يمارس سعر الصرف أهمية كبيرة في الاقتصاد بفرعيه الكلي الرامي إلى تحقيق النمو الاقتصادي وتقليل البطالة واستقرار الأسعار وزيادة الصادرات، والاقتصاد الجزئي القائم على تفسير السلوك الاقتصادي للفرد والمنشأة منتجين أو مستهلكين أو غيرهم، من خلال إتباع منهج (الربح – التكاليف)، للوصول إلى أعلى الأرباح بأقل التكاليف، والذي يعد بمثابة حجر الزاوية للاقتصاد الكلي.
وعلى الرغم من بساطة تعريف سعر الصرف الذي يعني "عملية إبدال عملة بعملة أخرى"، إلا إنه يترك آثاراً كبيرة، سواء سلبية أو إيجابية، على الاقتصاد عندما يتغير بالارتفاع أو الانخفاض، دون إرادة وتخطيط وتوجيه، والصعوبة تكمن في مدى تحقق متانة الاقتصاد للتأثير على العالم الخارجي وليس العكس، إذ كلما يكون الاقتصاد أقل متانةً سيكون العالم الخارجي هو المتحكم فيه عبر بوابة سعر الصرف، لان الاقتصاد غير المتين سيكون بحاجة للتعامل مع العالم الخارجي لتلبية حاجاته.
تصور خاطئ لسعر الصرف
وتجدر الإشارة إلى إن الكثير من الناس يتصورون إن سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملة الأجنبية كلما يكون كبيراً كلما يدل على متانة وقوة الاقتصاد وكلما يكون منخفضاً يدلل على ضعف وهشاشة الاقتصاد!! هذا غير صحيح دائماً وليس قاعدة ثابتة في الاقتصاد، حيث توجد اقتصادات ذات سعر صرف لعملتها مرتفع إلا إن اقتصادها غير متين والعكس صحيح توجد اقتصادات متينة إلا إن سعر صرف عملتها منخفض، فهل هذا يعني إن اقتصاد الدولة غير متين بسبب انخفاض أسعار صرف عملتها؟ وذاك يعني اقتصاد الدولة متين بسبب ارتفاع سعر صرف عملتها؟ بالتأكيد هذا الكلام لا يصح، والقوة تكمن في مدى متانة الاقتصاد وليس عملته حتى ولو كانت هذه الأخيرة منخفضة.
كيف يؤثر سعر الصرف على الاقتصاد
يؤثر سعر الصرف على الاقتصاد في حالتين الارتفاع والانخفاض، وإن آثار الحالتين يمكن أن تكون ايجابية أو سلبية، وكما يأتي:
في حالة الارتفاع
إن ارتفاع سعر صرف الدينار العراقي على سبيل المثال مقابل الدولار الأمريكي، هذا الارتفاع في سعر الصرف سيجعل المنتجات الأمريكية أرخص نسبياً مقارنة بالمنتجات العراقية، هذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الأمريكية مقابل انخفاض الطلب على المنتجات العراقية، لأنها أصبحت أرخص من المنتجات العراقية، وهذا ما يعني إن المنتجات الأمريكية اكتسبت القدرة التنافسية.
وإن عدم قدرة المنتجات العراقية على منافسة المنتجات الأمريكية بفعل ارتفاع سعر الصراف للدينار العراقي مقابل الدولار سيدفع إلى تصفية المصانع والشركات التي تضم الكثير من الأيدي العاملة، ومن ثم زيادة البطالة وانخفاض النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته إن زيادة الطلب على المنتجات الأمريكية يعني زيادة الاستيرادات مقابل ضعف التصدير، هذا سيولد المزيد من الطلب على الدولار الأمريكي لتلبية الاستيرادات من المنتجات الأمريكية، وهذا ما يزيد من سوء الأمر وارتفاع سعر الصرف بشكل أكبر وانخفاض العملية المحلية وارتفاع أسعار السلع المحلية مرةً أخرى، وتدهور الاقتصاد أخيراً.
كما أن ارتفاع سعر الصرف للدينار العراقي له آثار إيجابية خصوصاً إذا كان البلد في بدايات تحقيق التنمية الاقتصادية وليس لديه منتجات يسعى لتصديرها حتى تتأثر بارتفاع سعر صرف عملته، إذ إن ارتفاع سعر الصرف للدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، يجعل استيرادات البلد لكل مستلزمات التنمية الاقتصادية من آلات ومكائن وخبراء...إلخ من الخارج أرخص، فتكون عملية تحقيق التنمية الاقتصادية أيسر وأسهل.
في حالة الانخفاض
وكما ذكرنا سابقاً إن انخفاض سعر صرف لعملة بلد ما ليس بالضرورة أن تشير إلى ضعف الاقتصاد، وعلى هذا الأساس فمن الممكن إن تقوم دولة ما بتخفيض سعر صرف عملتها لأسباب تتعلق في زيادة النشاط الاقتصادي على المستوى المحلي والعالمي، حيث إن تخفيض سعر الصرف يؤدي إلى جعل المنتجات المحلية أرخص نسبياً من المنتجات الأجنبية، فيزداد الطلب المحلي على المنتجات المحلية وهذا يشجع المنتجون على زيادة إنتاجها، كما إن انخفاض أسعار المنتجات المحلية مقارنةً بالسلع الأجنبية سيزيد من الطلب الخارجي على المنتجات المحلية، وهذا ما يدفع بالمنتجين إلى التوسع أكثر، وهذا التوسع يزيد من الطلب على عناصر الإنتاج فتنخفض البطالة، وان انخفاض سعر الصرف للسلع المحلية وزيادة الطلب عليها من الخارج يعني زيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي وزيادة التصدير وتحسن ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطي النقدي.
وفي ظل العولمة وعدم وجود اقتصاد يتوفر فيه كل المنتجات أو لا تستطيع أنتاجها بالشكل الأكفأ والأنسب، ستلجأ حتى الدول صاحبة الاقتصادات المتينة إلى الاستيرادات وبالتأكيد إن استيرادها يكون أنسب عندما يكون سعر صرف عملتها أعلى مقارنة بالعملة الأجنبية، لان الكميات المستوردة في ظل ارتفاع سعر صرف عملة الدولة ستكون أكبر، بسبب انخفاض سعر صرف العملة الأجنبية.
وبناء على ما سبق، فالبلد الذي يريد إن يبني اقتصاداً متيناً في هذا البناء كلما يكون سعر الصرف مرتفعاً يكون هو الأفضل لان ذلك سيؤدي إلى انخفاض استيراد مستلزمات التنمية الاقتصادية اللازم توفرها لبناء اقتصاد متين، وينبغي الأخذ بعين الاعتبار إذا كان هذا البلد منتجات يرغب بتصديرها للخارج، لان إذا كان لديه منتجات يرغب بتصديرها للخارج فلا يستطيع تصديرها لأنه أسعارها أعلى من أسعار السلع الأجنبية بحكم ارتفاع أسعار الصرف.
وبالمقابل إذا كان البلد قد بلغ تجاوز تحقيق التنمية الاقتصادية ويسعى للدخول الى الاقتصاد لعالمي فلا بد إن يسعى إلى تخفيض سعر الصرف حتى تكون أسعار منتجاته أرخص نسبياً مقارنة بالسلع الأجنبية بحكم انخفاض أسعار صرف عملته.