للضمان الاجتماعي دور مهم وكبير في سير الحياة البشرية بسهولة دون القلق والتخوف من مما سيحصل في مستقبل الفرد، فعندما يشعر الفرد بأن مستقبله مكفول، باستثناء الحقيقة التي لا يمكن الفرار منها وهي الموت، فإنه سيشعر بالارتياح والاطمئنان النفسي، وعند تحقق هذا الأخير سيبدع الإنسان في عمله، لأنه لا يمكن أن يجلس مكتوف الأيدي من دون عمل في الوقت الحاضر على اعتبار أن لديه ضمان اجتماعي!
لا بل يبحث عن العمل حتى يستطيع توفير قوت يومه ومن ثم ترفيع مستواه الاجتماعي والاقتصادي في الوقت الذي يستطيع العمل فيه، ليس هذا فحسب بل دائماً ما يبحث الإنسان عن التطور والتقدم، وما يؤكد هذا الكلام قول الإمام الصادق عليه السلام قال (من استوى يوماه فهو مغبون. ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط. ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون. ومن لم يرى الزيادة في نفسه فهو إلى نقصان ومن كان إلى نقصان فالموت خير له من الحياة).
فالضمان لا يساعد الإنسان على الخمول وتشجيعه على التقاعس عن العمل بل يكون بمثابة المسعف له عند حدوث طارئ معين له يقعده عن عمله سواء لمدة قصيرة أو متوسطة أو طويلة، فيكون الضمان بمثابة العون والكفيل بتوفير ما يحتاجه من موارد مالية تقف إلى جانبه، حتى يستطيع الرجوع إلى عمله، وإذا بلغ مرحلة الشيخوخة، سيحضر الضمان ليحافظ على كرامة الإنسان.
الفرق بين الضمان الاجتماعي والتكافل الاجتماعي
لابد من توضيح الفرق بين الضمان الاجتماعي والتكافل الاجتماعي، وهذا ما أشار إليه السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه"فقه السلم والسلام" ضمن الصفحة 168، فالأول (الضمان الاجتماعي) يعني أن الدولة تقوم بمعونة المحتاجين، والثاني (التكافل الاجتماعي) هو الذي يقوم أفراد المجتمع به، وإعطاء القادر والمتمكن إلى من هو بحاجه للعطاء والمساعدة، كما إن الضمان خاص حيث يشمل الأمور المادية فقط ويصدر من جهة واحدة. أما التكافل يشمل الحاجات المادية والمعنوية وهو لا يصدر من جهة واحدة فحسب وإنما يشترك
فيه جميع أفراد المجتمع.
رب سائل يسأل يوجد في النظام الوضعي ضمان الاجتماعي وخصوصا في الوقت الحاضر تطبقه بعض الدول المقدمة كألمانيا مثلاً، فما هو فرق الضمان الاجتماعي في الإسلام عن ذلك الضمان؟ يجيب السيد الشيرازي، ان الضمان الاجتماعي في الإسلام ينبع من ضمير الإنسان وأعماقه ولا يفرض عليه من الخارج عبر قوانين وضعية كما هو في الغرب، وذلك لأنه يتربى على هذا النمط من المسؤولية، فهناك المئات وربما الآلاف من الآيات والأحاديث النبوية وروايات العترة الطاهرة، التي ترشد الإنسان على البذل والإنفاق وتحثه على الكرم والعطاء، سواء في الحقوق الشرعية الواجبة أو التي ندب إليها الإسلام.
نموذج الإسلام في الضمان الاجتماعي
وبالتأكيد إن الإسلام منهج حياة يهدف للارتقاء بكل ما للإنسانية من معنى، ولذا فهو فرض على الدولة حقوق للفقير والمريض والأرملة والعاجز وإن لم يكونوا مسلمين، وخير مثال على ذلك القصة المشهورة، حين جعل أمير المؤمنين عليه السلام في بيت المال حقاً للنصراني العاجز المكفوف قائلاً " ما أنصفوه، استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً"، ونستنتج من هذا القول إن الإسلام يتضمن كل ما يعنيه الضمان الاجتماعي وأن لم يذكره كمصطلح بشكل الصريح.
