تحرير: حسين علي حسين
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
أيلول-2024
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم السبت الموافق 14/9/2024 حلقته النقاشية الشهرية، ضمن نشاطات ملتقى النبأ الأسبوعي، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وجاءت هذه الورقة بعنوان (النفوذ الاقتصادي الأمريكي في العراق الدوافع والتحديات)، حيث حضر هذه الجلسة وساهم في مناقشة الورقة عدد من الباحثين المختصين والكتاب ورؤساء المراكز البحثية، أما مقدم الورقة البحثية فهو الباحث في المركز الأستاذ الدكتور حسين السرحان حيث بدأ ورقته بالقول:
هذا الموضوع من المهم المسكوت عنه كثيرا في الأوساط السياسية والأكاديمية، حيث له تأثير كبير، لذلك لابد من معرفة الجانب النظري والمفاهيمي بما يخص البحث العلمي في موضوع النقاش.
بداية النفوذ الاقتصادي له القدرة على التحكم بالمؤسسات الاقتصادية والتشريعات الاقتصادية في الدولة، في دولة ما او حكومة ما، وهذه التأثيرات تأخذ صورا متعددة وبدوافع متغيرة حسب الوضع او حسب الشأن الاقتصادي والسياسات الاقتصادية والوضع الاقتصادي للدولة.
لكن قبل هذا التعريف دعونا نعرف قضية مسلمة اساسية، أنه في ضوء هذا التفاعل في النظام الدولي واهداف النظام الدولي، للدول والمنظمات والحكومات وهذا التشابك للسياسات الاقتصادية لحركة التجارة الدولية والنقل الدولي والشحن الدولي والثورة المعلوماتية، ما عاد الحديث عن سيادة اقتصادية مطلقة، وليس لدينا شيء يسمى سياسة اقتصادية مطلقة، أو استقلالية بالقرار الاقتصادي والسياسات الاقتصادية بشكل مطلق، هذا الأمر لم يعد موجودا.
تبقى درجة التأثير للنظام الدولي وطبيعة النظام الدولي وتفاعلات النظام الدولي، والأوضاع الجيوسياسية والأوضاع والادوار الجيوبوليتيكية في المنطقة أو أي منطقة في العالم، لها تأثيرها الكبير على السياسات الاقتصادية، حتى على أشد أو أقوى الدول أو أقوى الاقتصادات في العالم بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاقتصاد الصيني أو الألماني أو الروسي وغيره.
وهذا التأثير يأخذ كما قلنا صورا متعددة، بعض الدوافع للتحكم بالقروض او الشروط لمنح القروض يُنظر لها على أنها انتقاص في الجانب الاقتصادي أو للسيادة الاقتصادية، الجانب الثاني العقوبات الاقتصادية وهي لها تأثير كبير في رسم سياسات الدولة، وإذا ما تحدثنا عن اقتصاديات الدولة فتوجد لدينا ثلاث اقتصاديات أو ثلاث سياسات اقتصادية رئيسية وهي النقدية والمالية والتجارية، أضيفت لها فيما بعد سياسات خاصة بحقوق الملكية والجوانب المتعلقة بالأمن الاقتصادي وغيره.
لكن كل هذه السياسات يمكن أن تُدرَج تحت هذه السياسات الثلاث الأساسية، وهي المالية والنقدية والتجارية، فهذه السياسات الاقتصادية لم يعد بالإمكان أن يكون هناك استقلالية مطلقة للدولة أو لأي حكومة في العالم ما عدى كوريا الشمالية التي تعيش في نوع من العزلة الدولية لذا فهي تتمتع بمستوى كبير من الاستقلالية الاقتصادية.
أما بقية الدول فهي تخضع لهذا التأثير تارة بصورة قروض من صندوق النقد الدولي الذي يفرض اشتراطات معينة على الدول المقترضة، فيقر مثلا سياسات سعر الصرف أو زيادة الضرائب والرسوم وموضوع سعر الصرف والسياسات النقدية، وأحيانا يتحكمون بالكمارك والتعرفة الكمركية والحماية التجارية، هذه القضية تتعلق بالسياسات التجارية.
في جانب آخر توجد لدينا صورة أخرى من صور التأثير الاقتصادي وهو موضوع العقوبات الاقتصادية، حيث يمكن ان تكون اشد أنواع التأثير رغم ان النفوذ حاليا غير موجود لكن العراق كان يعاني قبل 2003 من النفوذ الأمريكي والضغط الدولي بشكل عام، بسبب العقوبات الاقتصادية التي حددت كثيرا من السياسات الاقتصادية للدولة لاسيما على المستوى الخارجي، حاليا تعاني إيران من نفس المشكلة حيث يوجد نفوذ اقتصادي دولي داخل إيران غير مرئي لكنه يتحكم في السياسة الاقتصادية للدولة لاسيما في السياسات التي لها جوانب خارجية.
مثل التجارة الخارجية وتصدير النفط، والمعدات الثقيلة وبعض الصناعات الاحتكارية، وصناعة الكهرباء وصناعة الطيران وغيرها حيث تكون الدول عادة تقع فيها تحت تأثير النفوذ الدولي والمضايقة الدولية، إذا ما سحبنا النفوذ الاقتصادي بشكل عام على العراق نجد أن هذا النفوذ كان واضحا في مرحلة ما قبل 2003 حيث كان العراق يعاني من العقوبات الاقتصادية التي حددت كثيرا من علاقاته الاقتصادية الخارجية الدولية وأضرت كثيرا باقتصاده الوطني، وصور هذا الضرر متنوعة ومتعددة انعكست على طبيعة النظام التجاري وطبيعة الخدمات والبنى التحتية وغيرها.
بعد 2003 هذا النفوذ الاقتصادي الأمريكي أخذ منحى آخر، كما تعلمون أن الدول الموجودة في العراق هي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعد الاحتلال مباشرة فرض مجلس الأمن الدولي قرار 1483 في 22/ 5/ 2003، بموجب هذا القرار كل إيرادات الحكومة العراقية المتأتية عن تصدير النفط والمشتقات النفطية وغيرها تودَع في حسابات البنك الفيدرالي الأمريكي، وتقع مسؤولية المحافظة على هذه الأموال على الأمم المتحدة بالإضافة إلى الحكومة الأمريكية، من خلال البنك الفيدرالي الأمريكي.
