يهزم لمن تأثر بأفكاره أو دعوتهم للالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية ،وعزز ذلك عبر إعلان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خلافته في إشارة واضحة بأنه امتداد لعصر الخلفاء ونيته إقامة حدود الله وتطبيق الشريعة الإسلامية مما شهد هجرة ألاف الشبان ومئات النساء ومن مختلف بقاع العالم واغلبهم ممن عملت مؤسسات تابعة لدول او سعى التنظيم مسبقاً لاسيما في عهد زعيم القاعدة إسامة بن لادن على بث الروح العدائية وإيصال صورة مختلفة عن الإسلام وتنشيط المدارس التكفيرية المتشددة التي اسفرت عن ولادة تلك التنظيمات الارهابية التي نشهدهــا اليوم .
والعراق في الأعوام السابقة شهد تنامي كبير للتنظيمات الإرهابية التي هددت حياة المواطن البسيط عبر هجمات انتحارية وعمليات خطف وقتل على الهوية وغيرها من الجرائم المروعة وصولاً لإنتاج تنظيم داعش الإرهابي ، وبالرغم من وجود إخفاقات من مختلف الجهات لا سيما الحكومية في معالجة الظروف البيئية التي مهدت لظهور التنظيم ،يضاف إليها ضعف التعامل الحكومي المسبق مع البيئة السنية والتي كثيراً منها كانت حواضن لنمو وانتشار التنظيم مع التوظيف الخارجي من قبل بعض الدول للحدث بما يتلاءم ومصالحها ، هذه الظروف جميعها كانت سبباً مباشراً او غير مباشر لما حصل في السنوات الثلاث الماضية .
بالرغم من كل تلك الصعوبات استطاع العراق التحرك بعدة اتجاهات منها: عسكري على مستوى الميدان ومنها سياسي حكومي لاحتواء الأطراف المتنازعة داخل العملية السياسية ومنها دولي عبر الحصول على دعم دولي معنوي وعسكري ايضاً تمكنت الحكومة من الانفتاح على دول عدة كانت على خلاف معها ، إضافة إلى ما سبق تمكنت الحكومة من إجادة التعامل مع المناطق السنية لا سيما عبر مسك الأراضي المحررة ، واستثمار فتوى المرجعية الدينية في قتال التنظيم وتحشيد اكبر عدد من المتطوعين ،فضلاً عن اختيار قادة أكفاء لقيادة تلك المعارك والتي أثمرت عن استرجاع اغلب مناطق العراق الخاضعة لسيطرة التنظيم، إضافة إلى استرجاع المناطق المتنازع عليها من سيطرة البيشمركة الكردية ، لذلك فالخطوة القادمة نحو استعادة الشريط الحدودي ما بين العراق وسوريا وتحديداً مدينة القائم الحدودية والتي اعلنت الحكومة عن بدء عمليات تحريرها ، والتي يتوقع لها ان تكون خاطفة وسريعة نتيجة لعوامل عدة منها الطابع الصحراوي للمدينة وتعدد القوى المهاجمة ونوعية التكتيك الذي سارت عليه القوات مؤخراَ اضافة الى بدء عمليات للجيش السوري تزامناً معها والتي تهدف للسيطرة على البو كمال السورية المتاخمة للحدود العراقية ، ايضاً المعنويات العالية للمقاتل العراقي لا سيما بعد عمليات الانتصار الاخيرة ، واسناد محور مهم وحيوي لقوات الحشد العشائري المنضوية ضمن هيئة الحشد واغلبهم من سكان تلك المناطق او ممن هم على دراية بأجواء الصحراء واعرف بطبيعة الارض وهذا يوفر عنصر استمكان للجيش العراق فضلاَ عن الدعم والاسناد الجوي والمدفعي .
وبطبيعة الحال هذه العمليات سوف تسهم بنهاية تنظيم داعش عسكرياً وبالتالي هي اخر 8% من الاراضي التي كانت تخضع لسيطرته عقب عام 2014 الا ان وجود تنظيم داعش لا يزال في مناطق متفرقة بصورة خلايا نائمة او يعتمد على هجمات الذئاب المنفردة وهذا يحتاج الى اعادة النظر بالجانب الامني بعد الانتصار العسكري والذي بدوره يحتاج من صانع القرار مراعاة ما يلي:
1- تفعيل الجهد ألاستخباري في ملاحقة الخلايا النائمة عبر الرصد والمتابعة وتفكيكها.
2- تفعيل العمل الأمني بعد الحسم العسكري والابتعاد عن الخطط الروتينية او التقليدية في التعامل مع الملف الأمني.
3- اللجوء للتكنولوجيا الأمنية الحديثة وزيادة الاعتماد على السكان المحليين في مسك أراضيهم ما بعد التحرير.
4- إجراء مصالحة شاملة على المستوى السياسي والاجتماعي.
5- إبعاد الفاسدين عن الدوائر الأمنية واجراء مراجعة شاملة لمجمل عمليات الانتشار وإعادة التنسيق ما بين مختلف القوى الأمنية بشتى صنوفها لتجنب تعارض العمل وضياع الهدف.
6- مسك الحدود لا سيما مع سوريا بما يضمن عدم تدفق الإرهاب مجددا عبرها الى العراق.