ويذكر السيد مرتضى الشيرازي في هامش كتابه " استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه السلام"، ص55، إن الإمام جعل لذاك النصراني من بيت المال مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت، حتى ولم يدين بالإسلام، لكي لا يكون في البلد الإسلامي مظهراً واحداً للفقر والجوع، ولكي يعرف العالم، والمسلمون أنفسهم إن الإسلام قضى على الفقر ويرفع مستوى المعيشة. وبالفعل أن تخصيص مرتباً لذاك النصراني يدل على أن الفقر كاد ألا يرى لنفسه مجالاً في الدولة التي تتبنى المبادئ الاقتصادية الإسلامية، حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي، والنظام الاقتصادي الإسلامي.
أسس الضمان الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي
يعد الضمان الاجتماعي أحد المسؤوليات التي تقع على عاتق الدولة في ظل الاقتصاد الإسلامي، والتي أشرنا إليها في مقال سابق بعنوان"مسؤوليات الدولة في ظل الاقتصاد الاسلامي"، ويعتمد على أساسين، يذكرهما السيد محمد باقر الصدر في كتابه "اقتصادنا" في ص659، أحدهما: التكافل العام، والآخر حق الجماعة في موارد الدولة العامة، ولكل من الأساسين حدوده ومقتضياته، في تحديد نوع الحاجات التي يضمن اشباعها، وتعيين الحد الأدنى من المعيشة التي يوفرها مبدأ الضمان الاجتماعي للأفراد.
فالأساس الأول للضمان الاجتماعي هو التكافل العام، المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية، كفالة بعضهم لبعض ويجعل من هذه الكفالة فريضة على المسلم في حدود ظروفه وإمكاناته، يجب عليه أن يؤديها على أي حال كما يؤدي سائر فرائضه. إن الكفالة تجب في حدود الحاجات الضرورية، فالمسلمون إذا كان لديهم فضل من مؤونتهم لا يسعهم أن يتركوا أخاهم في حاجة شديدة، بل يجب عليهم إشباع تلك الحاجة وسدها.
أما الأساس الثاني للضمان الاجتماعي هو حق الجماعة في مصادر الثروة، وعلى هذا الأساس تقوم الدولة بصورة مباشرة بضمان معيشة المعوزين والعاجزين. وهذا الأساس يتجاوز الأساس الأول الخاص بضمان الحاجات الضرورية، لينتقل إلى ضمان حاجات بالشكل الذي يجعل المجتمع ضمن مستوى معيشي معين وبدرجات متقاربة، وليس ان يكون للناس جميعاً مستوى واحد من الدخل. وعلى هذا الأساس سيتضاءل التفاوت الصارخ بين طبقات المجتمع الحاصل في النظام الوضعي وخصوصاً الرأسمالي.
يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام، الذي يؤكد على الضمان الاجتماعي، من خلال التأكيد على الطبقة الوسطى "ثم الله الله، في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين، والمحتاجين، وأهل البؤس (شد الفقر) والزمنى (ذوي العاهات)، فإن في هذه الطبقة قانعاً (وهو السائل)، ومعتراً (وهو المتعرّض للعطاء بلا سؤال)، وأحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، من غلات(الثمرات) صوفي الإسلام في كل بلد، فإن للاقى مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطرا(الطغيان بالنعمة".
وعليه هذا الأساس فالضمان الاجتماعي يسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وهذا الاستقرار سنسحب على المجالات الأخرى وخصوصاً الاجتماعية كالسياسة والاقتصاد وغيرها لان المجالات الاجتماعية هي انعكاس لصورة المجتمع إذ كلما كان المجتمع يتصف بالاستقرار كلما انعكس هذا الاستقرار على تلك المجالات والعكس صحيح.