ووُضعت كل هذه في صندوق خاص يسمى صندوق تنمية العراق، بعدها في سنة 2022 أنهى مجلس الأمن ملف التعويضات التي فاقت 52 مليار دولار أمريكي، بعد ذلك تغيّر هذا الحساب وصار اسمه الحساب العراق 2 تودع فيه الأموال العراقية نيابة عن الحكومة العراقية، يتم السحب من خلاله بكتاب رسمي موقع من رئيس الوزراء ووزير المالية حيث يقوم البنك الفيدرالي بتحويل دفعات نصف شهرية على متن رحلات جوية هذا الاجراء استمر من 2003 لحد 2023 مسموح للعراق بعشرة مليار سنويا وليس أكثر من هذا المبلغ.
فقد وُضِعت كل هذه الأموال العراقية تحت الحصانة الأمريكية، حيث يصدر سنويا قرار من الرئيس الأمريكي يجدد هذه الحصانة، ومنذ شباط 2022 انتهت تعويضات الكويت وتم غلق هذا الملف، فأصبحت الأموال العراقية كما يُفترض أن تكون متاحة للدائنين الدوليين، فهناك مئات او عشرات الدعاوى ضد العراق اثناء حرب الكويت ليست الكويت وحدها بل هناك دول تأثرت وتوجد سفارات وشركات كلها تأثرت بهذه الحرب، فهناك طلبات كثيرة بالتعويض، لكن رئيس الوزراء العراقي الكاظمي قدم طلبا لتجديد الحماية الامريكية للأموال العراقية وحسنا فعل في هذا الموضوع حيث تم تجديد هذه الحماية لحد الشهر الثامن أو التاسع 2022.
في رئاسة ترامب هدد برفع الحماية الأمريكية عن الأموال العراقية، وجاء ذلك كتهديد للقوى السياسية بشكل خطير جدا يهدد مستقبل الدولة العراقية، لكن في نفس الوقت لا يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بهذا الدور، أو بهذه الخطوة لأنها سوف تضعف مقدار الثقة بالاقتصاد الأمريكي من قبل الدول الأخرى، لأنه ليس الرصيد العراقي وحده موجود في البنك الفيدرالي الأمريكي، بل هنالك سندات الخزانة الأمريكية وأموال كثيرة لشركات وشخصيات كثيرة على مستوى العالم، لدينا الصين وحدها تقريبا لديها ترليون ومئة مليار دولار في سندات الخزينة الأمريكية.
فعدم حماية هذه الأموال أو مصادرتها، سوف يدفع الدول بعدم الموثوقية بالاقتصاد الأمريكي، لذلك كان إطلاق مثل هذه التهديدات للتخويف فقط كإجراء اقتصادي لا يمكن العمل به، إلا إذا صُنّفت الدولة أنها راعية للإرهاب، أو لها تأثير كبير على الأمن والسلم الدوليين، ويمكن التهديد بوضع الدولة تحت وصاية البند السابع، غير ذلك يكون الأمر صعب جدا.
نأتي على طرق النفوذ، وأول هذه الطرق هو الحصانة والحماية الأمريكية، على الأموال العراقية، وهذا الشيء جيد في ضوء القوى السياسية الحالية الموجودة فالحصانة الأمريكية جيدة من وجهة نظري الشخصية، وفي ضوء هذا الفساد وصفقات الفساد الموجود.
يبقى لدينا الجانب الآخر في هذا الموضوع هو الجانب الإيراني ويمكن القول أن النفوذ الاقتصادي الأمريكي هو بمثابة مزاحمة للنفوذ الاقتصادي الإيراني، مما دفع الجانب الأمريكي إلى تشديد الرقابة على خروج العملة بالدولار وإنشاء المنصة الإلكترونية للتحويلات المالية للحد من التلاعب والتهريب، ومع ذلك هذا الموضوع لا زال غير مسيطَر عليه، بعد هذه العقوبات بعض المصارف، وعدم الالتزام بها، وإذا تتذكرون في سنة 2023 تم فرض عقوبات على 23 مصرفا إسلاميا في العراق، وبصراحة كان الموضوع صعب جدا، ولذلك فإن موضوع الاجتماعات الدورية والفصلية التي تعقدها وزارة الخزانة الأمريكية مع البنك المركزي العراقي لا زال غير ذي جدوى في موضوع الدولار وتهريبه إلى إيران أو إلى دول أخرى.
والدول المستفيدة بالأساس هي إيران وتركيا في هذا الإطار، ولذلك في الاجتماع الذي عقد في نهاية آب الماضي تم إقرار (بنوك المراسلة)، وسوف يتم تنفيذها في بداية سنة 2025، وهذه البنوك المراسلة لا يمكن لكل المصارف العراقية الحكومية وغير الحكومية تحويل أي أموال خارج العراق، إلا عن طريق بنوك وسيطة، وهذه البنوك الوسيطة تتولى عملية التدقيق والرقابة وفحص تفاصيل عمليات التحويل.
وهذه البنوك (بنوك المراسلة) التي ستكون مسؤولة أمام البنك الفيدرالي الأمريكي، وهي بنوك خليجية أوربية أمريكية، سوف تحد كثيرا من قدرة العراق على تحويل أموال خارج الاستيرادات، وحتى موضوع تعزيز الدولار الخارجي، يوجد لدينا جانبان في العملة النقدية، الأول هو الدولار النقدي الذي يخص شركات الصيرفة وغيرها، والجانب الثاني أما استيراد بضائع أو تعزيز أرصدة أو حسابات شركات أو بنوك في الخارج.
