التوافقات المصلحية تُعيد العراق الى حكومة المحاصصة

لم تكن الكثير من التحليلات حول الانتخابات التشريعية التي اجريت يوم 12 آيار الماضي من حيث طبيعة التحالفات الانتخابية والوعود الانتخابية – مع ان اغلبها سطحية ومجتزأة – وما كان معول عليها في تغيير هيكلية "العملية السياسية" وآليات عملها، صائبة مع ان تلك التحليلات استندت على مؤشرات واقعية. والسبب في ذلك هو ان السلوك السياسي للقوى المتصدرة في الانتخابات -والذي كان يفترض ان يهدف الى ما نادت وما وعدت به تلك القوى ناخبيها من تغيير سياسي ينتشل البلاد من مستنقع الازمات – تحول من التوافقات السياسية الى التوافقات المصلحية. والاخيرة لاتعني ان تلك القوى تنتهج سلوكاً ومفاوضات تهدف من خلالها الى تحقيق برنامجها الانتخابي وتحويله الى برنامج سياسي يترجم فيما بعد الى برنامج حكومي بعد ان يكون أكثر شمولية ومباشرة، بل تعني ان تلك القوى تخلت عن رؤيتها الانتخابية ووعودها لناخبيها وجماهيرها وذهبت بالاتجاه الذي يضمن ان تحقق التوفقات مصالحها الحزبية في السلطتين التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية وما تسمى بالهيئات المستقلة. 

القراءة اعلاه مختصرة وواقعية، لما حصل من تحركات للقوائم والتحالفات الفائزة في الانتخابات خلال الايام الاخيرة والتي افرزت نتائج شكلت مفاجأة وصدمة لبعض الشركاء داخل تلك القوائم والتحالفات وللناخبين وللمتابعين على حد سواء، وبدأ البعض يعدها نوع من خداع الناخبين. 

على سبيل المثال، وكقاسم مشترك، تضمنت الوعود الانتخابية لكل القوى السياسية الابتعاد عن المحاصصة الطائفية والسياسية كآلية لادارة الدولة، عدا القوى الكردية التي كانت أكثر صراحة وصدقا حينما وعدت جماهيرها بانها تهدف لتحقيق المصالح القومية لشعب كردستان عبر الحضور بقوة في بغداد! ولكن واقع حال التفاهمات الاخيرة تشير الى عكس ما تم المناداة به قبل الانتخابات وحتى بعد الانتخابات لأيام. فالقوى الشيعية اعادت تجميع نفسها على اساس طائفي، والقوى السنية تتجه لاعلان تحالفها في كتلة برلمانية واحدة خلال الأيام المقبلة للتفاوض مع الكتلة الشيعية الأكبر بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. وبذلك تأطرت سلوكيات تلك القوى الشيعية والسنية بأطار طائفي.

نعم العامل الاقليمي وضغطه باتجاه لملمة شتات الشيعة بجبهة موحدة والسنة بجبهة اخرى في تحالفات طائفية كما حصل في الدورات الانتخابية السابقة، له الدور الرئيس في ذلك، الا اننا نرى ان أي من القوائم والتحالفات المتصدرة في الانتخابات شيعية وسنية صاحبة المقاعد الاكثر وبالتالي التأثير السياسي الاكبر – ان كانت فعلا صادقة مع جماهيرها في انقاذ البلد مما عليه عبر تنفيذ رؤيتها على الواقع – امام خيارين:

الاول: العمل والاصرار على تنفيذ وعودها الانتخابية في إطار تواصلها وتفاوضها مع القوى الاخرى حول تشكيل الحكومة وفقا لرؤيتها ووعدها الانتخابي، لتبقي على ثقة ناخبيها وجماهيرها بها، او

الثاني: إذا لم تتمكن من الخيار الاول والمساهمة في تشكيل حكومة وفقا لوعودها الاتخابية، عليها ان تسلك طريق المعارضة السياسية داخل البرلمان والعمل على تصويب الاداء الحكومي. وهذا الامر -على الاقل – يجعلها محتفظة بقاعدتها الجماهيرية وصادقه مع ناخبيها. وهذا الخيار خيار وطني ولايتوافر على مساحة يمكن للفاعل الاقليمي ان يؤثر بها. 

لذلك لايمكن لنا ان نبرر سلوك القوائم والتحالفات الانتخابية الكبيرة الشيعية او السنية في تكتلاتها الطائفية وأنها كانت بفعل التأثير الخارجي، فالخيار الثاني هو الاكثر موثوقية والاكثر تواصلا مع الجماهير، فضلا عن انه الاكثر تأثيرا في تصويب الاداء الحكومي حتى أكثر من الحكومة نفسها. وبالتالي يُصار الى وضع اهم اساس من أسس النظام الديمقراطي بشكله النيابي او البرلماني. 

بغير ذلك، فان تلك القوى والتحالفات الانتخابية ذاهبة باتجاه المحاصصة الطائفية والحزبية، الامر الذي يدلل على انها مكبلة بقيودها ولايمكنها التحرر منها، وبالتالي هي تسير نحو فقدان ناخبيها بسبب الخداع والمراوغة. 

وليس بجديد او غريب على الفواعل الاقليميين الذين لايريدون للحكومة الجديدة ان تكسر قيود المحاصصة لتبقى ضعيفة وتحقق مصالحهم، فهم يعمل ويتدخل بما يحقق اهدافه، ولكن لابد من المواجهة بحزم وبارادة وطنية تجسد ثقة الجماهير التي تنتظر بناء الدولة وتجاوز مخلفات الحرب على الارهاب والمؤسسات توفير الخدمات. ونرى ضرورة استغلال المرحلة الحالية للمواجهة الاطراف الاقليمية ممكنة، لاسيما وان التفاعلات الاقليمية والدولية تضغط بقوة على تلك الاطراف، فضلا عن مشاكلهم الداخلية. لذا إذا كانت المواجهة اليوم ممكنة، فقد تكون على غير ذلك في السنوات القادمة. 

التعليقات
تغيير الرمز