بقلم: نيكوس تسافوس
نقلا عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS - واشنطن
ترجمة: د. حسين احمد السرحان
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
مصطلح سلاح الطاقة يتم اساءة استخدامه بسهولة، وغالبا يستخدم بقسوة. وفي الغالب يتهم صناع القرار الاميركان روسيا بانها تجعل الطاقة سلاح. الادارات الاميركية المتعاقبة اعتلاها القلق بسبب عدم قيام اوروبا برد فعال ضد روسيا بسبب اعتمادها على روسيا في الحصول على الطاقة. ومع بدء زيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة ، سادت الآمال في أن تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة سلاح الطاقة الروسي بالطاقة الاميركية- وهو اعتقاد تم التعبير عنه بوضوح خلال رئاسة دونالد ترامب تحت شعار هيمنة الطاقة. بعد أسابيع قليلة من الصراع في اوكرانيا، ماذا يمكننا أن نقول عن سلاح الطاقة؟
الملاحظة الاولى هي ان روسيا لم تقطع الغاز الطبيعي عن اوروبا لا في بداية حربها ولا ردا على العقوبات الغربية، لكن يمكن لروسيا ان تقطع الغاز عن اوروبا فالحرب لم تنته بعد، والقادة الروس هددوا بتعليق عمليات تسليم الغاز عبر خط انابيب نورد ستريم. ومع تزايد خطر قيام روسيا بقطع الغاز عن اوروبا، ارتفعت صادرات الغاز من روسيا منذ بدء الصراع. كيف يمكن توضيح هذا التناقض؟
ربما تكون روسيا بحاجة ماسة الى المال. ولكن اذا كان هذا صحيحا، ففي اي ظروف يمكن ان تقطع امدادات الغاز عن اوروبا (وهذا الامر اثار قلق كثر من الباحثين والاستراتيجيين لسنوات)؟
ربما تعتقد روسيا ان الاستمرار في تصدير الغاز يمنحها قوة لاستخدامها لاحقا (اي عندما تشتد ظروف الحرب وتريد وقتها ان تمارس ضغط كبير على الاوروبيين). ومع ذلك فأن هذه الافتراض المنطقي يتعارض مع وجهة النظر القائلة بأن روسيا جعلت من الطاقة سلاح من خلال عدم ارسال ما يكفي من الغاز الى أوروبا عام 2021 بعدما خفضت روسيا صادرتها من الغاز لإثارة ازمة ولإجهاض اي رد فعل اوربي تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا. ولكن لماذا يتم تصدير المزيد من الغاز الان الى اوروبا؟ ولماذا لا تخلق روسيا ازمة أكبر في اوروبا؟
ما يظهره الواقع حتى الان هو ان تدفق الغاز الى اوروبا أكثر ديمومة مما افترضه الكثير من المتابعين والباحثين، ويمكن لروسيا قطع الامدادات في اي وقت، لكن مثل هذا العمل ستعده اوروبا عملا من اعمال الحرب، وستزيد من تحشيد الاوروبيين وتقربهم من اوكرانيا. وهذا يعني ان قطع امدادات الغاز عن اوروبا سيأتي بنتائج عكسية. الحسابات حول الحرب عديدة ولا يمكن استبعاد اي شيء. ولكن مواصلة الامدادات او اي تداولات اخرى رغم ظروف الحرب، هو أحد الحلول التي يمكن ان تنهي الازمة.
كذلك، ثبت ان الخوف من اعتماد اوروبا على الطاقة الروسية يمكن ان يضعف ردة فعلها ضد العدوان الروسي لا اساس له من الصحة، وهذا كان مصدر قلق الادارات الاميركية المتعاقبة منذ خمسينيات القرن الماضي. فخلال الازمة الحالية قامت اوروبا برد فعل جريء، وكانت قوة استجابتها مفاجأة، لم تتصف اوروبا سابقا بهذه القوة ردا على اي تهديد خارجي، وهذا يعني ان اوروبا قد تجاوزت عتبة ان يكون فقدان الطاقة الروسية رادعا لها.
كما ان أحد التطورات غير المتوقعة هو استجابة جهات فاعلة من القطاع الخاص. اذ قطعت شركات علاقاتها مع روسيا، واعلنت عن مغادرة البلاد، ورفضت شراء الطاقة الروسية، فسابقا كان الحكومات تقيد التجارة، اما في هذه الحرب، فقد تجاوزت الشركات ما دعت اليه الحكومات. وهذه التحركات الذاتية من قبل الشركات هو امر غير متوقع فيما يخص جعل الطاقة سلاح، فهذه التحركات مدفوعة بالراي العام واصحاب المصلحة وليس الحكومات.