فيكون هناك حوالات لهذه البنوك أو لهذه الشركات أو لهؤلاء الأفراد ويتم شراؤه بالسعر الرسمي، ويتولى تحويله البنك المركزي العراقي، ولكن لا يمكن أن يتولى البنك المركزي هذا الموضوع، لأن هذه المؤسسات المصرفية العراقية بما فيها البنك المركزي، غير جدير بالثقة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، ومن المستحيل أن يخرج دولار أمريكي وفق هذه الآلية، ووزارة الخزانة الأمريكية تبرر هذا الإجراء أنه لا يمكن للعراق أن يستمر بالحصول على الدولار الأمريكي بهذه الكميات ونحن في طريقنا بالذهاب نحو الأزمة، لذلك نريد أن تصبح الحوالات إلكترونية تحت اطلاع كامل لوزارة الخزانة على هذه الحوالات ومراقبتها.
في سنة 2022 بداية شهر أيلول طلبت الحكومة العراقية مليار دولار من البنك الفيدرالي الأمريكي، في وقتها هذا البنك رفض طلب الحكومة العراقية، وحدثت ضجة في وقتها، وكانت هناك توصية من الفيدرالي الأمريكي أنه لن نحول 10 مليار دولار في السنة، بل يتم تحويل 5 مليار دولار فقط لا غير، وفي وقتها حدثت ضجة على مستوى السوق الداخلي، لكن بعد ذلك أعيد طلب الحكومة العراقية وتمت الموافقة على صرف هذا المبلغ على أن يسير العراق في اتجاه الحوالات الإلكترونية والتعامل الإلكتروني.
هذا الموضوع سبب حرج كبير للسلطة العراقية، وبعد ذلك فرضت عقوبات على المصارف 14 مصرفا، وبعدها خمسة مصارف، قيدت المصارف ما عدا بعض المصارف الدولية، مثل مصرف التنمية الدولي، هذه المصارف اليوم أغلبها يشترك في مزاد العملة، ولا تزال تقدم فواتير مزورة وتحصل على الدولار الأمريكي من خلال تسهيلات معينة عبر المنصة.
لذلك بعد 2025 سيكون هناك تشديد كبير على موضوع الدولار النقدي وسوف تخفض قيمة العملة العراقية بعد هذا القرار، ولو أنكم لاحظتم من الأسبوع الماضي بدأت قيمة الدينار تضعف حيث بلغ الدولار 151 ألف دينار، بعد أن كان 145 ألفا، مجرد التوصية ارتفعت قيمة الدولار، فالدولار النقدي لن يكون متوفرا مع بداية سنة 2025، بهذه الكثرة وهذه الوفرة في السوق المحلية.
هذه هي أبرز أدوات النفوذ الاقتصادي الأمريكي، هذا الموضوع أو هذا الجانب بلا شك كل الحكومات العراقية وإدارات البنك المركزي العراقي بعد 2003 لم تتمكن من بناء نظام مصرفي موثوق فيه في هذا الجانب، فكيف سينعكس هذا الأمر على الاقتصاد العراقي؟
من الجانب الاستثماري أي كلام عن جذب استثمارات أجنبية هو نوع من الغباء بصراحة، أو نوع من الضحك على الرأي العام، لا يمكن لمستثمر أجنبي أن يدخل برأسماله في نظام مصرفي غير موثوق به، ولا يمكن أن يحول أمواله إلا عن طريق بنوك موثوق بها، أما الجانب الآخر يتحجج بعض المسؤولين ودوائر الاستثمارات بوجود شيء من هذا القبيل، فهي غير موجودة فقط في قطاع النفط، أما الصينيون لحد الآن يعتبرون العراق دولة خطرة غير جديرة بالاستثمار وغير جديرة بحماية راس المال لضعف المؤسسات المالية في العراق وهي غير جديدة بحماية أموال المستثمرين الصينيين في العراق، ولذلك كل عملهم في العراق هو عبارة عن مقاولات، كما حدث مع المدارس والميناء والمطارات وغيرها، هي عبارة عن مقاولات وليست استثمار، والفرق كبير بين المقاولة وبين الاستثمار.
هذا الأمر في المستقبل سوف ينخفض كثيرا وهو حاليا لا يتجاوز المليار دولار، وأغلب الاستثمارات في قطاع النفط، أما في قطاعات الزراعة والصناعة فقليلة جدا، بل تكاد تكون معدومة، بعض الاستثمارات الأجنبية اتجهت للقطاع المصرفي، أما في القطاعات الإنتاجية الحقيقية فلا يوجد استثمار.
فكيف يؤثر موضوع حوالات الخزينة وعدم الثقة بالنظام المصرفي العراقي على المصارف الموجودة، وحاليا فإن المصارف الموجودة في القطاع المصرفي والقطاع الفندقي في العراق هو الذي يستحوذ على سوق الأوراق المالية، ونقصد سوق الأسهم أغلب القطاعات هو قطاع السياحة والنقل وغيرها، مع هذا الإقرار لن يكون هناك قيمة حقيقية للأسهم وسوف تنخفض قيمة الأسهم مما ينذر بعدم جذب استثمارات أجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر في سوق العراق للأوراق المالية.
كان الهدف في السوق خلال هذه الفترة أو خلال السنوات القادمة وضمن البرنامج المخطط، ان العراق يريد أن يجذب مستثمرين، لكن بعد هذا القرار وهذه الخطوة لن يكون أي إمكانية لأي مصرف عراقي أن يحول دولارا واحدا إلا عن طريق بنوك المراسلة، هذه التداعيات في الحقيقة تفرض تحديات كثيرة على الحكومة العراقية وعلى الوضع في العراق.
وهذا يعني أننا في بداية سنة 2025 سوف نلاحظ صعود كبير في الدولار وانخفاض كبير في العملة العراقية، وأي استثمارات أجنبية من الآن سوف تكون محدودة جدا أو تنعدم وإن كانت موجودة سوف تخرج قبل البدء بهذه الإجراءات الصارمة.
في ضوء هذه الورقة وهذه المعلومات وهذه التوضيحات البسيطة أقدم هذين السؤالين للمناقشة.
