إنَّ انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من حملته الانتخابية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، ربما تكون المرة الأولى التي ينسحب فيها رئيس أمريكي من سباق إعادة الانتخاب منذ عقود، إذا ما استثنينا قرار الرئيس ليندون جونسون بعدم الترشح لولاية ثانية كاملة في عام 1968، إلا أن قرار بايدن جاء بعد أشهر من شروعه في الحملة الانتخابية وخوضه غمار المناظرات السياسية ضد منافسه الجمهوري دونالد ترامب، الذي استغل ضعفه وكبر سن سنه وتلعثمه في مرات عدة في دعايته الانتخابية؛ الأمر الذي رجح كفته في كثير من الاستطلاعات. فهل يؤثر قرار الرئيس الحالي بالانسحاب من السباق الرئاسي على حظوظ ومستقبل الرئيس السابق دونالد ترامب في توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مرة آخرى؟
لعدة أشهر، ومنذ انطلاق الدعاية الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، ركز المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب وفريقه بشكل كبير على صحة منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، وشاركوا مقاطع فيديو لكل تلعثم وخطأ وتعثر في تصريحاته؛ بموازاة مشاهد عملية الاغتيال التي تعرض لها دونالد ترامب أثناء دعايته الانتخابية؛ الأمر الذي وضع جو بايدن بموضع الحرج والسخرية من قبل منافسه دونالد ترامب وجمهوره وزادت من حظوظه الانتخابية.
ربما لم يكن جو بايدن مؤهلًا لخوض غمار السباق الانتخابي، ولاسيما ضد منافس شرس مثل دونالد ترامب، وكان الرأي العام الأمريكي بشكل عام متأكد من أن جو بايدن لم يكن مؤهلًا لأن يكون مرشحا للرئاسة، وليس مناسبًا للخدمة، وليس الشخص المناسب الذي من الممكن أن يجاري مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب؛ لهذا نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحلل السياسي هنري قوله: إن "هذا نبأ سيئ لترامب"، مشيرًا إلى أنه قبل الإعلان عن انسحاب بايدن كان الأخير "يحظى بأدنى مستوى من الموافقة على الإطلاق تم تسجيله في استطلاعات الرأي لولاية أولى، وسنه عائق لا يمكن تجاوزه". ولهذا كان من المناسب لترامب بالتأكيد أن يخوض الانتخابات ضد بايدن بدلًا من أي منافس ديمقراطي آخر، ولاسيما أن كفة المنافسة والدعاية بدأت تميل لصالح ترامب بشكل واضح؛ الامر الذي قرأهُ الحزب الديمقراطي "ولو بشكل متأخر" وربما زاد الضغط على الرئيس من اجل سحب ترشيحه لولاية ثانية، وهو ما سيؤثر بشكل مركب على دونالد ترامب وسباقه الانتخابي. فمن جهة، سيؤثر هذا القرار على الدعاية الانتخابية والمناظرات التي خاضها ترامب ضد منافسه السابق جو بايدن، ومن جهة ستزيد الضغط عليه في مواجهة منافسه اللاحق، ولاسيما أن خليفة بايدن بالتأكيد سيكون غير مكشوف سياسيًا ولم يكن معروفًا أو رئيس سابق "كما كان عليه بايدن"، حتى وأن كان ضمن فريقه السياسي، وبالتالي فربما ليس هناك الكثير من الملفات (الداخلية والخارجية)، فضلًا عن الملفات الشخصية التي من الممكن أن يستغلها ترامب في دعايته الانتخابية ضد منافسه الجديد في السباق الرئاسي، كما استغل وضع بايدن الشخصي وتجربته الرئاسية خلال السنوات الماضية. على الرغم من أن حملة الجمهوريين قد قللت حتى الآن من فرص الانسحاب، وقد عملوا مسؤولوها مؤخرًا خلف الكواليس على أفضل أساليب مهاجمة المرشح الديمقراطي البديل "حتى الآن" وهي نائبة الرئيس كامالا هاريس. إذ انتقد فريق حملة الدعاية الانتخابية لدونالد ترامب (هاريس) بعد أن دعمها بايدن للترشح عن الحزب الديمقراطي، بإنها ستكون "أسوأ" من الرئيس المنتهية ولايته؛ لكونها كانت عامل التمكين الرئيسي لجو الفاسد طوال هذا الوقت - حسب تعبيرهم – وإنهما يملكان سجلات بعضهما البعض، ولا يوجد اختلاف بين الاثنين. لكن بشكل عام بديلة بايدن ستكون أفضل خيار بالنسبة للديمقراطيين من بايدن، ولديها الدعم والخبرة السياسية التي من الممكن أن تحرج ترامب في الدعاية الانتخابية والسباق الانتخابي، ولاسيما أن استطلاعات الرأي الحديثة بأن كامالا هاريس ستحقق نتائج أفضل من جو بايدن ضد دونالد ترامب في ميشيغان وبنسلفانيا، وهما ولايتان يمكن أن تحسما الانتخابات، على الرغم من أن مرشحة بايدن لم يتم ترشيحها بعد من الحزب الديمقراطي بشكل رسمي. بموازاة ذلك، هناك نقاط ضعف يمكن لدونالد ترامب وفريقه أن يستغلها ضد هاريس – في حال تأكد ترشيحها – فالمرشحة الديمقراطية تشغل منصب في حكومة بايدن، مما يعني أن دونالد ترامب سيكون قادرًا على مهاجمتها، ولاسيما فيما يتعلق بموضوع الهجرة، لكونها سمراء من أصول أسيوية. وكذلك سيكون الأمر مماثلًا بالنسبة لترامب مع أي مرشح ديمقراطي آخر سينافسه في السباق الانتخابي. لكن بالمجمل العام، مهما كانت الخيارات والاسماء التي ستترشح لمنافسة ترامب، ستكون بالتأكيد أكثر جرأة وشراسة من جو بايدن، وستكون لديهم امكانية في استعادة ثقة الناخبين واقناعهم، ولاسيما في الولايات المتأرجحة، وسيخلقون المتاعب لدونالد ترامب بشكل أو بآخر. فضلًا عن ذلك، فأن انسحاب بايدن سيؤثر كذلك على حملات التبرع المالي لحملة ترامب الانتخابية، فعلى الرغم من أن مجموعات جمع التبرعات المتحالفة مع ترامب ضاعفت حجم المساهمات التي جمعتها في الربع الثاني بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالربع الأول، ولاسيما بعد أدانته في 30 مايو بأكثر من بـ34 تهمة، إلا أن انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، جعل الخبراء يتوقعون أن تعود حملات التبرع للديمقراطيين أقوى من الأول، ولاسيما أن كبار المانحين الديمقراطيين مثل ستيوارت باينوم، ومارك بينكوس، وريد هاستينغز، ومايك موريتز، كانوا يطالبون بتنحي بايدن، ومع اتخاذ هذا القرار سوف يدعمون مرشح الحزب الديمقراطي بالأموال. وهذا بالتأكيد سيؤثر بشكل أكبر على مستقبل ترامب السياسي وحظوظه في تولي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.