محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود هو نجل الملك سلمان بن عبد العزيز، من مواليد 31 أغسطس 1985م، ولي عهد السعودية، ونائب رئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن كونه وزير الدفاع، كما يرأس بن سلمان مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وكذلك مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي. اُختير بمنصب ولي العهد في يونيو 2017، بعد إقرار هيئة البيعة السعودية بإعفاء ابن عمه ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، الذي وضعه تحت الاقامة الجبرية.
محمد بن سلمان الذي يعول كثيراً على تغيير قواعد اللعبة السياسية وتقاليد التوريث السياسي في المملكة العربية السعودية من التوريث الافقي إلى التوريث العمودي؛ لخلافة والده في قيادة المملكة العربية، أظهر توجهات انفتاحية ومختلفة عن مما سبقوه في هذا المنصب، فقد شهدت البلاد خلال ولاية عهده السماح للمرأة في قيادة السيارة ودخول الملاعب الرياضية، وصاحب رؤية المملكة 2030، وقلل من سطوة رجال الدين المتشددين في البلاط الملكي، هذه التوجهات لاقت استحسان كبير من قبل الدول الغربية، لاسيما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، إذ زار الأخير المملكة العربية على هامش القمة الإسلامية – الأمريكية لمكافحة الإرهاب في أيار/ مايو من العام الماضي، في أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي إلى المنطقة. وعلى ما يبدو بأن ترامب لم يعقد صفقة الأسلحة والتعاون العسكري مع السعودية فقط، وإنما قايض بن سلمان على ما يريده الأخير ويسعى إليه في تطلعاته الداخلية والخارجية في مواجهة المد الإيراني واحكام سيطرته الداخلية على البيت السياسي السعودي.
هذه الزيارة رسمت الخطوط العريضة لمحمد بن سلمان وفق الاتفاقات الشخصية بينه وبين الرئيس ترامب؛ ولهذا اخذ الإعلام الأمريكي بتلميع صورته على الرأي العام (في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم) كونه من سيقود موجة التحديث في المملكة العربية السعودية، إلا أن حماس بين سلمان وتسرعه في كسب الرهان في البيت السياسي السعودي، وضعه إمام تحديات كبيرة. فالأمير بن سلمان منذ تسنمه منصب ولي العهد ارتكب أخطاءً سياسية، ربما تجاوز من خلالها الحدود المرسومة له وقفز في بعضها على الاتفاقات الشخصية بينه وبين ترامب، الذي يعد من أبرز الداعمين له. فمحمد بن سلمان قد تجاوز الحدود على جبهات عدة، فقد اطلق حملة كبيرة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهدّد بتطوير السعودية قنبلة نووية، فيما لو أنتجت إيران سلاحًا نووياً، وشن حرباً غير محسومة في اليمن، التي خلفت كارثة انسانية كبيرة (بدعم أمريكي) كمزود للأسلحة والدعم العسكري، وفجر الأزمة الخليجية مع قطر وحاصرها خليجياً وعربياً منذ العام الماضي، وأحتجر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأجبره على تقديم الاستقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية "قبل أن يتراجع الأخير عن استقالته بعد العودة إلى بلاده"، فضلاً عن ذلك، فقد أقدم بن سلمان على ارتكاب خطأ سياسي كبير من خلال العملية التي استهدف بها الصحفي المعارض لسياسته جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، الأمر الذي ربما سيفجر أزمة بين الرياض وأنقرة، لاسيما وأن الأخيرة تطالب بتحقيق دولي من خلال تدويل القضية ومحاكمة الجناة في اسطنبول وفقاً للقانون التركي، والكشف عن المسؤول الذي أعطى أمر قتل جمال خاشقجي، فضلاً عن ذلك فهناك رغبة أوروبية كبيرة في معرفة تفاصيل القضية، وربما ستلقي بضلالها على العلاقات السعودية – الأوروبية، لاسيما وأن أغلب دول أوروبا الغربية كفرنسا وألمانيا علقت زيارتها السياسية إلى السعودية، وأوفقت بيع الاسلحة إلى المملكة العربية السعودية؛ احتجاجاً على تصرفات ولي العهد سواء من خلال الحرب التي يخوضها في اليمن أو من خلال تصرفه الأخير وضلوعه في مقتل الصحفي خاشقجي. ربما هناك مماطلة من قبل الإدارة الأمريكية في التعامل مع حادثة مقتل الصحفي السعودي، إلا أن ترامب ربما يكون مضطراً في تقليم اظافر بن سلمان من خلال الضغوط الإعلامية والسياسية الداخلية والخارجية، لاسيما وأن الكونغرس الأمريكي مقبل على تغيير كبير بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب الأمريكي بعد الانتخابات النصفية الأمريكية؛ ولهذا ربما سيكون ترامب غير قادر على حماية محمد بن سلمان من العقوبات الأمريكية والدولية، لاسيما وأن أنقرة مصرة على كشف ملابسات حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي إلى العالم. وهذا من شأنه أن يضع بن سلمان في خانة حرجة (داخلياً ودولياً)، سواء فيما يتعلق بالحرب في اليمن أو في الصراع الإقليمي مع إيران ومحاصرته للدوحة، فضلاً عن ضلوعه في حادثة مقتل جمال خاشقجي.
محمد بن سلمان بالفعل فتح على نفسه عدة جبهات، فالحرب في اليمن التي ستدخل عامها الرابع لا يمكن لها أن تستمر وسط ما خلفته من كوراث إنسانية، وأن الدعم الأمريكي ربما سيقوض بعد التغيير الذي حصل في الكونغرس الأمريكي، فضلاً عن الازمة مع قطر والصراع الإقليمي مع إيران، كل هذا ربما يطيح بحياة بن سلمان سياسياً، لاسيما إذا ما دخلت تركيا والدول الأوروبية على خط المواجهة ضد توجهات بن سلمان السياسية. فهل يدرك بن سلمان حجمه السياسي والخطوط المرسومة له سياسياً أم سيغامر بمستقبله السياسي ومستقبل المملكة العربية السعودية داخلياً وخارجياً؟