السؤال الأول: إن هدفنا من هذا الشرح أن نفهم التداعيات والدوافع لهذا الموضوع وأيضا التحديات التي يفرضها هذا الموضوع، لكن ما هو أثر هذا النفوذ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمن القومي العراقي؟
السؤال الثاني: كيف يمكن للعراق أن يعمل على تصحيح النظام المصرفي والسياسات المالية ومأسسة السياسات المالية، باتجاه الحد من هذا النفوذ الأمريكي؟
المداخلات
الاقتصاد من أدوات القوة الصلبة
- الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
عندما نتكلم عن النفوذ الاقتصادي وكأننا نتكلم عن أن هناك دولة تحاول أن تستعمل الاقتصاد لإضعاف دولة أخرى، وهذا يعتبر كأنه شيء من المحرمات، في العلاقات الدولية طبعا هذا ليس شيئا محرَّما، نحن نلاحظ أن كل دولة من دول العالم، لها مصالحها ولها أدواتها في حماية هذه المصالح، وبالنتيجة تزداد قوة هذه الأدوات مع ضعف الخصم أو ضعف الطرف الآخر.
فالاقتصاد اليوم هو أداة من أدوات الدول لحماية مصالحها، وبالتأثير على دول أخرى لتحقيق مصالحها، ولذلك نحن نسمي الاقتصاد من أدوات القوة الصلبة في العلاقات الدولية والقوة العسكرية والقوة الاقتصادية هي تمثل مرحلة من مراحل القوة الصلبة للدولة، بالنتيجة تعبر عنها الدول أحيانا عندما تلجأ إلى استعمال قواتها المسلحة وتتحمل أضرار وتكاليف عالية تهدد حياة جنودها، وتهدد حياة شعبها، مع تكاليف مادية كبيرة.
لذلك تتجه الدول لاستعمال الاقتصاد كأداة، وحماية العمليات الاقتصادية، لذا نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل العقوبات الاقتصادية ضد دول عديدة ومن ضمنها العراق وإيران، ولاحظنا كيف أن الاقتصاد كان أداة مهمة في إضعاف العراق بعد عام 1991، بعد أن انتهت صفحة حرب الخليج الثانية لاحظنا أن الاقتصاد كان تأثيره مدمرا، على الدولة العراقية.
وقد لاحظنا من خلال كلام مقدم الورقة انتشار الدولار والقروض وكل هذا تؤثر به الولايات المتحدة على دول أخرى، واليوم كما نلاحظ ليس العراق وحده يتأثر بالدولار وإنما كل دول العالم، نظام الاقتصاد العالمي قائم على الدولار لذلك نلاحظ حتى الصين تتأثر، وأنا قرأت في احدى المرات أن الصين لا تريد إسقاط الولايات المتحدة أو انهيار الاقتصاد الأمريكي، لأن هذا يعني أن الصين تخسر استثماراتها وأموالها وحتى ديونها. لذلك الصين تريد أن تبقى الولايات المتحدة معافاة اقتصاديا ومتماسكة.
نأتي إلى وضع العراق، ما الذي يتيح للولايات المتحدة أن تستعمل نفوذها الاقتصادي لتؤثر بشدة على الدولة العراقية؟
هنا نلاحظ أن واحدا من الأسباب هو أخطاء النظام السابق، حيث أدخلنا وأدخل الدولة العراقية في حروب كارثية وعقوبات اقتصادية وسياسية والفصل السابع وغيره، كل هذه العقوبات أدخلنا فيها، وهذه المعمعة أضعفت الاقتصاد العراقي، أضعفت الدولة العراقي، والبنية التحتية للعراق، وأيضا جعلت العراق كأنما في دول الشرق الأوسط هو خارج المنافسة الاقتصادية.
فهناك دول كانت متخلفة كثيرا عن العراق، تقدمت عليه خلال هذه السنوات وهي 12 أو 13 سنة من الحصار، الذي حدث أن الولايات المتحدة لم تكتف باستعمال أدواتها الاقتصادية، فعندما لاحظت أن الأمور نضجت في العراق وأصبح إسقاط نظام الحكم في العراق متاحا له عسكريا، انتقلت إلى غزو العراق عسكريا، وأضافت إلى كوارث الحصار السابق تحطيم البنية التحتية وتدمير المؤسسات بشكل كامل.
ثم جاءت العملية السياسية التي أعقبت الغزو، ولاحظنا أن القادة السياسيين لم يكونوا أعضاء مناسبين، فقد كانت هناك فرصة تاريخية أن يستثمروها بعد الحصار، ويعملون على تحول نظام الحكم إلى نظام ديمقراطي لكنهم لم يستثمروا هذه الفرصة، لذلك نلاحظ اليوم أن العراق يعاني من تخلف متعدد الأبعاد، تخلف اقتصادي، تخلف سياسي، تخلف إداري، تخلف عسكري، وتخلف اجتماعي، ومظاهر التخلف هذه رافقها وجود أمراض وعلل في الدولة العراقية.
منها غياب الإرادة السياسية في الدولة، عدم أتمتة العمل المؤسساتي في الدولة، وجود أذرع لدول أخرى داخل العراق تعمل بالضد من الاقتصاد العراقي، تعمل بالضد من مصلحته، هنالك كفة الميزان تميل بشدة لمصلحة دول أخرى، نحن لاحظنا أن أيران وحدها تصدر للعراق بضاعها ما يعاد 10 مليار دولار أمريكي وهذا يعادل 10% من موازنة العراق السنوية، في الوقت الذي لا نصدر فيه شيئا لإيران، هذا اختلال يتيح لدول أخرى ان تتحكم بك وبالسوق التابع لك.
أنا أعتقد أن التخلف الاقتصادي هو الذي يضاعف النفوذ الاقتصادي الأمريكي وغياب الإرادة الاقتصادية والسياسية، كلها مع بعضها وغياب الأتمتة ووجود الفساد المالي هذا كله يتيح للولايات المتحدة أن تستعمل نفوذها بقوة، بالإضافة إلى كل هذا نلاحظ أن الولايات المتحدة لم تدخل للعراق من أجل عيون العراقيين، وإنما دخلت العراق في 2003 لكي تحقق مصالحها، المشكلة اليوم لا يوجد صديق للولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
الحكومة العراقية اليوم لا تحاول أن تبني علاقات صداقة موثوقة مع الجانب الأمريكي أن مصالحهم في العراق غير مهددة، ولا تحتاج أمريكا أن تستعمل أدوات الضغط الاقتصادية والعسكرية وما شابه ضد الدولة العراقية، لا بالعكس نحن كل يوم نعطي إشارة على أن المصالح الأمريكية مهددة في العراق وأننا غير قادرين على حمايتها ونحن غير قادرين على إقامة علاقات متوازنة إقليمية ودولية.
