وفقا لمعظم الدراسات والتقارير الدولية الحديثة فان استدامة الانتعاش الاقتصادي والمالي في العراق سيعتمد على فاعلية جهود بناء السلام واعادة الاعمار في المناطق المحررة لتامين الانتقال السلس من اقتصاد الحرب الى اقتصاد السوق دون التعويل مجدداً على تعافي اسعار النفط في تمويل الموازنة والتنمية والاقتصاد. فقد افصحت تجربة العقد الماضي عن ضعف نموذج التنمية القائم على القطاع العام كرافد رئيس للقطاعات الاقتصادية ومولد وحيد لفرص العمل ومركز اساس لتوزيع الريع النفطي على بعض فئات الشعب. يضاف لذلك تسبب النظام السياسي المشوه والفساد المالي والاداري المستشري في مختلف الحلقات الادارية والحرب على داعش، في هدر مئات المليارات من الدولارات، كانت كافية لإعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية وتوفير عيش كريم لمختلف طبقات المجتمع العراقي. ويمكن ان يكون تزامن تسلل عصابات داعش الى العراق وانهيار اسعار النفط، الى دون الثلث، صدمة مزدوجة ضرورية لإعادة انتاج العملية السياسية في البلد بما يضمن ارساء دولة القانون والمؤسسات، خصوصا بعد التطورات الاخيرة التي شهدها اقليم كردستان واخفاق عملية الاستفتاء في تقسيم البلد، والدعم الاقليمي والدولي لجهود العراق في مكافحة الارهاب واعادة البناء والاعمار.
عملية الاستقرار والسلام في العراق
تحاول العديد من الدول، وعبر المنظمات الدولية، دعم عملية الاستقرار والسلام في العراق وتامين الانتقال السلس للاقتصاد الوطني صوب الاستقرار واستئناف عملية التنمية الاقتصادية، نظرا لأهمية العراق النفطية والاستراتيجية بالنسبة للاقتصاد العالمي. وقد وافق البنك الدولي نهاية تشرين الاول اكتوبر الماضي على منح العراق حزمة مساعدات مالية جديدة بقيمة (400 مليون دولار) لمساندة جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار وتأهيل مرافق البنية التحتية ذات الأولوية من أجل استعادة تقديم الخدمات العامة في المناطق العراقية المحررة حديثاً من قبضة تنظيم داعش. وتُمثِّل هذه الحزمة تمويلاً إضافياً لمشروع العملية الطارئة للتنمية في العراق بقيمة (350 مليون دولار)، والذي تمت الموافقة عليه في تموز يوليو عام 2015 ويجري تنفيذه في عدد من المدن العراقية. ويتيح مشروع العملية الطارئة للتنمية فرصاً للتعاون مع شركاء التنمية الذين سيقومون بدور تكميلي لتحقيق أهداف عملية التمويل الإضافي. وفضلا عن وكالات الأمم المتحدة، يضم هؤلاء الشركاء عدة حكومات تعهَّدت بتقديم مساهمات مالية، منها حكومتا ألمانيا والكويت، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي.
ويبدو ان البنك الدولي ملتزم بالعمل مع الحكومة العراقية لتحقَّيق هدف البناء والإعمار الذي تشتد الحاجة إليه على نحو يتسم بالاستدامة والشمول وإنصاف من أجل النهوض بالتنمية على المدى الطويل وتحقيق تكافؤ الفرص للجميع. اذ تُغطِّي أنشطة المشروع الحالي للبنك الدولي خمسة قطاعات رئيسية هي المياه والصرف الصحي، والكهرباء، والصحة، والنقل، والخدمات البلدية. وسيستمر التمويل الإضافي في مساندة هذه القطاعات، وكذلك في تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية في المناطق المُحرَّرة في مجالات التعليم والزراعة والري، وتقديم الخدمات الحضرية. وسيُساند المشروع أيضاً بحفظ وترميم الموروثات الثقافية المهمة لاسيما في مدينة الموصل القديمة. والاهم من ذلك، يُساند التمويل الإضافي للحكومة العراقية في جذب القطاع الخاص للمشاركة في جهود إعادة البناء والإعمار. ولهذه الغاية، سيجري إعداد دراسات لتقييم جدوى الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات إعادة الإعمار والتشغيل والصيانة لمطار الموصل الذي لحقت به أضرار شديدة أثناء تحرير الموصل. وستشمل جهود مماثلة أيضاً إصلاح محطات النقل العام التي تخدم حركة النقل بين المدن، وإعادة إعمار أجزاء رئيسية من شبكة السكك الحديدية.
ولتعزيز نهج العمل الشامل في جهود إعادة الإعمار، سيعزز مشروع التمويل الإضافي تركيزه على آليات مشاركة المواطنين. وتُشجِّع هذه الآليات على المشاركة المجتمعية، وتعزيز الإحساس بالمسؤولية من جانب المستفيدين والمجتمعات المحلية فيما يتعلق بالمشاريع الفرعية. كما سيُرسي إطاراً لرصد عملية إعادة الإعمار يتسم بالشفافية والمساءلة، من شأنه أن يُساعد على تحسين توافر معلومات شاملة في الوقت المناسب بحيث يساعد الجمهور على المساهمة في الجهود المبذولة على المستوى الوطني من أجل إعادة البناء والإعمار والتنمية الاقتصادية. وتتسق عملية التمويل الإضافي مع أولويات عمل مجموعة البنك الدولي في العراق ومع خطة الحكومة لاستغلال تحرير المناطق المحررة وبطء تعافي أسعار النفط لاستعادة الثقة لدى المواطنين، وذلك من خلال تنفيذ إصلاحات حيوية في مجالات الاقتصاد والسياسة ونظم الإدارة الرشيدة والحوكمة، وتوفير الخدمات الأساسية بكفاءة وعدالة، والحرص على بذل جهود تتسم بالشمول والاستدامة للتعافي الاقتصادي والنمو وإعادة الإعمار والتطوير.
جهود الاعمار والدبلوماسية العراقية
لا تزال اسعار النفط بعيدة عن المعدلات التي تطبعت عليها الموازنات العامة في العراق، وغالبا ما يتم التضحية بالنفقات الاستثمارية، نظرا لجمود الايرادات الجارية، عند تقليص وخفض الانفاق الحكومي، خصوصا مع اخفاق الحكومة في حث الايرادات غير النفطية صوب تعويض عائدات النفط المفقودة، مما يشكل خطرا على جهود التنمية والاعمار وتطوير البنية التحتية. وللحفاظ على مستويات البناء الاعمار والاستثمار في البنية التحتية، يتطلب الوضع المالي الراهن جهودا استثنائية للدبلوماسية العراقية في تحفيز المجتمع الدولي على تنفيذ التزاماته بمساندة الجهود الملحة التي تقودها الحكومة لإعادة إعمار الموصل والمدن الأخرى التي تحرَّرت في الآونة الأخيرة. فضلا على اعادة النظر في سلوك السفارات العراقية بالخارج وتفعيل الملف الاقتصادي والتجاري، فضلا على رسم استراتيجية وطنية لحث وتحفيز الاستثمار في مختلف دول العالم على ولوج الاسواق العراقية والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتعددة في البلد.