بعد جلاء غبار معارك الموصل، وانتصار العراقيين على تنظيم الدولة الاسلامية، لا زال الموقف غامضا. فهناك استحقاقات انسانية وقانونية وسياسية تنتظر من يبت فيها، وبالطبع الكلام موجه الى الحكومة العراقية المسؤولة مسؤولية مباشرة عما حدث وسيحدث. فالموصل سلمها التنظيم الارهابي تراب، تهشم ما عليها من حجر وبشر.
فان حدث وتقاعست بغداد عن العمل واخذ موقعها المفترض، فهناك جهات اخرى ستحاول ملئ الفراغ، بما تحمله من اجندات فكرية قد تقترب او تبتعد عن ما يريده الموصليون بصورة خاصة والعراقيون بصورة عامة، وفي ذلك مخاطر جمة ، أبسطها ان يعاد الوضع الى المربع الاول الذي اخرج من رحمه استياء شعبي وحقد على كل ما هو يمت بصلة للحكومة المركزية ، و ذلك تكرار مقيت لخطأ قاتل ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ان كان مؤمن!
ان الحديث عن اعمار الموصل، البناء ، الحجارة ، الجماد، وترك اعمار الانسان فيه الكثير من المغالطة ومجافاة للواقع. وأظن لو سألت أي من السكان هناك هل تأثرت لتهاوي المنارة الحدباء سيقول لك ان مشاعره تيبست لكثر ما راى من أهوال تصرفات داعش الاجرامية ومأسي حروب الشوارع والحصار وقلة الغذاء والدواء، ناهيك عن وجود الفاسدين الذين سيكونوا بالمرصاد لكل دولار قد ينفق هناك ، بالاضافة الى افتقار رئيس الحكومة الى أستشارات دقيقة ، تعالج المشكلة ولا تثير اخرى في طريقها، كالتصريحات التي أشارت الى ان اعمار المناطق المحررة سيكون عبر فرض المزيد من الاستقطاعات على رواتب الموظفين، وهذا ما نفته المالية النيابية بعد ان اثار ضجة.
وكل هذا المشاكل تهون أمام مشكلة طموح البرزاني، والتي سارت جنبا الى جنب مع تحرير الموصل وتصاعدت الى مستوى اعلان استفتاء الانفصال، إذ بعد اجتماع رئيس إقليم كوردستان، مسعود البارزاني، مع قادة الأحزاب الكوردستانية، تم الإتفاق على تحديد موعد إجراء إستفتاء إستقلال الاقليم يوم 25 أيلول من العام الجاري.
وكما هو معروف سياسيا، التهديد بالشيء غير القيام به فعلا. فهل من الممكن ان يكون مسعود البرزاني قاصدا ابعد من التهديد ونيل بعض المكاسب السياسية؟ أي انه يبغي الاستقلال!
وبعد خروج القائد الكردي الصلب عن أوامر المركز، وامام ضعف الاخير وتصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن "كردستان جزء من العراق وأتمنى أن تبقى كذلك" ، فهل من الممكن ان يخرج مسعود عن العباءة الامريكية ، ويعاند اردوغان التركي ويغض الطرف عن تهديداته لكردستان ويتجاهل الرفض الايراني لقيام دولة الكرد ؟ من أين له بالقوة والثقة والدعم للقيام بذلك؟
وماذا لو كان كل ما يحدث بمباركة امريكية ترامبية، وسكوت على مضض من قبل الجيران الممتعضين، بعد حصولهم على تطمينات او تهديدات بان كردستان الجديد لن يشكل أي خطر على وضع اكراد تركيا وإيران، بل سيكون ارض مفتوحا لكافة نشاطاتهم التجارية ونبع لا ينضب لبترول العراق وبالاخص كركوك.
هل يفكر الكبار بنهاية للحشد الشعبي والبيشمركة عبر ادخالهما في صدام مشترك وحرب دموية تقضي على قوتهما معا، فالفتوى التي خلقت الحشد لن تاتي اخرى لحله، حتى وان انتفت الحاجة له، وان خرجت لن تطاع. والبيشمركة قوة لا يستهان بها، اوجدتها الحروب مع نظام صدام والظروف الدولية المحيطة خاصة بعد مجزرة حلبجة وتسليط الاهتمام الدولي على قضية الكرد.
العراق على مفترق طرق، كما هو الحال دائما. خرج من حرب استنزاف، مصيرية مدمرة، منتصرا رغم فداحة التضحيات، لكنه قد يدخل حربا اخرى داخلية بين القوميات، عابرة للطائفية، خسارتها تعني انتهاء العراق الذي نعرفه.