غادر العراق يوم الاحد 16/ آب الجاري وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وعدد من الوزراء والخبراء والمستشارين في الشؤون المالية والاقتصادية متوجها الى الولايات المتحدة الاميركية تمهيدا لزيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واشنطن ولقاءه الرئيس الاميركي دونالد ترامب يوم 20 / أب الجاري للتباحث في الشؤون الاقتصادية والامنية والسياسية واستكمال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن والذي انطلق في حزيران الماضي.
طبيعة الوفد العراقي يدلل على ارادة حكومية لتجاوز الازمة المالية الراهنة التي تعصف في منذ آذار الماضي بفعل انخفاض اسعار النفط. كما ان العراق بحاجة الى مساندة واشنطن في التصدي لجائحة كوفيد_19. وهذين الملفين بحاجة الى مساندة اميركية بشكل مباشر او من خلال دفع المؤسسات المالية الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي لتقديم المعونة للحكومة العراقية التي تعمل على اعداد الموازنة الاتحادية لعام 2021.
الاشكالية المرتبطة بالشأن الاقتصادي تتلخص بأن هناك مشروطية للمساعدة الاقتصادية ترتبط بأجراء اصلاحات اقتصادية – لاسيما اذا ما كانت المساندة الاقتصادية عبر صندوق النقد الدولي-وفرض القانون على كامل اقليم الدولة، ومواجهة الفساد والهدر بالمال العام. وفي الوقت الذي شرعت الحكومة باتخاذ اجراءات جريئة – إذا ما قورنت بالحكومات السابقة – في السيطرة على المنافذ الحدودية، الا الكثير من الاجراءات الاخرى على صعيد المالية العامة والاصلاح الاقتصادي بحاجة الى ارادة حكومية ومساندة نيابية، وهذا ما لم تتمكن الحكومة في المستقبل المنظور من تحقيقه.
على الصعيد الامني، وفي الوقت الذي شرعت الحكومة بتنفيذ عمليات عسكرية للقضاء على خلايا داعش الارهابية وفرض سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية وتخليصها من سيطرة جماعا حزبية ومسلحة تسيطر عليها منذ عام أكثر من 17 سنة، تستهدف الحكومة العراقية موقف ساند من الحكومة العراقية من خلال التحالف الدولي الذي يستمر في توجيه عملياته ضد خلايا داعش الارهابية.
هذه الارادة الحكومية تصطدم بإرادة "قوى سياسية" وجماعات مسلحة لها قدم في هيئة الحشد الشعبي وقدم خارجها، تطالب الحكومة الحالية بتنفيذ توصية مجلس النواب للحكومة السابقة والمتضمنة انسحاب القوات الاجنبية من البلاد في الجلسة التي عقدها مجلس النواب عقب اغتيال ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني في كانون الثاني الماضي. وسلكت تلك المجاميع المسلحة طريق ربطت من خلاله تخليها عن السلاح بأنسحاب القوات الاميركية في وقت تظهر تصريحات مسؤولين اميركان وفي التحالف الدولي انها لا تخطط للانسحاب من البلاد بل شرعت بعملية اعادة انتشار وتموضع نتيجة الانتشار الكبير في الاصابات بجائحة كوفيد_19، وتجنبا للاستهداف المباشر. كما تم تدشين منظومة دفاع جوي اميركي في السفارة الاميركية في بغداد لحمايتها من الضربات الصاروخية المتكررة. وهذه الاشكالية تواجه حكومة الكاظمي وتضعها في وضع حرج مع تزايد الهجمات الصاروخية ضد السفارة الاميركية والمصالح الاميركية في العراق، وتصاعد مواقف قوى سياسية للمطالبة بإخراج القوات الاجنبية.
الاشكالية الاخرى المرتبطة بمتغير الامن هو انعدام التوافق بين الادارة الاميركية والحكومة العراقية حول تعريف الجماعات الارهابية في العراق. ففي الوقت الذي تصنف فيه الحكومة العراقية تنظيم داعش وعناصره على انه التنظيم الارهابي الوحيد الذي يهدد امن البلاد، يرى صناع السياسات والقرار في واشنطن ان كل سلاح خارج الدولة ويستهدف المصالح العراقية والاميركية هو ارهاب وبحاجة للوقوف ضده، وتدلل على ذلك بالاستهداف المتكرر لسفارتهم في بغداد، والقواعد العسكرية العراقية التي تضم قوات اميركية او شركاء في التحالف الدولي، فضلا عن منشآت ومقرات سيادية مهمة كمطار بغداد والمنطقة الخضراء.
