بقلم: جون الترمان JON ALTERMAN، ومارا ي. كارلين MARA E. KARLIN
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية نقلا عن موقع
Defenceone
ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.
دعا رئيس اقليم كردستان الى اجراء الاستفتاء للحصول على تنازلات من بغداد، ولكن ماذا سيحدث إذا لم تتحقق هذه الفكرة؟
هناك لعبة الدجاج الخطرة التي يتم القيام بها بالنسبة لمستقبل العراق. ففي اقل من شهر واحد، سيقوم الاكراد في شمال العراق بالتصويت على استفتاء الاستقلال. واذا تم التصويت، يعتقد معظم المراقبين ان هذا التصويت سيمر بإمتياز. الا انه هناك العديد من الزعماء السياسيين الاكراد يشككون في حكمة القيام بالاستقلال خلال مدة زمنية قصيرة، حيث ان جميع جيران كردستان – الحكومة العراقية ، والحكومة الايرانية والحكومة التركية – اعربت عن رفضها ومواقفها العدائية تجاه الاستفتاء. وحتى الولايات المتحدة، التي دافعت عن حقوق الاكراد خلال ربع قرن، رفضت الفكرة. وحتى لو تم التصويت، فلا طرف هناك سيتراجع اولاً.
في الشهر الماضي، اعلنت حكومة اقليم كردستان انها ستقوم بالاستفتاء في الخامس والعشرين من شهر ايلول، وبالتالي قام رئيس الحكومة الكردية مسعود البارزاني بوضع قدميه في طريق الحصول على المصالح الكردية داخل الدولة العراقية. والمعروف ان قضية استقلال كردستان هي قضية اصبح لها تاريخ طويل، فقد آمل الاكراد الحصول على الاستقلال بعد الحرب العالمية الاولى، واعتقدوا بالحصول عليها في عام 1991 بعد حرب الخليج ، واستقرت الفكرة من جديد بعد سقوط صدام حسين في عام 2003. وفي كل مرة، تلقت القيادة الكردية طلبات بالتريث.
يقول الاكراد في الوقت الحاضر ان صبرهم قد نفد، فهم يشعرون ان بغداد قد اهملتهم، وانها استغلت قوات البيشمركة الكردية في الحرب والتركيز على قضية النفط في جنوب العراق. واشتكى الاكراد من حرمانهم من المناصب الوزارية وعزلهم كأقلية داخل البرلمان العراقي، وان الحكومة العراقية منشغلة في الحصول على ود الطائفة السنية العربية بعد تهميشهم، وبالتالي وضع الكرد في داخل المشكلة العربية. والمعروف ان كردستان العراق تمتلك احتياطاتها من الطاقة اضافة الى التأييد المتزايد ان يسير الاكراد في طريقهم لوحدهم.
برز الحماس الكردي في وقت نحس بالنسبة لبغداد، التي ما تزال تقاتل دولة \\الخلافة الاسلامية في العراق والشام\\، واعادة ثلاثة ملايين من المشردين. كما ان رئيس الوزراء العبادي، الذي يرغب بإعادة الترشيح في شهر نيسان القادم، سيواجه التصويت الكردي للانفصال وبالتالي انخفاض شعبيته التي تحققت بانتصاراته على \\دولة الخلافة الاسلامية\\.
وقد يثير التصويت أزمة في المناطق التي تسكنها الغالبية الكردية خارج نطاق حكومة الاقليم، بضمنها مدينة كركوك المتنازع عليها. لقد تواجدت الاقليات هنا وهناك على مدى اجيال، الا ان تصويت الاستقلال سيؤدي الى مشاكل الحدود وهي ازمة فورية موجودة فعلاً داخل البلاد.
كما ان لإيران – التي استثمرت الكثير في العراق- اسبابها الخاصة في الحفاظ على وحدة البلاد. وعندما حاولت الدول العربية السنية وضع العراق كدولة عازلة بينها وبين ايران ، قام صدام حسين ، في عام 1980 بغزو ايران مما ادت الى مئات الالاف من الاصابات الايرانية. كما ان ايران اهتمت بنفوذها الاقليمي، وبالتالي ترغب ان يكون العراق هو الدولة العازلة مع العرب السنة، بوجود حكومة يسيطر عليها الشيعة المدافعين عن المصالح الايرانية، الا ان وضع العراق المتأزم يقلل من تحقيق هذه النتائج.
وخارج نطاق بغداد وطهران، من المحتمل ان الحكومة التركية قد اثارت حفيظتها مسالة التصويت على استفتاء الاستقلال الكرد وذلك لوجود اكراد يحملون الجنسية التركية اكثر عدداً من اقربائهم العراقيين، كما ان تركيا قمعت الاقلية الكردية لعدة عقود من الزمن من اجل الحفاظ على وحدة الدولة التركية. ان الاستثمارات التركية الكبيرة في كردستان العراق ما هي الا محاولة لتحقيق علاقات صداقة، لكن التصويت على الاستفتاء قد يثير مشاعر اخرى في تركيا التي ستعتبرها محاولات عدائية على الصعيد الداخلي.
ونظراً لوضع حالة الاستنفار لدى جيران كردستان، في تصويت الاستفتاء يهدد في انشاء دولة مغلقة تلفها صعوبات الحصول على منفذ سهل لصادرات الطاقة الكردية او اي شيء اخر. ولا يعتبر هذا الامر جزءا من النجاح الكردي.
كما ان الولايات المتحدة الامريكية تعارض بشدة موضوع الاستفتاء، وسبق ان استثمرت الكثير في كردستان العراق منذ عام 1991 واكثر من ذلك منذ عام 2003. فبالحسابات الامريكية، ان انفصال كردستان يعني بداية تقسيم العراق، واثارة عداء شركاء الولايات المتحدة البارزين والبدء بعمليات تغيير الحدود رسميا في منطقة الشرق الاوسط.
كل طرف يريد الطرف الثاني ان يرمش بعينيه اولاً. فالقادة الاكراد الذين تحدثنا معهم لا يشككون في الاقتناع بتأجيل الاستفتاء ولكن مقابل ثمن. فهم يناقشون انه اذا رغبت الولايات المتحدة الامريكية وقف الاستفتاء، فعليها الضغط على بغداد في ان تكون كريمة مع الاكراد. وهناك احدى الاشارات ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يستطيع تهدئة الزعماء الاكراد، الا ان اي واحد منهم لم يتقدم بذلك. ويمكن للولايات المتحدة الامريكية الاستعانة بحليفاتها في حلف الناتو، ولكن باي ثمن؟ فقد قام وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس بالضغط على الاكراد لتأجيل الاستفتاء، الا انه لم يقدم لهم اي ضمانات ولم يحصل على اية التزامات.
والمشكلة الرئيسة هنا ان كل من الاطراف يتعامل مع القضية كإنها نقطة تحول، حيث لا يوجد طرف مستعد لتقديم اية تنازلات والكل يريد الحصول على المزيد من الامتيازات. إن الوقت يمر، ولعبة الدجاج تتصاعد، لكن من الممكن ان تتحول – في بعض الاحيان- الى دمار.