وهذا يزيد تأثير أمريكا وجرأتها على استعمال أدواتها الاقتصادية ضد الدول العراقية، كيف نحد من كل هذا نحتاج إلى حكومة قوية ونحتاج إلى إرادة سياسية، ونحتاج إلى وحدة قرار سياسي بين القوى السياسية وإنهاء المشاكل الداخلية والولاءات الخارجية بدون هذا الأمر سوف يستمر تأثير الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما لا نهاية، وربما كما ذكر الدكتور حسين السرحان أنه مع مطلع عام 2025 سوف تواجهنا عقبات أسوأ، وهذه مشكلة حقيقية.
الاضطراب السياسي في العراق
- الدكتور خالد الأسدي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
كما تعلمون بأن العراق يرزح تحت الوصاية الأمريكية، ولا يمكن التخلص من هذه الوصاية لأن الولايات المتحدة الأمريكية جاءت إلى العراق من أجل حماية مصالحها، فهناك تأثير مباشر وكبير جدا للنفوذ الأمريكي على الاقتصاد العراقي لأن الحركة السياسية في العراق حركة مضطربة وغياب القرار السياسي الموحد ولا يعرَف القرار السياسي بيد من؟
لذلك لا يمكن التخلص من التأثيرات الأمريكية في الوقت الحاضر على الاقتصاد العراقي، أما كيف يمكن الحد من ذلك فمن الممكن في القادم من الزمن وليس في الحاضر لأن الحاضر يؤكد أن الحكومة العراقية عبارة عن تشتت أحزاب، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهؤلاء الأحزاب كل يحكم من مكانه، ففي هذه الحالة لا يمكن التخلص من هذا النفوذ إلا بعد فترة من الزمن، بعد وجود حكومة قوية ذات إرادة صلبة، أما بغير ذلك لا يمكن تحقيق هذا الهدف.
السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة
- الأستاذ باسم حسين الزيدي، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
الباحث الذي قدم هذه الورقة جمع بين السياسة والاقتصاد، وقدم موضوعا مهما، والحديث ذو شجون باعتبار إننا نعيش في دولة ما زالت تعيش مرحلة المراهقة السياسية، وتعيش حالة من المغامرة الدائمة، نحن نعرف أن السياسة والاقتصاد هما وجهان لعملة واحدة، لذلك لا يمكن الحديث عن قوة الاقتصاد من دون قوة السياسة ولا يمكن الحديث عن قوة السياسة من دون قوة الاقتصاد.
ويقال أن الدول الكبرى أو العظمى، من حقها المشروع أن تحمي مصالحها، سواء اقتضى الأمر أن تدفع بنفوذها في الدولة، وتتناوب في ذلك بين الجانب السياسي مرة والجانب الاقتصادي مرة أخرى، لكن هذا الموضوع أثار لدي سؤالين لكي نعرف حجم النفوذ الأمريكي بصورة عامة في العراق أو نفوذ أي دولة في العراق.
السؤال الأول: هل الاقتصاد العراقي قبل 2003 كان اقتصادا مستقلا، بمعنى هل كان يمتلك قراره المستقل، أم بعد 2003 دخل النفوذ الأمريكي وسيطر عليه؟ الجواب هنا معروف.
السؤال الثاني: يجب أن نوضح الإجابة عن هذا السؤال هل التبعية الاقتصادية هي حالة سلبية أم إيجابية؟، أو بمعنى آخر هل يمكن استخدام التبعية الاقتصادية من جانبها الإيجابي أم أنها سلبية فقط؟، في رأيي بالنسبة للعراق كدولة ضعيفة اقتصاديا، ولكن في حالة القيادة قد تكون في بعض الحالات من الجانب الاقتصادي ضرورة أو حاجة ملحّة لعبور مرحلة لا يستطيع أصحاب القرار عبورها، خصوصا مع وجود هذا القطع بيننا وبين سوق العمل.
هنا أريد أن أتكلم عن التبعية بحد ذاتها، وأنني أريد أن أكون تابعا لدولة عظمى تمتلك اقتصادا عالميا، لكي أعبر مرحلة صعبة جدا أعيشها الآن، فأريد أن أتخلص منها، لا استطيع أن أدخل في السوق العالمي، ولا أمتلك قراري السياسي، ولا أمتلك القوة في داخل بلدي حتى أقضي على الفساد، وأسيطر على الأموال داخل العراق وخارجه.
لحد هذه اللحظة مرت أكثر من عشرين سنة والعراق حصل على مردود مالي يقدر بمئات المليارات من الدولارات، لكنه حتى الآن لم يستطع أن يحرك من واقعه بصورة جادة، كلها مجرد مشاريع أما يتمناها أو وهمية أو مستقبلية، لذا أتمنى أن تجيبني عن هذا السؤال: هل التبعية سلبية 100%، أم من الممكن أن نجد لها منفذ معين على الأقل يمكن للعراق أن يعبر الأزمة التي يعاني منها.
الخلاصة بناء على هذين المسارين، الجواب من الممكن أن العراق بحاجة إلى إرادة وأن يمتلك قرارة ويمتلك إرادته، في العمل داخل السوق العالمي، بعيدا عن الشعارات والأوهام التي نعيشها، يجب أن نتعامل بواقعية مع هذا الأمر فنحن نحتاج الواقعية في الوقت الحاضر.
وجود النفوذ السياسي وليس النفوذ الاقتصادي
- الأستاذ أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
العنوان يقول (النفوذ الأمريكي في العراق) ولكن أين هو النفوذ الأمريكي في العراق، إذا قلنا نفوذ اقتصادي مثلا شركات النفط البريطانية لها نفوذ في العراق، لكن يمكن أن نقول النفوذ السياسي والقوة العسكرية، فإذا تحدثنا عن نفوذ هذا يعني توجد شركات أمريكية هي تتحكم والعراق يجب أن يأمم هذه الشركات، مثل ما حدث في السبعينات عند تأميم شركات النفط.
كنفوذ اقتصادي أمريكي الآن في العراق كشركات غير موجودة، لكن النفوذ السياسي والتحكم بالدولار والواردات النفطية هذا نعم موجود، وكذلك السيطرة على القطاع المالي من خلال الخزانة الأمريكية هذا أيضا موجود، وهو نوع من النفوذ السياسي والعسكري بالدرجة الأولى، لكن مردوداته يعكسها على الاقتصاد العراقي.
يعني أمريكا تفرض حصارا على إيران، فهل لديها نفوذ على اقتصاد إيران؟، كلا، لكن في دول أخرى هناك الشركات الأمريكية هي التي تتحكم أو الشركات البريطانية كما كانت في السابق، هي التي تتحكم بالاقتصاد وهي صاحبة نفوذ، مثلا هي التي تستخرج الموارد الطبيعية وتصدرها وأمر أخرى هي التي تديرها مثل أسواق العمل وغيرها، هذا يمكن أن يمثل نفوذ اقتصادي مباشر.
لكن نحن قضيتنا قضية سياسية، وخاصة الدول النفطية التي تمثل اليوم إيراداتها النفطية تمر عبر الفدرالي الأمريكي وتتحول إلى دولار، وهذه السنة سنتها السعودية في عهد نكسون، وهم كانوا يوهمون الناس بأن الدولار الأمريكي يكون مقابل عملة من الذهب، إلى أن فاجأوا العالم بعدم وجود دولار.
العراق اليوم لا يمتلك ولا يقبض الإيرادات النفطية مباشرة، والنفوذ هنا يكمن في هذه المرحلة، وهو نفوذ السياسة أو القوة أو الهيمنة، العراق إلى الآن غير مستقر لا اقتصاديا ولا مستقل سياسا، ولا داخليا، وهذه القضايا تحتاج إلى وقت طويل حيث يبني يجب على العراق أن نفسه من الداخل، إقامة المصانع، وتطوير الزراعة وغير ذلك، إذا تمكن من بناء اقتصاده من الداخل هذا الجيد، وقد ذكر الدكتور خالد العرداوي أن وارداتنا من إيران تشكل 10% من الموازنة، ومن تركيا قد يكون الرقم نفسه فصار الرقم 20% من الميزانية.
أما العراق فماذا يصدر لهذه الدول؟، لا توجد لدينا صادرات، فقد لدينا النفط وتذهب موارده إلى الفدرالي الأمريكي، ولذلك هنا يحدث النفوذ من خلال هذه الآلية.
النفوذ الأمريكي يسيطر على حركة المصارف
- الأستاذ حامد عبد الحسين، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
هناك نقطتان يمكن أن أشير لهما، مسألة القروض في الموازنة وهي دائما تكون مقاربة للنفقات الاستثمارية، على سبيل المثال النفقات التشغيلية لدينا بحدود 70% 30% الاستثمارية العجز وبالعادة يكون حجم القروض 25%، النقطة الثانية بخصوص المزاحمة بين النفوذ الأمريكي والإيراني، بصراحة أتوقع كما يبدو في الواقع أن الطرف الذي يسيطر على الاقتصاد العراقي هو النفوذ الإيراني أكثر من النفوذ الأمريكي.
النفوذ الأمريكي يسيطر على مسألة القرارات وسياسات الدولار أو حركة المصارف، حركة النقود هي بمثابة الدم، فالنقود في الاقتصاد مثل الدم في الجسم، فالنقود هي التي تتحكم بالدم أو النفوذ، إلى أين تتحرك، وأنا هنا أتحكم بمسيرتها، حتى أمنع الجوانب التي أفرض عليها عقوبات من أن تصل إليها هذه النقود. أتصور أن هذه النقطة تحتاج إلى حلقة بخصوص مناقشة الاقتصاد العراقي بين النفوذ الأمريكي والنفوذ الإيراني.
بالنسبة للدوافع، فإن الدافع الرئيس للنفوذ الاقتصادي الأمريكي في العراق يتعلق ببيع الطاقة بأسعار آمنة ومعقولة، لمصالح هي أمريكية أيضا وليست لأسباب عراقية بحتة، ونحن نعرف أن أمريكا دائما تبحث عن حماية مصالحها في كل دول العالم، لأن أمريكا عندما دخلت اليابان، أو أو عندما دخلت كوريا الشمالية أو جنوب شرق آسيا بشكل عام أو أفغانستان أو غيرها، نلاحظ هنا أن هناك دولا نهضت وأخرى ظلت متخلفة.
هنا بصراحة الموضوع لا يتعلق بالنفوذ الأمريكي بقدر ما يتعلق بالدول التي تم احتلالها بحد ذاتها، يعني لماذا هناك دول احتلتها أمريكا فتقدمت، في حين بقية الدول تخلفت أو ظلت تعاني من عدم الاستقرار، الموضوع هو داخلي أكثر مما هو خارجي، أمريكا تقول بأنها قوية، والإنسان الذي يبحث عن التقدم أنا أقف إلى جانبه وأقول له هيا تقدم إلى أمام، لا توجد عندي مشكلة، ولكن إذا كان هو ضعيفا أنا لا يمكن أن أقومه وأجعله يتقدم، فالمسألة كما أتصور تتعلق بهذا الجانب. فالنفوذ الاقتصادي لا يتعلق بالنفوذ الأمريكي وهو لا يشكل الأسباب الرئيسة، فأمريكا تبحث عن مصالحها.
بالنسبة للتحديات هل تخص النفوذ الأمريكي أو التحديات التي تواجه اقتصادنا؟، التحديات هنا أكيد تتعلق بضعف الاقتصاد المحلي، وعدم وجود تنوع اقتصادي، إلى جانب مثلا التغير المناخي العالمي، هذا أيضا سوف يؤثر على مستوى أسعار النفط، وكذلك سوف يؤثر على الموارد المالية بحكم التأثير على أسعار النفط وإنما الأسباب هنا محلية، فقد حدث هجرة مناخية كما يتم التعبير عنها بسبب تصحر الأراضي وهذا أدى إلى هجرة الناس وبالتالي هذا يهدد قضية الحفاظ على الأمن الغذائي مستقبلا، أتصور ان هذه القضية بحد ذاتها تحتاج إلى علاج معين.
صناعة ازمات
- الاستاذ صادق الطائي، كاتب واعلامي:
النفوذ الاقتصادي يأتي بعد استقرار النفوذ العسكري والسياسي في اي بلد كان، من خلال ثلاث خطوات قامت بها امريكا، وصنعت لها نفوذ اقتصادي قوي في العراق.
١- تعويق وافشال عمليات اصلاح الكهرباء، لأنه اصلاحه يصنع حالة من انهاء النفوذ الاقتصادي وتقوية الصناعات الوطنية.
٢- اغتيال العلماء واصحاب القدرات العلمية، اي افراغ معامل الانتاج من الكفاءات والقدرات العلمية التي من خلالهم نقف امام النفوذ الاقتصادي الامريكي.
٣- تشويق ترك العراق والسفر الى امريكا، من خلال صناعة ازمات فقدان الامن الداخلي والخدمات العامة للشعب العراقي.
اما كيف نحد من هذا النفوذ والقدرة الاقتصادية في الساحة العراقية، لا تأتي من خلال المحادثات والاجتماعات واللقاءات المتعددة التي تعقد، انما تكون من خلال عمليات جهادية وهناك أمثلة عديدة من عمليات الجهاد والنضال توضّح لنا كيفية انهت النفوذ الاقتصادي والسياسي الامريكي تجربة فيتنام الجنوبية، وأفغانستان كيف انهت وطردت أمريكا، استمرار العمليات وانزال الخسارات البشرية، نقطة حساسة في الحسابات اذ أمريكا لا تترك العراق إلا اذا كانت الخسارة والضرر اكثر من المنافع الاقتصادية.
التأثير السلبي للنفوذ الأمريكي
- الأستاذ حسين علي حسين، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
سوف أتناول السؤال الأول من خلال محاوره الثلاثة، وهي الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والجانب الاقتصادي، فمن ناحية الأمن القومي يوجد تأثير سلبي للنفوذ الأمريكي على الأمن القومي للعراق، وحتى لو كان هناك أمن قومي في العراق، فهو يصب في مصلحة أمريكا الخاصة.
الجانب الثاني وهو الجانب السياسي، فإن أمريكا لا ترغب باستقرار سياسي في العراق لأسباب عديدة من بينها، لو كان هناك استقرار سياسي في العراق فإن أمريكا سوف تضطر للخروج تدريجيا من العراق، أو لا يكون لها نفوذ اقتصادي أو سياسي في العراق إذا كانت هناك إرادة سياسية عراقية قوية.
النقطة الثالثة التي تتمحور حول الجانب الاقتصادي فإن أمريكا تمثل النفوذ الاقتصادي الأكبر في العراق بسبب تحكمها في أسعار النفط والأمور اللوجستية الأخرى المتعلقة بتسويق النفط، لذلك هي ذات نفوذ عالي وتأثيرها يكون كبيرا في الاقتصاد العراقي.
أما الإجابة عن السؤال الثاني، فهناك مجموعة نقاط هي:
النقطة الأولى: توافر إرادة سياسية عراقية ووعي سياسي كامل من أجل الحد من النفوذ الخارجي.
النقطة الثانية: قوة الدولة بعد تواف هذه الإرادة.
النقطة الثالثة: تعاملات خارجية داخلية مع دول غير الولايات المتحدة.
النقطة الرابعة: استخدام أسلوب إيران ولكن بقوى عراقية بحيث إن أمريكا لم تستطع التأثير على اقتصاد إيران بصورة كاملة رغم وجود العقوبات وغيرها، فيستطيع العراق أن يستخدم أسلوب إيران للتخلص أو للحد من هذا النفوذ الأمريكي.
أمريكا اللاعب الرئيس في الساحة العراقية
- الأستاذ محمد علاء الصافي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
من دون وجود إرادة سياسية ومن دون وجود حكومة قوية تعتمد على التوجه إلى كل المكونات العراقية، لن يكون العراق سيدا لنفسه في قراره السياسي وقراره الاقتصادي في قضية التنمية والخطط الاستراتيجية التي يمكن وضعها للمستقبل، للحد من التدخل لأي نفوذ سواء كان أمريكيا أو إقليمي في العراق.
وحول النفوذ الأمريكي، أعتقد أن الولايات المتحدة عادت لتطبيق استراتيجيتها التي كانت تستخدمها بعد دخولها العراق 2003، ففي سنة 2003 أمريكا دخلت العراق، عندما نتكلم عن الولايات المتحدة نتكلم عن راع رسمي للسياسة في العراق، وعن الأب الروحي للعملية السياسية في العراق، وليس مجرد لاعب مثل تركيا أو إيران أو دول الخليج، أمريكا هي اللاعب الرئيس في الساحة العراقية.
بالنتيجة أعتقد اليوم بهذه القرارات التي يتم اتخاذها هي تطبيق لنفس السياسة التي كانت معدة للتطبيق بعد 2003 والتي هي تقريبا الوصاية التامة على الاقتصاد العراقي أو على السياسة العراقية الخارجية إلى أن يستطيع العراق بعد مرور مدة من الزمن يستطيع أن يقف على قدميه.
الساسة العراقيون لم يصلوا بعد عشرين سنة إلى شيء يذكر، لكن أعتقد اليوم من خلال الأدوات القوية التي يمتلكونها، سوف يتمكنون من تطبيق هذا الشيء، إلا موضوع تمدد النفوذ الإيراني في العراق، أو تمدد النفوذ التركي في العراق، هذه الأمور كلها كان الأمريكان يغضون النظر عنه لفترة معينة ربما لمصالح مشتركة مع هذا الدول أو هذه الأطراف خاصة بسبب الحرب الجارية، أعتقد توصلت الولايات المتحدة إلى أنها حددت وحجّمت الأدوار لكل الدول في المنطقة وكل له مساحته الخاصة.