كل هذه المتغيرات تعقد من موقف الحكومة العراقية وتعرقل رؤيتها وتضعف من ارادتها، وكذلك تعقد من الموقف الاميركي تجاه العلاقة مع العراق. تأكيد الرئيس الاميركي دونالد ترامب ان الحرب في العراق كان خطأ اميركي كبير، يفتح الباب لخلافات في الداخل الاميركي بين الاستمرار في العلاقة ودعم الدولة العراقية وتقويتها بالشكل الذي يمكنها من الوقوف بوجه النفوذ الايراني الذي بات المعرقل الاساس للدور الجيوبوليتيكي الاميركي في العراق والشرق الاوسط، وتكون قادرة على فرض الاستقرار وتجنب الولايات المتحدة المزيد من التكاليف من جهة، وبين ترك العراق لمصيره بعد فشل حكوماته المتعاقبة من تحديد النفوذ الايراني السلبي وعدم قدرة تلك الحكومات على حماية المصالح الاميركية والعراقية في العراق، من جهة اخرى.
ومع ذلك، لا يمكن لصناع السياسات القرار في واشنطن التفكير بإحداث خلل في الدور الجيوبوليتيكي الاميركي في النظام العالمي في أهم منطقة لهذا الدور الا وهو الشرق الاوسط. ولأنه الكثير من الحلفاء للولايات المتحدة في المنطقة وهم حلفاء مساندين لهذا الدور الاميركي، يبقى العراق وبلدان اخرى مثل سوريا ولبنان واليمن – وهي دول تمارس فيها إيران نفوذ كبير، وهذا يرجح كفة الاطراف داخل الادارة الاميركية المؤيدين لمساندة العراق. وهذه نقطة محورية لابد من استثمارها لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والاستفادة من مساندتها على الصعد كافة.
فشل الولايات المتحدة في استصدار قرار في مجلس الامن الدولي بتجديد حظر توريد الاسلحة الى إيران مؤخرا، يجعل الادارة الاميركية مجبرة على القيام بذلك بنفسها عبر حلفائها في المنطقة واستثمار وجودها العسكري للتصدي المباشر للدور الايراني في دول العراق وسوريا، او عبر المزيد من العقوبات الاقتصادية التي تمنع النظام الايراني من توفير الاموال اللازمة لتوريد الاسلحة. وكل من الطريقين يصبان في تعزيز استراتيجية الضغوط القصوى التي تعتمدها ادارة الرئيس ترامب في مواجهة إيران. وهنا ينبغي على صانع القرار التنبه لهذه النقطة المهمة واستثمار المساندة الاميركية لصالح رؤية الحكومة واهدافها.
الولايات المتحدة على ابواب انتخابات، والادارة الاميركية برئاسة ترامب تبحث عن منجز على الارض يزيد من مؤيديها بعد تراجع حظوظها امام المرشح الديمقراطي جو بادين. ولكن اشكالية هذا المنجز ان الادارة الاميركية ليس بصدد التفكير بشن حرب ضد إيران او وكلائها الرئيسيين لان ذلك يجعلها في موقف غير ايجابي امام الرأي العام داخل الولايات المتحدة ومجلس النواب الاميركي كما حصل مع اغتيال قاسم سليماني والمهندس في بغداد بداية العام الجاري. وإيران تدرك ذلك، وبالتالي لا تفكر ايضا بالذهاب تجاه احداث ضرر مباشر بالمصالح الاميركية او الجنود الاميركان في المنطقة، لان الادارة الاميركية ستستثمر ذلك وترد بقوة وتظهر نفسها على انها ردت على عدوان على مصالح اميركية، الامر الذي لا يختلف بشأنه الجمهوريين ولا الديمقراطيين ولا حتى الرأي العام الاميركي، وبالتالي سيعزز من حظوظ الرئيس ترامب في الانتخابات. هذه الفرضية ينبغي ان تكون حاضرة لدى صانع القرار العراقي والحكومة العراقية خلال برنامجها في زيارة واشنطن. لذا لا مبرر من التأكيد ان العراق لن يكون منطلقا لشن اعتداءات على دول الجوار، بل ينبغي ان يتحول التأكيد الى اتجاه مغاير وهو ان العراق يسعى الى علاقات ايجابية مع جيرانه قائمة على اساس عدم التدخل، وسيستثمر علاقاته الاقليمية والدولية لتحقيق ذلك. وان العراق ينظر للولايات المتحدة كداعم اساس لحكومته على كافة الصعد، وانه يخطط لتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين.