بعد الموافقة البرلمانية التي حظي بها مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الهادف إلى زيادة صلاحيته الرئاسية، تطرح هناك عدة تساؤلات تتمحور حول جدية هذا المشروع وعن أهدافه السياسية المستقبلية في تغيير مسار الدولة التركية والخروج عن بعض المبادئ الأتاتوركية، لا سيما في ظل المعارضة السياسية التي يتلقاها هذا المشروع من قبل بعض القوى والاحزاب السياسية التركية وبالتحديد من قبل حزب الشعوب الديمقراطي والاحزاب المتحالفة معه.
هذا المشروع الذي سيطرح أمام الشعب في استفتاء شعبي في 16 أبريل/ نيسان المقبل، حصلت مواده المعدلة وعددها 18 مادة على 339 صوتا من اصل 550 هم اعضاء البرلمان، اي اكثر بتسعة اصوات من اغلبية الثلاثة اخماس المطلوبة لطرح النص في استفتاء شعبي، وسيسمح هذا المشروع للرئيس التركي الحالي البقاء في منصبه حتى عام 2029، وسيمنحه مهام السلطة التنفيذية التي كانت موكلة دستوريا لرئيس الوزراء التركي، ويمكنه "الرئيس" تعيين الوزراء واقالتهم وكذلك تعيين نائب او اكثر له. وينص التعديل على الغاء منصب رئيس الوزراء للمرة الاولى منذ أن اسس مصطفى كمال اتاتورك تركيا الحديثة في 1923. كما يمكن للرئيس التدخل بشكل مباشر في القضاء واصدار مراسيم. وستؤدي التعديلات الدستورية، في حال إقرارها بالاستفتاء الشعبي، إلى رفع عدد المقاعد في البرلمان التركي من 550 مقعداً إلى 600، وتخفيض سن الترشح للبرلمان من 25 عاماً إلى 18 عاماً، كما تقرّ التعديلات إقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً في يوم واحد كل خمس سنوات، وتتيح للرئيس التركي الحفاظ على صلاته الحزبية وأن يبقى في منصبه لولايتين انتخابيتين كحد أقصى، ويحق له تقرير ما إن كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا.
وتنقسم الرؤى التركية الداخلية أزاء هذا المشروع في زيادة صلاحيات الرئيس بين مؤيد ومعارض، بين من يرى بأنه مشروع سياسي من قبل الرئيس التركي وحزبه (حزب العدالة والتنمية)، لاسيما وأن التعديل الدستوري يعطي الحق للرئيس الحفاظ على صلاته الحزبية وسيكون صاحب صلاحيات لاتخاذ قرارات في حزبه، ويمنحه صلاحيات كبيرة في إدارة شؤون الدولة. إذ يرى البعض بإن هذه الخطوة يمكن أن تمهد لحكم استبدادي من قبل أردوغان وقد ترقى إلى استيلائه على مقاليد الحكم، خصوصاً في ظل النزعة السياسية التي يمتلكها الرئيس التركي الحالي وإصراره على تغيير النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، ونزعته السلطوية اتجاه خصومه السياسيين المدعومة بتداعيات الانقلاب الفاشل في 15يونيو/حزيران من العام الماضي، وإنها ستقضي على أي فرصة لتحقيق حياد منصب الرئيس. وبين من يرى فيها بأنها ستنقل تركيا إلى مصاف الدول المتطورة كما هو الحال في النظام السياسي الأمريكي والفرنسي، وأنها اصلاحات ضرورية لضمان الاستقرار السياسي، لاسيما في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها الدولة التركية.
لكن بالمجمل وبغض النظر عن اختلاف الرؤى وتنوعها بين مؤيد ومعارض، إلا أن من شأن هذه الصلاحيات أن تدخل الدولة التركية في معترك سياسي خطير في الوقت الحالي، لاسيما في ظل المعارضة السياسية التي يتلقاها هذا المشروع من الاحزاب التركية الأخرى وعلى وجه التحديد من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري المناصر للأكراد، وقد يثير المشروع حفيظة الحركات الكردية المسلحة ويدفعها إلى تنفيذ هجمات ضد الدولة التركية في حال اقرت تلك الاصلاحيات في الاستفتاء الشعبي. فضلاً عن ذلك فأن تدخل الرئيس في عمل السلطة القضائية وتعيين بعضهم قد تكون لها تداعيات سياسية وأمنية خطيرة، وهي تأكيد لنزعة أردوغان الاستبدادية، كتلك التي اتبعها النظام التركي بحق خصوم الرئيس السياسيين عقب عملية الانقلاب الفاشل، لا سيما وأن التعديل الجديد ينص على أن يتكون مجلس القضاء الأعلى من 12 عضوا، ويملك البرلمان الصلاحية لتعيين نصف عدد الأعضاء، والنصف الآخر يقوم رئيس الجمهورية بتعيينهم. وهذا مؤشر واضح على دور الرئيس في التدخل بعمل السلطة القضائية وإخضاعها لرغبات ولتطلعاته السياسية المستقبلية في اقصاء خصومه من العمل السياسي، فضلاَ عن ذلك فأن هذه التعديلات تمثل انقلاب على مبادئ الدولة التركية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك؛ لأن بموجب هذه التعديلات سيتم السيطرة على المؤسسات التنفيذية والقضائية والتشريعية والاقتصادية والإعلامية وستلغي عملية الفصل بين السلطات، ويتم توجيهها للعمل لصالح الحزب الحاكم. ومن شأن هذه التعديلات الدستورية أن تخرج الدولة التركية من دائرة الدول الديمقراطية الحديثة، لاسيما بعد هجوم الحكومة التركية على البنى التحتية للمؤسسات السياسية والديمقراطية واعلان حالة الطوارئ وتنفيذها حملة اعتقالات واسعة ضد من يشبه بهم على صلة بالانقلاب أو ارتباطهم بجماعة عبد الله كولن. وبهذا ربما سيكون مشروع زيادة صلاحيات الرئيس التركي في حال إقراره، مشروع سياسي أكثر مما هو مشروع استراتيجي لصالح الدولة التركية "على الأقل في فترة حكم أردوغان" وهو تأكيد على نزعته السلطوية الحالمة في اعادة امجاد الدولة العثمانية والسيطرة على زمام الأمور في الدولة التركية. وهذه التعديلات من شأنها أن تزيد من حجم الفجوة السياسية بين الدولة التركية والاتحاد الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.