عُرف دونالد ترامب بأسلوب مختلف عن كل الرؤساء الذين ترأسوا الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخيها، سواء على مستوى السلوك الشخصي أو على مستوى الدعاية الانتخابية، فضلًا عن اسلوبه وسلوكه السياسي غير التقليدي في ولايته الاولى، ولاسيما على صعيد السياسة الخارجية، واتخاذه قرارات مثيرة للجدل تتعلق بالتجارة، والاتفاقيات الدولية، والشراكات الأمنية. ولعل هذا الاختلاف يدور الآن حول فهم طبيعة فريق ترامب ومواقفه السياسية من الملفات العالمية في ولايته الثانية، ولاسيما ما يتعلق بملفات الشرق الاوسط، على الرغم من أن الرئيس الجديد لم يكشف بعد عن تشكيلته الوزارية بشكلٍ كامل. إلا أن تعييناته لأعضاء فريق إدارته، تظهر بعضًا من رؤيته فيما يتعلق بالشرق الأوسط. إذ يتجه الرئيس الأمريكي المنتخب لاستكمال إدارته الجديدة من فريق يتوافق مع رؤيته ويسهم في ترجمة برنامجه الانتخابي، بعد حصول الجمهوريين على تفويض من الشعب الأمريكي في الانتخابات الاخيرة، باستعادتهم لمنصب الرئيس، وهيمنتهم على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ؛ الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول تأثير مسؤولي الإدارة الجدد على قضايا الشرق الأوسط. فكيف يمكننا أن نقرأ ملفات المنطقة في ظل توجهات فريق ترامب الجديد والاسماء التي اختارها في تشكيلته الحكومية حتى الآن؟
إنَّ ملامح التشكيلة الوزارية التي أختارها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لحد الآن، تضم شخصيات بارزة عرفت بمواقفها المتشددة تجاه الشرق الأوسط، التي تبدو للوهلة الأولى، ترتكز على مزيد من الدعم لإسرائيل، وربما الميل الواضح نحو توسعها على حساب أراضي فلسطينية، فضلًا عن ممارسة مزيد من الضغط والتحجيم ضد إيران. ولعل من أبرز تلك الاسماء "ماركو روبيو" المرشح لمنصب وزير الخارجية، الذي عمل نائبًا لرئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل والمنتقدين لإيران، ولديه مواقف حازمة تجاه الصين وكوبا، ويعارض وقف إطلاق النار في غزة. إذ يقول قائد الدبلوماسية الأمريكية القادم "في موقف سابق عن الحرب في غزة": "على العكس، أريد منهم، ‘‘إسرائيل‘‘أن يدمروا كل عنصر من عناصر حماس يمكنهم وضع أيديهم عليه. هؤلاء الناس حيوانات شرسة ارتكبوا جرائم مروعة". وتعليقًا على الحرب الإسرائيلية على غزة والتوترات التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط بعد عملية طوفان الاقصى، يعتقد روبيو بأن إسرائيل "تواجه أعظم تهديد لها منذ الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973". وكتب على منصة التواصل الاجتماعي إكس: "سترد إسرائيل على الفور بهجوم مضاد أكثر شدة داخل إيران".
وفيما يتعلق بالموقف من إيران، تظهر توجهات وزير الخارجية القادم تجاه طهران بشكل علني، إذ يُعرف روبيو بشكل خاص بمواقفه المناهضة لإيران ودعا مرارًا إلى زيادة العقوبات على إيران. فخلال المفاوضات النووية في عهد الرئيس الاسبق باراك أوباما، لم يكن روبيو معارضًا صريحًا للاتفاق النووي فحسب، بل سعى أيضًا إلى فرض المزيد من العقوبات في الكونغرس لتقليل أي فوائد محتملة لإيران من مثل هذه الاتفاقيات. وبصفته عضوًا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، أرسل روبيو، إلى جانب السناتور الديمقراطية ماغي حسن، رسالة مفتوحة إلى جو بايدن في يناير كانون الثاني 2024. وفيها، حث العضوان الحكومة الأمريكية على فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، مشيرين إلى هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، ووقف جميع مبيعات النفط الإيرانية بموجب القوانين القائمة. كذلك قدم العضوان في العام الماضي إلى جانب السناتور الديمقراطي جاكي روزن، مقترح قانون يُعرف باسم "قانون وقف إيواء البترول الإيراني"، ولا يزال المقترح قيد المراجعة في مجلس الشيوخ. وإذا تم تمريره، فسيُلزم الحكومة الأمريكية باتخاذ تدابير أوسع لمواجهة مبيعات النفط الإيرانية. بموازاة ذلك، قدم روبيو مقترح قانون في نفس العام، يهدف إلى وقف ما أسماه بالإرهاب الإيراني تحت أسم "قانون إنهاء الإرهاب الإيراني" وهو ما يزال على جدول أعمال مجلس الشيوخ للنظر فيه.
