مع الاحداث والمستجدات الاقليمية الجديدة في دول الازمات (سوريا، العراق، لبنان، اليمن) وما حصل فيها من تطورات عسكرية وامنية وما شهدته دول لبنان والعراق من حركة احتجاجات شعبية كبيرة وكان احد مطالبها الرئيسة تجنب التأثير الايراني السياسي والامني على البلدين والذي هو خارج الوجود والعلاقات الدبلوماسية الرسمية، فضلا عن ما شهدته إيران من متغيرات كبيرة ومؤثرة على امتداد العام 2019 تحديدا ومنها العقوبات الاقتصادية الاميركية الخانقة، كل ذلك جعل إيران تتجه نحو ايجاد شبكة علاقات وتحالفات اقليمية جديدة تنضم اليها الدول الاخرى في المنطقة، فضلا عن دول الازمات اتي تملك فيها تأثيرا ونفوذا سياسيا كبيرا وظهرت دعوات على لسان وير الخارجية الايرانية جواد ظريف دعوته الى حوار اقليمي ولاسيما مع السعودية فضلا عن دعوات للرئيس روحاني والدعوات الجديدة التي اطلقها المرشد الاعلى في إيران علي خامنائي في خطبته الاخيرة والتي كانت باللغة العربية بعد اكثر من ثمان سنوات من عدم استخدامه للغة العربية. وتتلخص الفكرة الاساسية لهذا التوجه الاقليمي الطموح الجديد هو ايجاد نوع من التواصل والعلاقات الاقتصادية التي قد تخفف عنها قيود العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة منذ عام 2009.
بعد التصعيد الذي تبع اسقاط الطائرة المسيرة الاميركية في غرب الخليج العربي من قبل إيران في حزيران 2016 ، حاولت إيران ان توجه خطابها الى المنطقة بضرورة التلاقي والحوار وهذا ما دعا اليه وزير خارجيتها جواد ظريف حول امكانية قيام حوار ايراني سعودي وما طرحه رئيس الجمهورية حسن روحاني بما اسماه (مبادرة هرمز)، والتي تدور حول الفكرة التي طرحها الكاتب في اعلاه في ما اسماه تعددية اقليمية والتي تشير الى وجود شراكة اقليمية سياسية – امنية واقتصادية، وهو ما اكده المرشد الاعلى علي خامنائي في خطبته الاخيرة باللغة العربية لاحتواء ازمات المنطقة وحلحلتها.
عوائق تحقيق هذا الهدف الايراني هو ان إيران لم تتعامل مع دول الازمات في المنطقة (العراق واليمن وسوريا ولبنان) بوصفها دول قائمة كشركاء، بل تعاملت معها كتوابع لها. كما ان هناك اشكالية في قنوات تعامل إيران مع هذه الدول وذلك عبر وكلائها والفواعل غير الحكوميين الذي يتبعون إيران كمرجعية دينية وسياسية. وهذا ما أفقد إيران الثقة بها من قبل شعوب تلك الدول بما فيها المكونات التي تتبع المذهب الشيعي كما في لبنان والعراق. وهذا أرسل رسال بالغة الهديد والخوف لدى الطوائف الاخرى والاديان الاخرى في المنطقة.
العائق الاخر لتحقيق هذا الهدف الايراني، هو ان إيران ترى ان الامن الاقليمي هو جزء من امنها القومي، ولذلك تتجه بهذا الاتجاه . كما انها تهدف في الاجل القصير الى تلافي الخسائر الكبيرة التي تمنى بها يوميا نتيجة العقوبات الاقتصادية وتعمل على جعل دول المنطقة اسواق لصادراتها تحت يافطة التكامل الاقتصادي الاقليمي.
ان ردم هذه الهوة بين دول وشعوب المنطقة بما فيها دول الازمات من جهة ، وإيران من جهة اخرى ، ليس بالأمر اليسير بعد سنوات من ارسال إيران تهديداتها واتهاماتها المباشرة ومن اعلى المسؤولين في إيران لدول المنطقة وشعوبها بتبعيتها للولايات المتحدة واسرائيل. لذلك تحتاج إيران ان تتخلى عن نهجها الحالي وتتعامل مع دول المنطقة كشركاء. كما عليها ان تعتقد بأن دول المنطقة دول تأسست وفق نظام الدول الحديثة ولها انظمتها السياسية وفلسفتها السياسية الخاصة بأدارة شؤونها الداخلية وان تعدد طوائفها الدينية ومكوناتها العرقية والاثنية هو شأن داخلي، كما هو الحال في إيران ذاتها اذ تتكون من مجموعة من المكونات العرقية والطوائف الدينية، وبالتالي استمرار إيران وصانع القرار السياسي والعسكري بنهجها الذي يقوم على التدخل في شؤون الدول الاخرى والتواصل مع جهات غير حكومية بذريعة نصرة المسلمين في العالم هو مبعث تخوف لدى انظمة وشعوب المنطقة، وترى تلك الشعوب والانظمة ان إيران بنهجها الحالي في توظيف الدين والطائفية في تحقيق اهدافها السياسية كنوع من القوة الناعمة التي تستثمرها بالتوازي مع انشطة ثقافية اخرى، وان مصاديق هذا الشعور والتخوف تحققت واقعا بفعل تدخلاتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتأكد ذلك التخوف عندما حذر المرشد الاعلى من التفاوض مع الولايات المتحدة على ما اسماه اوراق إيران في المنطقة وهي دول العراق وسوريا واليمن ولبنان.