رئيس جمهورية العراق وفقا لدستور عام 2005
قبل سقوط البعث في التاسع من نيسان عام 2003 كان منصب رئيس الجمهورية هو المنصب الأهم في البنية الدستورية للعراق، وقد نجمت عن بعض القرارات التي اتخذها الأشخاص المتعاقبون على تولي هذا المنصب نتائج كارثية مدمرة للدولة شعبا ومؤسسات ومكانة دولية. ويبدو ان المشرع العراقي الذي جاء بعد هذا التاريخ لم يغفل عن هذه الحقيقة، فوضع نصب عينيه معاقبة هذا المنصب وتهميشه من خلال إيجاد نظام حكم لا يتمتع فيه الرئيس بأية صلاحيات مهمة، فوقع الاختيار على النظام البرلماني كما بينته نصوص دستور العراق الدائم لعام 2005، ففي ظل هذا الدستور تم الإشارة الى رئيس الجمهورية في المادة (67) بالنص على: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقا لأحكام الدستور"، ثم بينت المواد (68-72) شروط واليات اختيار الرئيس ومدة ولايته وكيفية انتهائها، وفي المادة (73) تم تحديد صلاحيات الرئيس من خلال عشرة فقرات هي: " أولا- اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء... ثانيا-المصادقة على المعاهدات والاتفاقات الدولية بعد موافقة مجلس النواب... ثالثا-يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب... رابعا-دعوة مجلس النواب المنتخب للانعقاد خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات...خامسا- منح الاوسمة والنياشين بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، وفقا للقانون. سادسا-قبول السفراء. سابعا-اصدار المراسيم الجمهورية. ثامنا-المصادقة على احكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة. تاسعا-يقوم بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية. عاشرا-ممارسة أية صلاحيات رئاسية أخرى واردة في هذا الدستور"، ثم حددت المواد (74-75) الأمور المرتبطة براتب الرئيس والخطوات المتبعة في حالة تقديمه الاستقالة أو خلو منصبه لأي سبب كان.
ولكن، الحديث عن رئيس الجمهورية في دستور عام 2005 لم يقتصر على ما ورد في المواد أعلاه، فقد أوضحت المادة (58) ان من حق الرئيس دعوة البرلمان الى جلسة استثنائية يقتصر الحديث فيها على الموضوعات التي اوجبت الدعوة، وكذلك من حقه تمديد الفصل التشريعي للبرلمان مدة شهر لاستكمال مهماته التي تستدعي ذلك. كذلك أعطت المادة (60) له الحق في تقديم مشروعات القوانين على قدم المساواة مع مجلس الوزراء. اما المادة (61 البند ثامنا-ب) فقد منح الرئيس صلاحية تقديم طلب الى مجلس النواب لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، وفي (البند تاسعا-أ) من نفس المادة يكون اعلان الحرب وحالة الطوارئ من قبل مجلس النواب بناء على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. كما ان المادة (64 – أولا وثانيا) منحت الرئيس صلاحية منح طلب مشترك مع رئيس الوزراء لحل مجلس النواب، والصلاحية الحصرية له بعد الحل بالدعوة الى انتخابات عامة جديدة خلال مدة أقصاها ستون يوما من تاريخ الحل.
يتضح مما تقدم، انه على الرغم من نية المشرع الدستوري تقليل أهمية منصب رئيس الجمهورية، وعلى خلاف الرأي السائد إعلاميا وسياسيا والذاهب الى الاعتقاد بأن هذا المنصب مجرد حلقة زائدة في البناء الدستوري، لكونه منصبا فخريا شرفيا، فأن الرئيس العراقي وفقا لدستور عام 2005 يتمتع بصلاحيات مهمة تسمح له بلعب دور مؤثر جدا في حفظ التوازن الدستوري والسياسي في البلاد، وتحريك العملية السياسية برمتها الى الامام، ولكن ما منع رؤساء الجمهورية خلال السنوات العشرة المنصرمة من القيام بهذا الدور هو: طبيعة العملية السياسية الجارية في البلد والمرتكزة على حسابات المحاصصة والمصالح المتقاطعة على حساب النص الدستوري في كثير من الأحيان، وغياب الكاريزما الشعبية القوية العابرة للطوائف والمكونات لمن تولى هذا المنصب حتى الان، مما خلق نوع من القطيعة بين شخص الرئيس وعامة الشعب، ناهيك عن الصورة النمطية السلبية المتكونة في الذاكرة الشعبية عن هذا المنصب، ولو قيض للعراق ان جاءه رئيس جمهورية يمتلك شخصية شعبية قوية ومؤثرة وقادرة على تجاوز حسابات المحاصصة فستكون لهكذا رئيس إمكانيات مذهلة لتطوير البناء الدستوري بدون ان يشكو من ضعف الصلاحيات الدستورية او محدوديتها.
وجه لوجه مع الرئيس فؤاد معصوم
في يوم الاحد الموافق الخامس من مارس-آذار 2017 رأس كاتب هذه السطور وفدا من الأكاديميين والكتاب يمثلون مجموعة من مراكز الأبحاث المدنية الناشطة في محافظة كربلاء التقى السيد فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق، وجرى اللقاء بشفافية وأجواء إيجابية طيبة داخل قصر السلام التابع الى رئاسة الجمهورية، واستمر زهاء الساعة وخمسا وأربعين دقيقة، وحضره السادة مستشارو الرئيس، وقد دار الحوار فيه حول موضوعات مهمة تشغل الساحة العراقية والدولية في الوقت الحاضر، تقتضي أهميتها اطلاع الرأي العام العراقي عليها؛ ليعرف كيف يفكر رئيس جمهوريته، لذا سنعرضها حسب التسلسل الذي وردت فيه، بتصرف طفيف في بعض الأحيان لا يخل بجوهر ومصداقية الموضوع.
التنوع حقيقة والمواطنة طوق نجاة
عند تطرق الرئيس الى مخاطر الصراع بين المكونات العراقية قال: أن التنوع في أي بلد له استحقاقات بحاجة الى ان تحترم، ولكن بروز النزعة القومية لدى حكومات العراق في العهد الجمهوري خلق تأثيرات سلبية هددت التنوع الاجتماعي والثقافي في العراق، فالعراق هو بلد متنوع اجتماعيا، وهذه حقيقة لا تنكر، ولا يمكن لمكون واحد ان يحكمه، وان حكومة الأغلبية في العراق يجب أن تكون من مجموع المكونات، أي حكومة عابرة للمكونات، وأي مكون يحاول فرض نفسه على بقية المكونات لن يستقيم له الحكم. وإذا أردنا حكم بلد متنوع كالعراق فمن الضروري تعزيز نزعة المواطنة بين جميع ابناءه، ومع الأسف لا زالت الصراعات السياسية تبنى على الانتماءات الضيقة، وهذا دليل على بعدها عن المواطنة، والمواطنة هي ضمان الحفاظ على وحدة ومستقبل العراق، هناك من يتكلم عن عبور الطائفية نحو المواطنة، ولكن من يقود عملية العبور هذه؟
رئيس لكل العراقيين
ذهب الرئيس الى التأكيد على انتماءه الى مدرسة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وهي مدرسة تنظر الى جميع العراقيين بعين واحدة، فرئيس الجمهورية بحاجة الى ان يكون على مسافة واحدة من جميع المكونات، وانه رئيس لجمهورية العراق وليس رئيسا للمكون الكردي وحده، فالرئيس حاله حال القاضي عليه الالتزام بالقانون من غير ميل عاطفي لهذه الجهة أو تلك.
الاختلافات الدينية لا تكون على حساب الوطن
بين الرئيس على ان المقامات والاختلافات الدينية داخل العراق بحاجة الى المحافظة عليها واحترام طقوسها، على ألا يكون هذا الانتماء الضيق هو أساس بناء الدولة، وهذا الكلام يشمل عامة الناس، كما يشمل المسؤولين في الدولة، والاختلافات السياسية يجب ان لا تتخذ شكل مبررات دينية، ومن يرتكب خطأ يجب محاسبته بصرف النظر عن انتماءه الديني. وان المواقف الإيجابية بين أبناء الأديان المختلفة تترك تأثيرها في نفوس الناس، والدليل على ذلك أن الكورد في العراق يحملون مشاعر إيجابية اتجاه الشيعة العراقيين بتأثير فتوى السيد محسن الحكيم وغيره من فقهاء الشيعة الذين حرموا على الدولة محاربة الكورد.
صراع من اجل السلطة
عندما طلب الوفد من الرئيس بيان رأيه في مستقبل الكورد في الدولة العراقية، قال: ان هناك اختلافات بين القيادات الكوردية والقيادات العراقية الأخرى، والسبب يتمحور حول السلطة، فقسم من الجانب الكوردي يفسر مواد قانونية حسب فهمه وتفسيره، ومن في الحكومة الاتحادية يفسرها بشكل آخر، وربما تحتمل هذه المواد كلا التفسيرين، وتعمل رئاسة الجمهورية على القيام بمبادرة من اجل جمع الطرفين وإيجاد صيغة تفاهم مبدئي بينهم، ويجب أن لا يفهم بأن هناك مشروع لدولة كوردية، فهذه تفسيرات غير صحيحة يقع فيها الكورد وغيرهم، والحل الوحيد هو باللقاء بين الجانبين لتجاوز الخلافات.
