مالم يحصل دستوريا ان خلال الجلسة الاولى لمجلس النواب المنعقدة يوم 3 ايلول الجاري يشير الى متضمنات سلبية عدة يمكن ان نؤطرها بعنوان عريض هو عدم الاكتراث بالدستور النافذ لعام 2005 وهو امر ليس بالجديد على القوى السياسية وعُرفها السياسي فقد مورس ذات الاخلال خلال الجلسات الاولى للمجلس عام 2010 وعام 2014.
هناك عدة عوامل تدعونا الى التأمل بالموضوع، ولماذا اخذت هذه الدورة البرلمانية وتشكيل الحكومة كل هذا الاهتمام والتمحيص؟ هل بسبب طبيعة نتائج الانتخابات التي افرزت قوائم سياسية تتقارب بعدد النواب؟ ام طبيعة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في وسط وجنوب العراق ولاسيما في محافظة البصرة المستمرة حاليا؟ ام الطبيعة الجديدة للتنافس على صراع الكتلة النيابية الاكثر عددا؟ ام بسبب التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد انسحاب الولايات المتحدة م الاتفاق النووي وأستئناف العقوبات الاميركية على إيران؟
كل هذه العوامل تؤثر ولكن بشكل متباين. ولكن من قراءة السلوك السياسي للقوى السياسية الفائزة في الانتخابات ومنها التي تمحورت بمحورين اساسيين (سائرون، النصر، وقوائم اخرى)، (الفتح، دولة القانون وقوائم اخرى)، ومديات التأثير السياسي- الامني لكل منهما يجعلنا نقول الاتي:
- ان الحكومة العراقية 2018 لن تختلف عن سابقاتها من حيث معايير التشكيل (الاستحقاقات الانتخابية، وحصص المكونات في الجهاز التنفيذي) بعد توفر الضاغط السياسي -الامني والضاغط الجماهيري، لذا لن تكون هناك معارضة كما تمنى الكثير من المتابعين والمهتمين.
- ان التنافس على تشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا لتشكيل الحكومة العراقية القادمة هي سقف اعلى لمطالب المحورين (سائرون + النصر) و (الفتح+ دولة القانون) يضمن لكليهما – على اقل تقدير -المشاركة في تشكيل الحكومة. وبعبارة اخرى ان كل من المحورين لديه اصرار على المشاركة - على الاقل - في تشكيل الحكومة القادمة اذا تنازل ما تنازل توافقيا على ان يكون الكتلة النيابية الاكثر عددا.
- ما جرى في البصرة اوصل رسالة لكلا المحورين متضمنة امكانية المحور الآخر في ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية الحادة - والذي ربما لم يحصل الى الان – ليثبت انه هو صاحب الكتلة النيابية الاكثر عددا وليكون لاحقا قطاره المعارض الذي سيسقط الحكومة التي ستتشكل بدونه.
- لذا فأن التوافق حول تشكيل الحكومة وتقاسم مراكزها بين محوري (سائرون + النصر) و (الفتح + دولة القانون) سيقودنا الى تشكيل الحكومة لاسيما بعد مآلات الاوضاع الاخيرة في البصرة وبالتالي سينقذ المحكمة الاتحادية من احراج تعيين الكتلة الاكثر عددا.
- الاشكالية التي سيواجهها تحالف سائرون هي في المشاركة في الحكومة والقبول بالمحاصصة والتنازل عن شروطه التي اعلنها زعيمه السيد مقتدى الصدر وسيعاني من الاحراج الكبير امام جماهيره وناخبيه، الامر الذي قد يقوده الى خسارة ناخبيه وجزء كبير من جماهيره في الانتخابات القادمة.
- لا يؤمن محور (الفتح - دولة القانون) بالمعارضة البرلمانية حتى ان برنامجه الانتخابي لا يشير الى ذلك صراحةً او ضمناً، ويؤمن بضرورة مشاركته في الحكومة القادمة وان يكون له دور في القرار السيادي العراقي. وهذا المحور يمتلك من التأثير السياسي والامني بما يفوق محور (سائرون – النصر (.
- السير نحو اعتماد الاليات والسياقات ذاتها التي اعتمدت في تشكيل الحكومات السابقة سيشكل عامل صدمة للجماهير وللمرعية الدينية وسيضع الاخيرة في موقف حرج للغاية ما يرتب عليها اتخاذ موقف ليس اقله تأييد التظاهرات والدعوة الى مساندتها جماهيريا. وهذا سيجعلها حكومة تعاني من ضغط الشارع، وربما تعتقد انها حكومة شرعية ومنتخبة وهذا سيدفعها ربما الى التصدي للجماهير المعترضة بالقوة.
- الاجراءات الحكومية الحالية الضعيفة والفاقدة للهدف ربما يفرط عقد التحالفات في المحورين لاسيما مع محور (سائرون – النصر والقوائم الاخرى) الذي يسعى من خلاله رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الوصول من خلاله الى رئاسة الحكومة القادمة مستفيدا من الدعم الاميركي.
- اذا ما تشكلت حكومة عبر محور (الفتح – دولة القانون) فأنها حكومة كسابقاتها، واصبح محور (سائرون – النصر) خارج التشكيلة الحكومية القادمة – وهذا امر مستبعد -وبقي في اطار المعارضة البرلمانية السياسية او تبنى المعارضة تحالف سائرون فقط، فلن تكون الحكومة القادمة بمنأى عن الضغط الجماهيري الذي سيعيد للواجهة تظاهرات التيار الصدري والتيار المدني.
وهذه الاشكاليات هي متضمنات لمأزق الحكومة العراقية القادمة التي ستبقى حبيسة التوافقات السياسية والحزبية – الطائفية.