منذ أن تسنم السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي مهامه في إدارة السلطة خلفاً لسلفه السيد المالكي وحتى قبيل إعلان التحالفات الانتخابية بين القوى السياسية العراقية، لم يتعرض الأول للنقد كما تعرض له على خلفية إعلان تحالفه الانتخابي الذي فاجئ اغلب طبقات الشعب العراقي. إذ تعرض السيد العبادي للنقد بشكل واضح وصريح، ولا يزال في دائرة النقد السياسي من قبل مختلف شرائح المجتمع العراقي. وعلى الرغم من أن اقوى فصائل الحشد الشعبي المنضوية تحت تحالف "الفتح المبين" انسحبت من تحالف النصر الذي يقوده السيد العبادي بعد أيام قليلة من اعلانه، إلا أن هذا التحالف اعطى انطباعات ثابتة، ربما غيرت أو ستغير من قناعات الناخب العراقي "الناخب المتأرجح" أي أولئك الناخبين الذي يتحكمون بمزاجهم الانتخابي بعيداً عن التحزب والتخندق الطائفي والقومي.
السيد العبادي الذي أنهى عامه الثالث من ولايته الرئاسية متسلحاً بالانتصار على "داعش" بعد الانتصار الكامل على التنظيم الإرهابي، وتمكنه من دفع عجلة الدولة العراقية بالرغم من المعوقات السياسية والأزمة الاقتصادية التي عاشها العراق والمنطقة بشكل عام نتيجة انخفاض اسعار النفط العالمية، ونجاحه السياسي في إعادة ثقة مكونات الشعب العراقي للحكومة المركزية وافشاله لمخطط تقسيم العراق، فضلاً عن نجاحه الدبلوماسي في إعادة العراق إلى محيطة العربي والإقليمي، واستعادته لجزء من بريقه السياسي المفقود في المنطقة وكسبه للثقة الدولية، لاسيما بين الدول الفاعلة عالمياً، إلا أن كل المنجزات التي حققها السيد العبادي، ربما تصبح في مهب الريح أن لم يتمكن من قراءة المشهد السياسي القادم واقناع مؤيديه داخليا وخارجياً بخطوات تصحيحية تعيده إلى الواجهة السياسية، لاسيما على صعيد التحالفات السياسية التي سيخوض من خلالها الانتخابات القادمة أو تحالفات ما بعد الانتخابات. إن التفكك السريع الذي تعرض له تحالف النصر مع أمين عام منظمة بدر السيد هادي العامري واختلافه مع كتلة صادقون وبعض القوى السياسية المتحالفه معه ربما ستمكنه من إعادة حساباته الانتخابية وتعطيه مساحة أكبر للتفاوض مع باقي القوى السياسية العراقية التي فشل في اقناعها من اجل ضمها إلى تحالفه الانتخابي، وربما سيكون التيار الصدري أو تحالف الاستقامة بشكل عام أبرز القوى السياسية التي سّيعول عليها السيد العبادي لمرحلة ما بعد الانتخابات. فالسيد العبادي فوّت على نفسه فرصة كبير بعدما اعلن عن تحالفه مع تحالف الفتح المبين لخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة، وعلى الرغم من أن فصائل الحشد مجتمعة ستكون لها حظوظ انتخابية كبيرة في الانتخابات القادمة، إلا أنها لا يمكن أن تعطي السيد العبادي ما يعطيه التيار الصدري؛ وذلك لأن الأخير سيعطيه ما يقارب الـ (40) مقعد في البرلمان العراقي، فضلاً عن ذلك، فأن التيار الصدري سيعطيه أريحية في عملية تشكيل الحكومة (في حال كُلف بولاية انتخابية ثانية)؛ وذلك لأن التيار الصدري لا يهدف إلى المشاركة في الحكم أو المشاركة في القرار السياسي السيادي بقدر ما يهدف إلى اسناد مهامه إلى أمور خدمية بعيدة عن عملية المشاركة في إدارة السلطة، كذلك مثل هذا التحالف سيبعد السيد العبادي عن الضغط الإقليمي، وسيعطيه أيضاً مساحة تفاوضية أكبر في عملية التفاوض مع مختلف القوى السياسية العراقية ويدعم موقفه على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يرى بعض المختصين بان السيد العبادي كانت إمامه فرصة كبيرة في الإعلان عن تحالف انتخابي عابر للمذهبية والقومية بشكل حقيقي في حال نجح في التحالف مع بعض القوى السياسية الشيعية كالتيار الصدري وتيار الحكمة والمجلس الأعلى وبعض الاسماء والقوائم السنية في محافظ نينوى والانبار، فضلاً عن ذلك، ربما كان باستطاعته أيضاً اقناع اعضاء حزب التغيير الكردستاني وبعض الاسماء الكردية مثل السيد برهم صالح وغيره من الاسماء التي تخالف توجهات السيد مسعود البارزاني في التحالف معه.
إن تحالف السيد العبادي مع قوى "الفتح المبين" على الرغم من تفككه وانسحاب بعض القوى السياسية منه فيما بعد، ربما تكون عملية مدروسة مسبقاً من قبل تلك القوى التي دخلت في تحالف معه وتركت ائتلاف السيد المالكي، وقد يراد من خلالها تحقيق هدفين:
الأول: من اجل تغيير بعض قناعات الناخب العراقي بعيداً عن التحزب السياسي والتخندق المذهبي. وهذا الهدف يحمل في طياته رسائل واضحة إلى شرائح معينة من المجتمع العراقي.
ثانيا: ارباك العبادي وابعاده عن التحالف مع بعض القوى السياسية العراقية التي كان من الممكن أن تشكل له قاعدة سياسية ثابته بعيداً عن الاصطفافات المذهبية والقومية.
لكن مع ذلك، هناك متسع من الوقت أمام السيد العبادي إذا ما اراد أن يقنع ناخبيه ومؤيديه سواء قبيل الانتخابات أو بعدها، وباستطاعته أن يتحاور مع شركاءه الذين يشاطرونه الرأي قبل وبعد الانتخابات المزمع اجراءها في أيار/ مايو المقبل. وهذا ما سيعمل عليه السيد العبادي في الفترة المقبلة، لاسيما وأن هناك مصادر تؤكد على أن الأخير أجرى اتصالات مكثفة خلال اليومين الماضيين مع كتلة السيد اياد علاوي والتيار الصدري من أجل تضمين مشروع مشترك لمرحلة ما بعد الانتخابات وتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان من اجل تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. فهل سينج السيد العبادي في مسعاه أم سيكون هناك تعثر آخر يقضي على مشروعه السياسي؟