في مقال قصير للكاتب والمحلل الامريكي (مايكل روبن) الخبير بشؤون الشرق الأوسط نشره (معهد امريكان انتربرايز) في الاول من شهر ديسمبر- كانون الأول الجاري، حاول التطرق الى الصراع الايراني- السعودي المتصاعد في المنطقة، وتأثير هذا الصراع على الكورد العراقيين بشكل خاص، اذ جاء في المقال: " في السنوات الأخيرة، اتسعت دائرة الصراع السعودي الايراني بالوكالة من سوريا الى اليمن وربما البحرين، ففي سوريا تحارب مجاميع المعارضة المدعومة من السعودية نظام بشار الأسد الذي تدعمه ايران من خلال فيلق الحرس الثوري الايراني ومتطوعي الباسيج وحزب الله اللبناني، اما في اليمن فتشارك القوات السعودية في قتال الحوثيين الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني وسلحتهم ايران، وفيما يتعلق بالبحرين فقدت اعترضت الحكومة البحرينية شحنات اسلحة تابعة للحرس الثوري الايراني ومنعتها من الوصول الى المعارضة الشيعية الطائفية. وللأسف ربما يتسع الصراع الايراني السعودي قريبا ليشمل كردستان العراق حسب مقال مقتبس من وكالة انباء الطلبة الايرانية، وفي خطابه الأخير بشأن الاحداث في المناطق المجاورة لايران اشار الجنرال "يحيى صفوي" قائد للحرس الثوري الأيراني لمدة عشر سنوات حتى عام ٢٠٠٧ الى سماح مسعود بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان العراق للقنصلية السعودية بتسليح جماعات تعتزم القيام باعمال ضد النظام الايراني ، واعرب عن اعتقاده باحتمالية قطع ايران مساعدتها لاتباع بارزاني اذا دخلو او شاركوا في هذه الالعاب السياسية، قد تكون هذه اشارة الى استمرار التمرد الكردي داخل ايران او ربما التمرد البلوشي في الجنوب الشرقي منها وتعتقد السلطات الايرانية ان السعودية هي السبب وراءه. وينصح صفوي المرشد الأعلى علي خامنئي بتحذير بارزاني من اعتبار إيران لإقليم كردستان العراق كجزء من حدودها الخارجية وعدم سماح طهران بوجود منافسين في المنطقة، الامر الذي ينبيء بمزيد من عدم الاستقرار في كردستان العراق والمنطقة وعدم توفير الحماية للقوات المتواجدة فيها والتي تتعامل معها القوات الايرانية بعدائية".
نظرة تحليلية
ان تمدد التنافس والصراع بين إيران والسعودية الى اقليم كردستان ليس أمرا مستغربا؛ لأن العراق يعد – في الوقت الحاضر-منطقة استراتيجية هشة، اذ يعاني من ضعف حكومته الاتحادية، وتشتت مراكز صنع قراره الداخلي والخارجي، وعدم سيادة هويته الوطنية على الهويات الفرعية، وعدم انسجام المواقف بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان بسبب تقاطع المصالح وعدم وجود رؤية موحدة نحو المستقبل بين الجانبين. كل هذه المؤشرات العراقية سمحت لجواره الاقليمي بالتدخل في شؤونه الداخلية من اجل تحقيق مكاسب على حساب العراقيين تحت شعارات متعددة، وان اشارة السيد روبن الى ان الكورد سيكونون ساحة للصراع الايراني-السعودي أمرا يتطلب من الكورد العراقيين ان يأخذوه بالحسبان، لا سيما في مرحلة ما بعد داعش التي توشك على الاقتراب، ولن يكون للكورد جدار حماية من هذا الصراع الاقليمي الا العراق الذي يحتاج منهم الى مواقف واضحة تعزز وحدة قراره السياسي والامني وتماسكه الثقافي والاجتماعي، فعراق قوي ديمقراطي متماسك هو الضمان الوحيد لشعب كوردي آمن ومستقر. ولكن ما فات السيد روبن في مقاله هو ان الكورد العراقيين لم يكونوا لوحدهم ضحايا الصراع الايراني- السعودي، بل جميع ابناء الشعب العراقي بكافة مكوناتهم هم ضحايا لهذا الصراع منذ غزو امريكا للعراق مطلع عام 2003 وربما قبل هذا التاريخ بوقت طويل، وما زاد من تأثير هذا الصراع السلبي على العراقيين هو تلك المواقف الهزيلة او المخادعة للقوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف العراقي، فمشروع بناء الدولة العراقية القوية والمتماسكة يبدو انه لم يكن مطروحا بشكل جدي على طاولة زعماء القوى الكبرى، يضاف اليه تقاطع المصالح الحاد بينهم مما عقد كثيرا الوضع في العراق، واربك مشروع بناء الدولة لصالح مشاريع فئوية وحزبية وطائفية غير متماسكة تعتاش على حساب المصلحة العليا للعراق.
انطلاقا مما تقدم لن يهنأ الكورد العراقيين في بلدهم كما لن يهنأ بقية مواطنيهم من المكونات الاخرى، وسيكون الجميع ضحايا ووقود لنيران الصراعات الاقليمية والدولية ما لم يلتفوا حول مشروع واضح للدولة العراقية يمتلك من داخله عناصر مناعته الذاتية ومقوماته ردعه للتدخل الاقليمي والدولي بالشأن العراقي، فهل بات العمل على هذا المشروع قريبا أم لازال العراقيون بحاجة الى وقت أطول وضحايا أكثر من اجل ادراكهم لهذه الحقيقة؟
رابط المقال الاصلي:
http://www.aei.org/publication/will-iraqi-kurds-fall-victim-to-iran-saudi-proxy-war/
2024-11-20 ,
47 , سياسة