التسامح والتعايش والمبادرة المجتمعية أو الدمار
وجه الرئيس كلامه الى الوفد قائلا: أنتم كباحثين بإمكانكم ان تقدموا الكثير الى الناس والمسؤولين من خلال ما تقدمونه من خيارات وحلول لكثير من المشاكل، ومن خلال تنمية الوعي لدى المواطنين. ونحن بعد داعش بحاجة الى التسامح والتعايش والمصالحة المجتمعية، لاسيما مع وجود جماعات ساندت داعش وأخرى قاتلته، وهؤلاء عندما يعودون الى مناطق سكناهم سيتعاملون مع بعضهم، فكيف نمنع الصدام بين الطرفين؟
علينا أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى كتجربة جنوب أفريقيا وغيرها، فبدون ذلك قد تكون الصراعات القادمة أشد من الصراع مع داعش.
النفط وهشاشة الأحزاب أساس المشكلة
تحدث الرئيس عن موضوع النظام الانتخابي في العراق، فوضح أن عدم الاتفاق على هذا النظام ناجم من عدم التوصل الى استقرار سياسي، وعدم وجود أحزاب حقيقية تدخل في الانتخابات!!! اما تأخر إقرار قانون للنفط والغاز، فالمشكلة الحقيقية تكمن في النفط، وبدون وجود اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان لن يكون هناك قانون للنفط والغاز، والاتفاق بين الطرفين حاليا ممكن، لكن إقرار القانون صعب.
مشكلة الهوية الوطنية العراقية
أكد الرئيس على ان جميع العراقيين يحملون الهوية الوطنية، ولكن هل يشعرون أنهم يشكلون مجموعة ترتبط مع آخرين بهوية واحدة؟
الجواب كلا، فالهواجس لا زالت تحكم العلاقة بين المكونات العراقية، نتيجة عدم الثقة بينهم، وسوء الظن بينها يهدم الثقة ويحول دون بناء الهوية، فالخوف من الاخر يتحكم بالجميع.
مواقف العراق الإقليمية والدولية
ركز الرئيس في هذه النقطة على علاقة العراق مع جيرانه المهمين: ايران وتركيا والسعودية، وعلى علاقته مع الولايات المتحدة، وضح ان للعراق حدود جغرافية طويلة مع جيرانه، وان تعامله مع هؤلاء الجيران يجب ان ينطلق من عيون عراقية، لا من عيون طرف على حساب طرف آخر، كذلك يجب ان ننظر الى علاقتنا مع الولايات المتحدة بعيون عراقية، فلا ننظر بعين أمريكا الى جيراننا، ولا بعيون جيراننا الى أمريكا، واذا ارادت أمريكا ضرب ايران ونفذت تهديداتها، فهذا وضع خطير للعراق، ولن نقبل بضرب ايران انطلاقا من أراضينا أو جعل العراق ساحة لهذا الصراع.
الخلاصة
يتضح من خلال هذا الحوار مع رئيس جمهورية العراق أن هناك نضج وتصور واضح لما يعانيه العراق من مشاكل، وما يحتاجه من حلول، وما يجب أن تبنى عليه مواقفه الإقليمية والدولية، ولكن الأسئلة الصعبة والمحيرة التي تقفز الى الذهن هي: هل يمتلك رئيس الجمهورية القدرة على نقل تصوراته من اطارها النظري الى الإطار العملي كما تتطلبه الحقائق على الأرض؟ وهل يستطيع جعل مبادراته-بصفته حامي للدستور ولوحدة وسيادة العراق-منهج عمل موحد للقيادة السياسية العراقية؟
ربما هو يود ذلك، ولكن مع اقتراب مدة ولايته من نهايتها، واحتدام الصراع بين القوى السياسية المتنفذة، والسمات الشخصية للرئيس نفسه، وغياب بوصلة إدارة الدولة العراقية برمتها، والطبيعة الحالية لعلاقات العراق الخارجية... يبدو أن الرئيس قد لا يمتلك الأدوات والاليات المطلوبة لتحقيق ذلك، ونتمنى ان تكون توقعاتنا خاطئة تماما بهذا الموضوع.