سينطلق العراقيون يوم 12 من الشهر المقبل نحو صناديق الاقتراع من أجل اختيار ممثليهم في البرلمان العراقي القادم وتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وسط زخم الدعاية الانتخابية بين القوى والاحزاب والتيارات السياسية العراقية، بموازاة ذلك، هناك مخاوف كبيرة تقلق البيئة العراقية الداخلية والإقليمية والدولية من نتائج الانتخابات. فالعراقيون يأملون بنتائج إيجابية تلبي طموحهم السياسي والاقتصادي، لاسيما بعد تعثر الحكومات السابقة وفشلها سياسياً في تلبية طموح الناخب العراقي وتحسين واقعه المعاشي، فضلاً عن ذلك، فأن البيئة الإقليمية والدولية تترقب ايضاً نتائج الانتخابات العراقية ليس من أجل افراز حكومة أو برلمان عراقي قوي وإنما من أجل ضمان مصالحها وترسيخ وجودها خلال الأربع سنوات المقبلة. وسط كل هذه المخاوف والتنبؤات يبقى الناخب العراقي اللاعب رقم واحد في العملية الانتخابية، فهل يدرك الناخب العراقي ذلك أم سيكرر المشاهد الانتخابية السابقة؟
تعد الانتخابات العراقية المقبلة نقطة فاصلة في تاريخ العراق، لاسيما وأن هذه الانتخابات لا تعكس إرادة الشارع العراقي الداخلي فقط، فهناك إرادات إقليمية ودولية تحاول التأثير في نتائجها، فضلاً عن ذلك، فأن هذه الانتخابات هي الأولى بعد دخول تنظيم داعش للبلد وسيطرته على ثلث مساحته الجغرافية، إذ شهدت الدولة العراقية رحلة طويلة وشاقة بعد أخر انتخابات في نيسان/ أبريل من العام 2014. فبعد دخول التنظيم وانخفاض اسعار النفط إلى أدنى مستوياتها والشلل الذي اصاب الدولة العراقية في جميع مفاصلها، ناهيك عن أزمة النزوح والفساد والاضرار التي لحقت بالبنية التحتية المتهالكة جراء عمليات التحرير، فضلاً عن الأزمات الانسانية وعدد الشهداء والمصابين الذي خلفه تنظيم داعش وأزمة الاستفتاء الكردي والعلاقة بين المركز والإقليم. وسط هذه الصدمات التي تعرض لها البلد خلال الأربع سنوات الماضية يخشى الجميع من أن تعاد نفس الوجوه ونفس الاحزاب إلى سدة الحكم على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الإقليمي فهناك ترقب كبير على نتائج الانتخابات بأن تفرز قوى سياسية وطنية تنأى في البلد عن الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، أما دولياً، فهناك توجس أمريكي أوروبي بأن تفرز الانتخابات القادمة حكومة عراقية قادرة على قيادة البلد بسياسة رشيد تبعد بغداد عن التأثير الإيراني وتحافظ على علاقاتها مع واشنطن والعواصم الغربية بشكل جيد وتكون صمام أمان في ضمان مصالح الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، غير ذلك سيكون البديل سيء وغير ناجح في الرؤية الأمريكية إلى بغداد، وربما سيكون البديل الناجح لواشنطن عن بغداد هي أربيل (في حال لم تلبي الحكومة العراقية المقبلة الطموح الأمريكي) وقد تكون ورقة الاستفتاء الكردي ربما الورقة الأخير التي ستلوح بها الإدارة الأمريكية ضد بغداد، ففي حال أكدت الانتخابات القادمة سطوة طهران على بغداد من جديد، فهناك خيارات عدة إمام الولايات المتحدة في ردع بغداد، وربما نشهد سيناريو صعود تنظيم إرهابي آخر، لاسيما مع تصاعد احداث الأزمة السورية وتغيب الحل السياسي السلمي بين الاطراف المتصارعة.
وسط هذه الضبابية التي تزين المشهدين السياسي والانتخابي القادمين في العراق، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار الذي تعانيها المنطقة بشكل عام، يبقى إدراك الناخب العراقي المعيار الاساس في العملية الانتخابية، بالرغم من ضعف الوعي السياسي والانتخابي لأغلب طبقات الشعب العراقي، إلا أن المرجعية الدينية في النجف الأشرف ما زالت تُصر وتؤكد على إزاحة جميع الفاسدين من الذين فشلوا في إدارة الحكم والذين تواجدوا في مسرح العملية السياسية العراقية بعد العام 2003 على صعيد السلطتين التشريعية والتنفيذية أو في غيرها من المواقع الحساسة. هذه الدعوات تأتي في ظل أهمية الانتخابات كمرحلة تاريخية في تاريخ العراق ونتيجة الفشل السياسي العام في إدارة البلد. ولهذا فأن إدراك الناخب العراقي لمسؤوليته التاريخية في تغيير مسار إدارة البلد عن طريق الانتخابات القادمة ستكون نقطة مهمة ومفصلية في وجود عراق قوي (أمن ومستقر)؛ لأن الانتخابات القادمة إما أن تعيد الوجوه والقوى والاحزاب السياسية الفاسدة بالضد من دعوات المرجعية الدينية والرغبة الشعبية وإما أن تقلب الطاولة ضد الوجوه والقوى السياسية الفاشلة والفاسدة الذي لم تجلب سوى الخراب والدمار والتفكك الاجتماعي للبلد؛ لتُخرج لنا برلمان عراقي قوي بعيداً عن سلطة ودكتاتورية رئيس الكتلة أو القائمة وحكومة عراقية قوية قادرة على ترجيح مصلحة البلد ضد المصالح الإقليمية والدولية وأن تسعى إلى سياسة النأي بالنفس بعيداً عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية. ولهذا فأن خطورة الانتخابات القادمة تتطلب ان يدرك الناخب العراقي ثمن صوته وخطورته في تغيير موازين العملية الانتخابية ولا يبقى مجرد دمية بيد القوى والاحزاب السياسية الحالية؟