كذلك تظهر اختيارات الرئيس الجديد فيما يتعلق بالنائب مايكل والتز، مستشارًا للأمن القومي، وبيت هيكسل لوزارة الدفاع، توجهاته السياسية المتشددة تجاه إيران ووكلائها في الشرق الاوسط، ولاسيما في لبنان واليمن والعراق. وهيكسل وولتز، لديهما مواقف متصلبة تجاه الكثير من ملفات الشرق الاوسط، سواء فيما يتعلق بإيران ووكلائها في المنطقة، أو فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ومشروع حل الدولتين. فعلى مدار العامين الماضيين، انتقد والتز سياسات بايدن مرارًا وبشكل علني، قائلًا: "إن الإدارة لم تكن صارمة بما يكفي مع إيران". ووفقًا لـ والتز، فقد سمح هذا التساهل للحكومة الإيرانية بزيادة الوصول إلى الموارد المالية. فضلًا عن ذلك، فقد سعى وولتز في يونيو/حزيران 2024، إلى فرض عقوبات على رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق السيد فائق زيدان، زاعمًا تورطه في جهود إيران للتأثير على العراق. وهذا ربما سيضع الحكومة العراقية والقضاء العراقي في موقف صعب في الايام القادمة، وهو ما يتطلب جهود مضاعفة من قبل الحكومة والدبلوماسية العراقية لمعالجة هذا الموضوع.
أما ما يتعلق بوزير الدفاع وبيت هيكسل، ربما ليس لديه أي خبرة في الحكومة، وأن اختياره جاء وفقًا لمواقفه الداعمة لإسرائيل على قناة فوكس نيوز، الذي عمل فيها مقدمًا لبعض البرامج. إذ دعا الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب حليفتها القوية إسرائيل. وبهذا الصدد تشير الضابطة السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) كلير لوبيز، إلى أن التعيينات الجديدة في إدارة ترامب "توحي بتوجه واضح لدعم إسرائيل بشكل غير مسبوق". ولعل تعيين مايك هوكابي سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل، فضلاً عن تعينه لرجل الأعمال اليهودي وقطب العقارات ستيف ويتكوف مبعوثًا للشرق الأوسط، وإليز ستيفانيك مبعوثةً لأمريكا لدى الأمم المتحدة. يعزز توجه الرئيس الجديد تجاه قضايا الشرق الاوسط، ولاسيما أن الاسماء الثلاثة، يملكون سجلًا حافلًا للخطاب المتشدد الداعم لإسرائيل. إذ دفعت تلك الترشيحات الكثير من الخبراء والمهتمين إلى اعتقاد بأن سياسة دونالد ترامب ربما ستكون مختلفة كثيرًا عن ولايته الاولى، سواء فيما يتعلق بالموقف من إيران ووكلائها في المنطقة أو فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، وهي سياسة بدأت تتشكل بشكل واضح من خلال ترشيحات الرئيس لكابنته الوزارية، وبدأت تبعث كذلك بإشارة صريحة على ميله الواضح لإسرائيل. وعن هذه الترشيحات ومواقف ترامب المقبلة يقول عزرائيل بيرمانت "الخبير في معهد العلاقات الدولية في براغ" إنَّ: "تعيين ترامب لروبيو، ووالتز، وهيكسل، كلها متشددة للغاية وداعمة لإسرائيل"، وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الخبير الإسرائيلي أن الأمر أشبه بسياسات ترامب وتعييناته خلال ولايته الأولى. في حين هناك من يعتقد عكس ذلك، وعلى المنطقة ان "تستعد لما هو أسوأ".
إنَّ فريق الرئيس الجديد، الذي سيمسك زمام الامور والقيادة والإدارة لأربعة سنوات قادمة، ظهرت مؤشراته مبكرًا ومن الممكن أن يعمل على تجديد العقوبات على إيران، التي رُفعت جزئيًا خلال إدارة بايدن. وهو ما يمكن أن يتسبب يتزايد الصراع والتوتر مع إيران والشرق الاوسط بشكل عام، ولاسيما في ظل دعم إيران لوكلائها في لبنان والعراق واليمن، فضلًا عن حماس. وكذلك من المرجح جدًا أن يعيد ترامب وفريقه الجديد الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية، بعدما أزالتهم إدارة بايدن من القائمة؛ مما سيؤثر على الوضع العام في اليمن والمنطقة، وربما يمتد إلى وضع الملاحة الدولية وطريق هرمز.
بالمجمل، يغلب على تشكيلة ترامب السياسية العنصر الشبابي، أما على مستوى التوجهات بشأن قضايا وملفات الشرق الاوسط، فإنها تدور حول المبادئ الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، ولاسيما من قضية دعم إسرائيل، وكذلك تمثل توجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب ورؤيته المتطرفة أزاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والموقف من النظام الإيراني، فضلًا عن ملفات منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص. وهو ما يمكن أن ينعكس بصورة مباشرة على العراق والحكومة العراقية، ولاسيما في ظل الدعوة التي اقامتها إسرائيل على العراق في الامم المتحدة، بشأن مشاركة بعض الفصائل العراقية في ضرب تل أبيب بالصواريخ والمسيرات، وفشل الحكومة العراقية في تحمل مسؤوليتها تجاه منع تلك الفصائل من المشاركة في الحرب على إسرائيل؛ الأمر الذي من شأنه أن يعطي لإسرائيل الضوء الأخضر بتوجيه ضرباتها الصاروخية إلى العراق؛ لهذا على الحكومة العراقية في المرحلة المقبلة إيجاد الادوات السياسية والدبلوماسية اللازمة للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بالشكل الذي يضمن تعضيد العلاقة وتطويرها، أو المحافظة عليها قدر الامكان؛ لأن الإدارة الأمريكية المقبلة، إدارة شعبوية ولا يمكن لأحد أن يتكهن بقراراتها الخارجية، ولاسيما تجاه العراق.