عندما يتم اللجوء الى استخدام الوسائل والاليات للوصول الى المدركات وبالتالي الوصول الى تحقيق مصلحة ما على حساب مصلحة اخرى بمعنى وجود طرفين او اكثر متنازعين في اية مسألة يلجؤون الى عقد مفاوضات عادة ما تنطلق على وفق مبدأ الرابح والخاسر احياناً او الاثنين معاً والعكس صحيح ، الا ان الفوارق موجودة في فن المفاوضات والتي من خلالها تبرز فائدة طرف اكثر من الاخر و منها القوة والدراية وامكانية المفاوض وظرف وتوقيت عقد تلك المفاوضة او حتى طريقة صياغة بنود ذلك الاتفاق ، وليس من المعيب ان تلجأ دولة او جماعة لخوض مضامير اتفاق يقضي بموجبه عقد هدنه او تسليم مناطق او انهاء قتال او حقن دماء او تشارك سلطة او حتى اصدار عفو او ما شابه وهو امر وارد وهناك مئات الامثلة على ذلك ، ففي سوريا وبعد اعادة تمركز القوات النظامية في مناطق دمشق وما حولها والمناطق الحدودية مع لبنان ومناطق حلب والطريق نحو دير الزور ، لجأت تلك القوات لخوض اتفاقيات برعاية روسية وقبول امريكي وتوافق ايراني للبدء بعقد اتفاقيات عدة سواء كانت ما بين المعارضة المسلحة والنظام او مع النظام وجبهة النصرة .
اما ما حصل مؤخراً من اتفاق ما بين النظام السوري والحكومة اللبنانية وحزب الله من طرف وتنظيم داعش الارهابي من طرف اخر والذي يقضي بنقل قرابة الـ 700 مسلح من تنظيم داعش الارهابي من منطقة القلمون وجرود عرسال المحاذية للحدود اللبنانية السورية باتجاه دير الزور ومنطقة البوكمال الحدودية مع العراق تحديداً في مقابل انسحاب عناصر التنظيم مع عوائلهم من المناطق المحاذية للحدود العراقية بأمان وتسليم جثامين الجنود اللبنانيين للجيش اللبناني وبعض اسراه او أسرى عناصر حزب الله. وهذا الاتفاق لا يقلل من شأن وعزيمة حزب الله في مقارعة تنظيم داعش ولا الدور الكبير الذي ابداه الحزب في اعادة وتثبيت النظام السوري و ابعاد خطر سقوط الدولة السورية او حتى خطورة دخول تنظيم داعش الى لبنان ، فالجميع يعرف بوجود حواضن وبيئة مستقطبة للتنظيم داخل الاراضي اللبنانية والتي تعد ارضاً خصبة لأية فتنة طائفية اكثر من غيرها مع وجود دافع خارجي يؤجج ذلك وبالتالي استنزاف حزب الله او انهاء تواجده او تحجيم دوره في لبنان في اية توغل للتنظيم الارهابي ، وهذا ما عمل عليه الحزب من المشاركة الفعلية في القتال السوري وتضحياته بمئات العناصر .
المشكلة الاكبر واللغط الدائر وردود الافعال كانت اغلبها من الداخل العراقي سواء الرسمي والشعبي لما له من اثر كبير على امن العراق وفي نفس الوقت هو احراج كبير للمجاميع المسلحة العراقية التي اخذت على عاتقها الانخراط في الاقتتال السوري منذ عام 2011 والتي اغلبها كان قد انطلق من مفهوم عقائدي في الدفاع عن مرقد السيدة زينب ع ، وفيما بعد تطورت لمسك مناطق بعينها واعطت الالاف من الضحايا ، الامر الاخر قوة ردود الافعال لا سيما بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات المهمة خصوصاً الشيعية منها انطلقت من سؤال محوري كيف يتم التعامل مع التنظيم بهذه الاساليب ونقلهم بسيارات مع عوائلهم وبعض الاسلحة وزجهم بمناطق حدودية مع العراق والجميع يعلم ان مناطق ( عانة وراوة والقائم ) المتاخمة للبوكمال السورية لا زالت بيد التنظيم ومن هنا اتت الشكوك هل هي حالة متعمدة لإدامة زخم عناصر التنظيم او انها محل صدفة ام ضغوط دولية لإنشاء منطقة صد تتوسط العراق وسوريا والاردن كي تكون عامل ضغط لتمرير عوامل معينة ، الشيء الثالث هو التوقيت الذي يتزامن مع طي صفحة نينوى في السيطرة على قضاء تلعفر وبدء استعدادات اقتحام مدينة الحويجة في كركوك ومن ثم المناطق الحدودية مع سوريا وليس من الصحيح ان يتم ابعاد التنظيم عن الاراضي السورية وتوجيههم صوب حدود العراق .
اما الموقف الرسمي فقد جاء على لسان السيد العبادي عندما رفض وضع هؤلاء العناصر بمحاذاة حدود العراق واعتبر الامر مثيرا للشكوك او حتى التحالف الدولي الذي قصف بعض الطرق حتى لا تصل تلك الحافلات الى تخوم حدود العراق وايضاً ردود فعل من مجلس محافظة كربلاء الذي عد في الامر تهديد للمحافظة وابدى تخوفه من انتقال العناصر للمناطق الصحراوية عن طريق محافظة الانبار ، فيما ابدى حزب الله وحلفائه رفضهم لردود الافعال معتبرين الامر اخذ اكبر من حجمه وقد جاء الرد عن طريق السيد حسن نصر الله عندما وجه بياناً خاصاً الى العراقيين حول الموضوع واهم النقاط كان تتمحور حول ان الانتقال من منطقة الى اخرى هو بحد ذاته هزيمة للتنظيم واكبر دليل هو ترك المواقع وانسحاب التنظيم مذلولا ومهيناً ، الشيء الاخر ان قدرة العراق بجيشه وحشده لا تقارن بوجود عناصر معدودة اما اختياره لتلك المناطق فهي ليست متعمدة لتهديد العراق وانما تواجد عناصر التنظيم في تلك المناطق كما هو وجود النصرة في ادلب والتي تم نقل عناصر الجبهة الارهابية اليها وبالتالي وبحسب بيان السيد حسن نصر الله ان التنظيم تم نقله من اراضي سورية الى اخرى بمعنى ليست من لبنان الى سوريا او من سوريا الى العراق ، الشيء الاخر بحسب البيان ابدى الحزب رفضاً قاطعاً لأية اتهامات للقيادة السورية وبان الحزب هو من فاوض بموافقة القيادة السورية كما وان الحزب لا يزال يقاتل التنظيم فليس من المنطقي توجيه اصابع الاتهام اليه ، كما وان الحزب قد لجأ لذلك الامر لقضية واحدة هي اطلاق سراح الاسرى من الجيش اللبناني لان الموضوع اصبح يحظى بإجماع كافة المكونات اللبنانية ، واخيرا ثمن السيد نصر الله مواقف القوات المسلحة العراقية في وقوفها للقتال ضد المجاميع الارهابية في سوريا والعراق.
وهنا نود ان نقول ان كل طرف في النهاية يبحث عن مصلحته اولاً وهذه قاعدة تطبق على الصديق قبل العدو خصوصاً عندما يتعلق الامر باقتتال وتسليم مدن وما شابه وبالتالي حزب الله او النظام السوري والحكومة اللبنانية هدفهم الاكبر ابعاد الخطر قدر المستطاع عن حدود لبنان باقل الخسار والاستيلاء على مواقع بدون اقتتال ، وبهذا يتجنب حرب استنزاف طويلة ربما لا يعرف نهايتها وحجم الخسائر بالأرواح والمعدات ، الامر الاخر لا يوجد امام العراق سوى ضبط الحدود ومنع تسلل الارهاب ومراقبة تلك العناصر حتى في الداخل السوري للحفاظ على الامن الوطني العراقي وعدم تكرار تجربة عام 2014، الامر الاخر تبرز الحاجة الفعلية لتحرير المناطق الحدودية ووضع خطة محكمة لضبط الحدود مع ضبط ملف الامن الداخلي في المناطق المحررة حديثاً .