هذا الضغط يعقد سياسات الحكومة، والحكومات الغربية حاولت ابعاد الطاقة عن العقوبات، وكان على ادارة بايدن الخضوع للغضب العام وحظر وارادات النفط والغاز والم الروسي. ان الضغط العام على الحكومات الاوروبية للانفصال السريع عن روسيا يتزايد، ولكن يبدوا ان استيراد الطاقة من الخصم شيء، وشرائها من العدو شيء آخر.
ان وضع فكرة جعل الطاقة سلاح في سياق الصراع هو امر صعب ايضا. يريد بعض الاوكرانيين من المانيا اغلاق خط انابيب نورد ستريم، مما يجبر روسيا على ارسال الغاز الى اوروبا عبر اوكرانيا. فأوكرانيا لطالما اعتقدت ان كونها ممر رئيس لواردات الطاقة الروسية الى اوروبا يمنحها الحماية، فحينها لن تهاجمها روسيا، كما ستدافع اوروبا عنها عاجلا. وحاليا من الصعب الحكم على مزايا هذه الحجج بعد العدوان الروسي على اوكرانيا، لكن هذه الحجج توضح الحاجة الى رسم روابط أكثر تعقيدا بين الطاقة والجهود الحربية.
كما ان التداخل بين عائدات التصدير والحرب معقد، فلا شك ان عائدات تصدير النفط والغاز دعمت الاقتصاد الروسي وسمحت له بالاستثمار في القوات العسكرية التي تقاتل الآن في اوكرانيا. وبالمثل، ليس هناك شك في أن العقوبات الغربية أضرت بالاقتصاد الروسي بشدة، وفرضت تكاليف أعلى مما كانت تتوقعه القيادة الروسية. لكن ليس واضحا حتى اللحظة كيف ستساعد العقوبات المفروضة على الطاقة على كسب الحرب. نعم هناك عقوبات على روسيا، لكن الى متى؟ السلاح أكثر فائدة عندما يستهدف شيء ما. كما انه ليس من الواضح ما الذي يهدف الغربيون الى تحقيقه من جعل صادرات الطاقة كسلاح.
هناك مجموعة أخرى من الافتراضات التي لم تحقق نتائج جيدة خلال الحرب وهي مفاهيم استقلال الطاقة وقدرة الولايات المتحدة على مواجهة سلاح روسيا بسلاح موازٍ. فالولايات المتحدة دولة مستقلة في مجال الطاقة -على الأقل وفق المعايير التي يُقاس بها الاستقلال، وهذا يعني أن الولايات المتحدة مُصدِّر صافٍ للطاقة. وكونها مصدرِ صافِ للطاقة، لا يُبعدها عن الصدمات في سوق الطاقة العالمي. وهذه ليست مفاجأة. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون ان زيادة انتاج النفط هي طريقة لتجنب الصدمات في سوق الطاقة، فأن هذه الازمة هي تصحيح من نوع ما وينبغي ان يحصل.
كذلك الحال بالنسبة للغاز، اذ ان الغاز الاميركي الطبيعي المسال لا غنى عنه لأمن الطاقة الاوروبي. فلأشهر مضت، كانت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال الى اوروبا، وقد ساعد ذلك اوروبا على تجاوز شتاء قاسٍ. لكن المهم في هذه الازمة ليس الكميات فقط، بل الفائض منها، فالولايات المتحدة يمكن ان تكون جزءا من الحل لأمن الطاقة الاوروبي لأنها يمكن ان تصدر مزيد من الغاز الى اوروبا في غضون عدة سنوات، وهذا يساعد اوروبا كثيرا إذا كانت الاخيرة مستعدة لإبرام صفقة مع الولايات المتحدة، ولكن ليس من الواضح ان اوروبا كذلك.
الحرب الروسية الاوكرانية لم يمر عليها سوى اسابيع قليلة، لكنها بالفعل قدمت دعما لإعادة التفكير في بعض الافكار الاساسية حول استخدام الطاقة كسلاح. وما يظهر هو ان الخطاب العام حول جعل الطاقة كسلاح يتعارض مع ما يتابعه او يراقبه العالم. ومن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات جديدة حول معنى تأثير الطاقة كسلاح، لكن معظم الاستنتاجات القديمة لم تعد صحيحة مقابل الافتراضات الجديدة التي ظهرت في الازمة الروسية الاوكرانية.
الرباط الاصلي للمقال:
https://www.csis.org/analysis/energy-weapon%E2%80%94revisited