تلجأ الدول عندما تعصف بها الازمات وتكون خارج الامكانيات المتاحة او المتوفرة الى حشد الجماهير للمساعدة في كبح جماح ذلك الخطر سواء كان لصد عدو خارجي ام عند التعرض للزلازل او الكوارث الطبيعية الاخرى، وفي بعض الاحيان الامر يتطور الى تكوين قوة رديفة شعبية ساندة للدولة.
وفي حالة العراق فقد كانت الدولة على وشك الانهيار عام 2014 وزج العراق في حالة اللا عودة او الفوضى العارمة عندما سقطت مدن عدة بيد تنظيم داعش وصولاً الى تخوم العاصمة بغداد وسط انهيار شبه تام لأغلب القوات الامنية، مما تطلب الحال الاستعانة بالجهد الشعبي المدعوم بفتوى المرجعية الداعية الى التطوع في صفوف الجيش للدفاع عن العراق وهو ما لاقى استجابة كبيرة ، فكان الخيار في استيعاب تلك الجموع عبر الفصائل المسلحة سواء تلك التي لها ارتباط بالأحزاب ام التي كانت تقاتل القوات الامريكية وغيرها، وصار يتحتم على الحكومة احتواء تلك الفصائل وجمعها من خلال ما سمي بهيئة الحشد الشعبي التي اصبح لها قانونها الخاص وتم ربطها بالقائد العام للقوات المسلحة .
الدور والوظيفة
وبعد المعارك التي خاضتها قوات الحشد الشعبي والقوات الامنية الاخرى وما بذل من تضحيات كبيرة ادت الى تحقيق الانتصارات وصولاً الى تحرير كافة اراضي العراق، أصبح لقيادات الحشد الشعبي نفوذ ومكان سياسي لا يستهان به لاسيما قائمة الفتح التي لديها قرابة الخمسين مقعداً في البرلمان العراقي. ان نهاية المعارك مع داعش اوجدت الحاجة الى ضرورة تنظيم عمل قوات الحشد الشعبي وابعاد الفصائل التي هي خارج الهيئة ولا تأتمر بأوامرها بعد ان وجدت الحكومة العراقية نفسها في حرج كبير يرتكز على السؤال المهم الاتي: هل الحكومة فعلا مسؤولة عن قيادة جميع القوى الامنية والعسكرية على الارض العراقية ام انها عاجزة عن القيام بذلك؟
حقيقة توجد داخل الهيئة فصائل غير المنضبطة لديها ارتباطات واجندات قد لا تتوافق مع مصالح العراق العليا يزداد خطرها في خضم تصاعد الصراع بين واشنطن وطهران واحتمال تحوله الى حرب شاملة مدمرة ممكن ان تزج العراق في دوامة جديدة من العنف هو في غنى عنها، لذلك لا خيار امام الحكومة سوى اقناع الفصائل اما بالانضمام او الدمج ومحاسبة من يدعون الانتماء الى هيئة الحشد الشعبي ويقد يمارسون اعمال او تصرفات لا تنسجم مع مصلحة الدولة ونفاذ ارادتها.
ابعاد قرار رئيس الوزراء والية دمج الحشد الشعبي
في ظل حكومة عادل عبد المهدي المدعومة من قائمة الفتح والاصلاح وفي ظل البرنامج المعلن لتنفيذ القرارات الحكومية بضرورة تسوية موضوع الحشد الشعبي، اصدر رئيس الوزراء امر ديواني يقضي بإعادة هيكلة الحشد الشعبي وضرورة ان يتبع لقرارات الحكومة وان تسري عليه الاحكام والقرارات اسوة بباقي صنوف الاجهزة الامنية، والتخلي عن المسميات التي كانت ترفعها الفصائل ابان مقاتلة تنظيم داعش، وانصهار الفصائل ضمن المسميات العسكرية أي فرقة ولواء وفوج وغيرها. والملاحظ أن اغلب تلك الفصائل قد اعلنت تفاعلها مع القرار وربما توقيته قد يصب في صالحها في الوقت الذي تتصاعد وتيرة الخلاف الامريكي الايراني واتجاه البوصلة الامريكية نحو قطع التمويل وفرض العقوبات على جميع المتعاونين مع طهران، وربما هذه الخطوة قد تجنب الحشد المشاكل اذا ما فعلا قبل قرار عبد المهدي واندمجت فصائله كليا في الاجهزة الامنية وتخلت عن الولاء لأحزابها وفك ارتباطها بالخارج، وبالتالي فأن هذه الخطوة اذا ما قرأها قادة الحشد بصورة صحيحة وبتجرد تام فهي تصب في صالحهم للحفاظ على ذلك التشكيل لاسيما مع وجود توجه حكومي جاد لاحتواء مقاتليه واعادة دمجهم.
ان اعلان بعض الفصائل التزامها التام بقرار الدمج مقابل اظهار البعض الاخر امتعاضاً من ذلك يقتضي اتخاذ موقف حازم اتجاه جميع المجاميع غير المنضبطة والتعامل معها كجماعات خارجة عن القانون للحفاظ على سمعة وهيبة الدولة وقدرتها على بسط سيادتها على اراضيها، ولكن هل تمتلك الحكومة العراقية فعلا هذه الامكانية في ظل المشاكل والتحديات التي تمر بها؟
تبدو الاجابة عن ذلك في غير صالح الحكومة، ومع ذلك من الضروري عدم الاستهانة بها، اذ انها تستطيع ان توظف كل مصادر القوة الداخلية والخارجية لتصب في مصلحة بناء العراق من جديد، واستعادة مؤسساته الرسمية لسيادتها الحقيقية وقدرتها على انفاذ قوانينها، الا ان ذلك يتطلب قيادة حازمة مدركة لدورها ، وحاجات شعبها.