اتسمت العلاقات العراقية - السعودية وعلى مر المراحل بحالة الشد والجذب. وغالبا ما يكون التوتر سيد الموقف ربما باستثناء بعض التحسن الذي طرأ ابان الحرب العراقية - الايرانية والذي لم يدم طويلاً. فقد عاد التوتر مجدداً بعد الغزو العراقي للكويت 1990 وما رافقه من احداث اججت من حدة القطيعة. بعد عام 2003 وتحديداً في بداية سقوط النظام، دخلت السعودية بقوة بتنظيمها لمؤتمر جدة للأطراف العراقية، إلا ان الاحداث المتسارعة واستلام الحكومة من قبل احزاب شيعية وما رافق ذلك من حالة الصراع الطائفي، وحضور الجانب الايراني بكل ثقله في الملف العراقي، زاد من حدة التوتر لا سيما بعد تولي السيد المالكي للحكومة في 2006 والتي تزايدت معها الاتهامات المتبادلة بين البلدين. فالحكومة العراقية في ذلك الوقت وجهت تهماً للسعودية بتمويل ودعم تنظيمات مسلحة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، فضلاً عن اطراف سياسية سنية اخرى ، فيما كانت الحكومة السعودية تصرح باستمرار بأن الحكومة العراقية تمارس حالة الاقصاء للمكون السني وتعمل على تأجيج الطائفية وأنها تنفذ اجندة طهران في العراق وتسمح بالتدخل الايراني بجميع مفاصل الدولة، فيما تصاعدت وتيرة تلك التهم بعد خروج القوات الامريكية من العراق نهاية عام 2011 والذي عدتهُ السعودية امراً خاطئاً يكرس الوجود الايراني في العراق .
بعد احداث عام 2014 وما اعقبها من سيطرة تنظيم داعش الارهابي على محافظات عدة وتهديدها لمختلف الدول بما فيها السعودية، وبعد تولي السيد العبادي رئاسة الحكومة في عام 2014 شهد مسار تلك العلاقات تحسناً ملحوظاً لا سيما بعد افتتاح سفارة للعربية السعودية في بغداد بعد قرابة ال20 عاماً من الاغلاق، كما وشهدت المرحلة اللاحقة زيارات متبادلة شملت السيد رئيس الوزراء ومن ثم وزير الداخلية ومؤخراً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من الجانب العراقي ووزير الخارجية السعودي ووزير النفط من الجانب السعودي. هذا الامر يطرح تساؤل حول الاسباب التي تقف وراء الانفراج في تلك العلاقات وعلى حساب من؟
هناك عدة اجابات فبعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب للرئاسة الامريكية ورجوع العلاقات الاميركية – السعودية الى ماقبل ادارة الرئيس اوباما والاتفاق النووي الايراني الامريكي ، فالرئيس ترامب، وخلال زيارته للسعودية ومشاركته في القمة العربية الاسلامية الامريكية، انتقد ايران وشدد على ضرورة دعم السعودية باعتبارها حليفاً للجانب الامريكي لا سيما بعد توقيع اتفاقيات بعشرات المليارات، وهذه المواقف اعطت دعماً كبيراً للسعودية. وبطبيعة الحال فأن العراق حليفاُ لواشنطن، وبما ان خطة الرئيس ترامب تتضمن تحجيم النفوذ الايراني في العراق واعادة العراق للحاضنة العربية عبر البوابة السعودية، وتمتع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنفوذ كبير داخل السعودية وامتلاكه علاقات قوية مع الجانب الامريكي ورؤية كبيرة ربما تغير من سياسات السعودية لا سيما بعد تعينه ولياً للعهد بعدما كان ولياً لولي العهد، اتجهت السعودية للانفتاح على العراق بعد تدهور العلاقات الخليجية وحملة مقاطعة قطر وسلوك العراق الحيادي اتجاه الازمة زادت من فرص التقارب خصوصاً في ظل التقارب القطري - الايراني .
وما زيارة الصدر الاخيرة للسعودية الى دليلاً على رغبة عراقية سعودية بتجاوز الخلافات السابقة لا سيما ان الصدر يعد رمزاً شيعياً كبيراً. وبحسب المصادر فقد تم التباحث بأمور عدة منها الاعتراف بالأخطاء السابقة، وتجاوز الخلافات، وفتح المعابر الحدودية، ومنع التدخل الخارجي سواء الايراني او السعودي باستثناء ما يهم مصلحة العراق. وعلى الرغم من ذلك توجد اصوات داخل الحكومة العراقية توجه تهماً للسعودية وبنفس الوقت كتلاً سياسية اخرى توجه تهما لإيران والأمر لا يخدم العراق خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلب سياسة توازن ما بين ايران ومع السعودية بوتيرة واحدة. وان لايكون العراق ساحة للتنافس او تصفية الحساب بل يحافظ على توازن علاقاته ويستثمر الدعم المقدم بعد تحرير الموصل لإعادة البناء والأعمار والخدمات وتبديد المخاوف. وهذا الامر يتطلب ايصال رسالة واضحة بعدم السماح لأي من الاطراف ان يهدد دولة جارة بالشكل الذي يهدد سيادة العراق ويضر بالمصلحة الوطنية والتي جوهرها الاستقرار السياسي واحدى ركائزه تقوية العلاقات الخارجية ومنع التدخل في شؤون الاخرين وعدم السماح للآخرين بالتدخل بالشأن الداخلي للعراق. وبالامكان ان تتبنى وزارة الخارجية العراقية دوراً اكبر في تعزيز مصلحة العراق وان لايتأثر سلوكها بالتجاذبات الطائفية.