في ظل تصاعد حدة التوتر ما بين الولايات المتحدة الامريكية وايران على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في اعقاب قرار الرئيس ترامب القاضي بذلك، وما رافق ذلك القرار التضييق على ايران اقتصادياً شمل فرض مزيد من العقوبات على تصدير النفط وقطاعات اخرى كالمعادن اضافة الى تحذير الدول والشركات من مغبة التعامل التجاري مع ايران لكونها قد تلاقي المصير ذاته ، وبعد اعلان طهران عن مدة الستين يوماً لبقية اطراف الاتفاق النووي لبيان موقفها واتخاذ ما يلزم لاسيما الدول الاوربية وبعكسه سوف تلجأ للانسحاب النهائي منه والشروع بإعادة تخصيب اليورانيوم وتطوير صواريخها البالستية ، هذه المواقف ما بين الطرفين تخللتها لغة تصعيدية اضافة الى تحشيد كل طرف لقواته لا سيما في المياه الاقليمية الخليجية والبحر المتوسط ومضيق هرمز مع استنفار خليجي عبر المصادقة على اعادة انتشار القوات الامريكية في دول الخليج في اعقاب استهداف ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الاماراتي اضافة الى هجوم الحوثيون على خط انابيب نقل النفط لشركة ارامكو السعودية وهو ما اعتبر جزء من الاستفزازات الايرانية او ورقة ضغط تستخدمها طهران كمحاذير حربية .
هذه التوترات والحرب الكلامية واستعراض القوة العسكرية هل تدخل ضمن الحرب النفسية ام انها فعلاً بوادر حرب تلوح في الافق؟
قبل الاجابة عن ذلك لا بد من معرفة ما نعنيه بالحرب النفسية، اذ انها تعني حرب الاعصاب والافكار كما وانها من الوسائل التي يعمل الخصوم عليها بهدف التأثير على المشاعر والآراء والسلوك بغية الوصول السريع للأهداف، وهذا الاسلوب كان قد استخدم بالحربين العالميتين عبر نشر الشائعات وبث الرعب في صفوف المدنيين و العسكريين ، وقد لجأ الامريكان لتطوير المفهوم واعتبروه (استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات دعائية بقصد التأثير في آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة تعمل علي تحقيق سياسة الدولة وأهدافها ، ومن امثلة او طرق تلك الحرب هي الدعاية الاستراتيجية و دعاية القتال و عملية نشر الاخبار المفبركة واللجوء الى عملية خداع العدو بطرق مفتعلة وتخطيط محكم وايضاً تعمل على الدعاية السرية ، ايضاً تكون الحرب النفسية قصيرة المدى وبعيدة المدى حسب الهدف المرسوم لكونها في النهاية تقوم لخدمة سياسة الدول المصدرة لها والقائمة عليها، ولا ريب في أن سياسة الدولة المصدرة للحرب النفسية هي التي تضع الإطار والضوابط لهذه الحرب .
وبالعودة للسؤال المطروح في اعلاه فأن الولايات المتحدة الامريكية تجيد استخدام الحرب النفسية لشل الخصوم وكسر المعنويات وهو ما حدث في اغلب حروبها ، وبالرغم من ان الرئيس ترامب يسعى الى خلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات لفرز النظام الدولي والإقليمي ومعرفة الأصدقاء والاعداء في ظل صعود نجم الصين من الناحية الاقتصادية وعودة روسيا للبحر المتوسط وتنامي النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن ولبنان ، لذلك تعمل الإدارة الامريكية على محاولة احتواء وإعادة انتشار في منطقة الشرق الأوسط من البوابة الإيرانية عبر سياسة الترهيب وكسر الإرادة للمحافظة على الأحادية القطبية ، وضمان امن حليفها الاستراتيجي المتمثل بإسرائيل ولعب دور الحامي لدول الخليج بهدف استمرار ديمومة النفط والحفاظ على الأسعار والبقاء في المنطقة .
خلاصة القول، أن الولايات المتحدة دائماً ما تختلق الحجج لضرب الخصوم وهذا ما تعمل عليه بالتعامل مع ايران ، وهي عازمة على احد امرين: اما جر ايران لطاولة تفاوض جديدة على وفق الشروط الامريكية وما على طهران سوى القبول ، او لا يستبعد القيام بضربة وقائية خاطفة دون المرور بحالة حرب لا يسعى الطرفان اليها نتيجة لعدة معطيات وعلى هذا المنوال تعول أمريكا قبل تنفيذ تلك الضربة لإحداث تغيير من الداخل الإيراني نظراً للتحديات الاقتصادية والاجتماعية للشعب الإيراني؛ لإبراز الضعف الايراني كجزء من الحرب النفسية التي تعمل عليها لإضعاف عزيمة الجيش الإيراني واحباط الروح المعنوية لديه وتشجيع الشعب على معاداة نظامه عبر نشر الاخبار والدعاية والاعلان بأن الشعب الإيراني هو شعب صديق وطموح وان هدف العقوبات هي محاسبة ومحاصرة النظام؛ لإجباره على تغيير سياساته وهذه السياسة هي اخطر من الحرب ذاتها، وبالتالي هل تتمكن طهران من عكس تلك الحرب النفسية بالصورة الإيجابية وطمأنة شعبها ام ان الولايات المتحدة واثقة من خطواتها بنجاح حربها النفسية قبل العسكرية؟
هذا ما ستثبته الأيام القليلة القادمة.