ونلاحظ الدعم اللامحدود الذي قدمته أمريكا لإسرائيل على سبيل المثال حتى توازن القوى الموجودة في المنطقة، فنحن قبل خمس أو عشر سنوات كنا نعتقد أن الاتراك وصلوا إلى مرحلة أنهم أقوى من إسرائيل، أو مثلا دول الخليج يبنون قوة عالمية جديدة يمكن أن يتجاوزوا فيها قوة الاقتصاد الإسرائيلي، الإيرانيون كذلك.
لكن الحرب الأخيرة والدعم اللامحدود عادت ووازنت القوى في المنطقة، وحجمت التدخلات واعتقد سوف تزداد سياسة تحجيم هذه اقوى، وأعتقد لا يمكنهم عمل أي شيء لأن السياسة المالية هي التي تسيطر على النظام الاقتصادي.
أهمية تأسيس صندوق سيادي
- الأستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
إن الأموال العراقية التي تذهب إلى البنك الفيدرالي، يأتي منها نسبة قليلة جدا للعراق 10% من 100 مليار دولار أمريكي، يبقى 90 مليار، وهذه الكمية من الأموال من الذي يخول أمريكا بأنها تحرم الشعب العراقي أو الدولة العراقية منها، ثم لماذا لا يُصار إلى مثلا تحويل هذا المبلغ الضخم.
طبعا مبلغ 90 مليار سنويا، لماذا لا يحوَّل هذا المبلغ الضخم مثلا إلى صندوق سيادي للأجيال القادمة، أو يُستثمَر هذا المبلغ، ويصبح صندوقا سياسيا ضخما لصالح الأجيال القادمة، ثم هناك سؤال آخر هو، ما الذي يدفع أمريكا إلى أن تتعب نفسها في هذا المجال في تعب واضح وكبير مع العراق، يعني تعب واضح، دقة ومتابعة ومخاطر وكأنه هذه الأموال أموال أمريكية، وكأن أمريكا تضم هذه الأمور في الفيدرالي كي لا تطولها أيدي الفساد، فهل أمريكا حريصة على العراقيين في هذا الجانب؟
إجابة الدكتور حسين السرحان على الأسئلة:
دعوني أبدأ في الإجابة عن أسئلة الأستاذ علي حسين عبيد، القرار 1483 قرار مجلس الامن حول حفظ الأموال العراقية، يستقطع منها إيرادات سنوية لملف التعويضات العائدة للكويت، في 2022 قرار مجلس الأمني أيضا انهى الحماية الامريكية عن الأموال، مشروع القرار طبعا كان عراقيا، لذا دفع العراق اكثر من 52 مليار دولار و 400 مليون للكويت، في 2022 استمرت الحصانة، حكومة الكاظمي طلبت من الرئيس بايدن إبقاء الحماية على الأموال العراقية في البنك الفيدرالي لأنه كثير من الدعاوي لا زالت تطالب العراق بالتعويضات ولي الكويت وحدها.
منذ 2003 الى 2023 سنويا يصدر تجديد الحصانة على الأموال العراقية في البنك الفيدرالي، القرار الأول في 2003 هو الذي منح السلطة الى مدى مفتوح، ولا يلغى هذا القرار إلا بصدور قرار ثاني يلغيه، وهذا لن يتم لأنه يجري عليه قرار فيتو او حق النقض، فيتم تجديد الحماية بشكل سنوي بأمر من الرئيس الامريكي.
في 2022 شباط أنهى العراق ملف التعويضات بشكل كامل وخرج من الفصل السابع ولا توجد امامه مشكلة في هذا الجانب، فتصبح أمواله حرة، لكن المشكلة توجد قروض قديمة وهناك أناس غير الكويتيين يطالبون بتعويضات من العراق، عشرات ومئات الدعاوي، فالحكومة العراقية لا يمكنها أن تضع محامي ليدافع عن الأموال العراقية ضد بنك أو شركة أو حكومة تطالب بحقوقها أو ديونها.
فالحكومة العراقية هي التي تطالب بالحماية الأمريكية لحين إيجاد حل للدعاوى التي تطالب بالتعويضات غير الكويتية، أما قضية إمكانية استثمار هذه الأموال العراقية فربما يكون ذلك ممكنا لكن يبقى التخوف قائما، ولكن من المستثمر الذي يجازف بأموال تحت الحماية الأمريكية؟
أين تكمن المشكلة، المشكلة أن العراق ليس مستقلا في قراره الأمني والسياسي، العراق تابع لدولة تعتبر راعية لعدم الاستقرار في المنطقة وفي العالم، فيعتبر داعم وشريك لدولة تهدد الأمن والسلم العالمي، فلا يمكن أن يتم تحويل هذه الأموال العراقية لاستثمارات في دول أخرى، وهذا نوع من الخيال في هذا الجانب.
ولكن ما هي الدوافع حول هذا الموضوع، السبب بصراحة بعد 2008 و2009، الجانب الإيراني دخل في صراع حول موضوع الملف النووي، وحدث عداء مع الغرب، فكل هذه الإجراءات التي تتم بحق العراق هي لحرمان إيران من الدولار، لأن الحكومة العراقية ومؤسساتها المالية غير قادرة على تأمين وضبط تهريب الدولار إلى إيران، وبالتالي كل هذه الإجراءات هي لمنع تهريب الدولار إلى إيران.
الإجابة عن أسئلة أستاذ محمد الصافي وأستاذ حامد الجبوري حول النفوذ الاقتصادي، ماذا تم تعريف النفوذ المالي، والتأثير في السياسات الاقتصادية والتشريعات الاقتصادية لدولة ما، اليوم هذه السياسات هي مالية نقدية تجارية، اليوم تجاريا إيران تمارس تأثير كبير على العراق، سواء كان بالإغراق السلعي، أو الضغط سياسيا في تأخير قانون الحماية الكمركية الذي أقر في 2012 وتم تطبيقه 2021، القصد أن أدوات النفوذ مالية ونقدية وحاليا مالية.
العراق ساحة لصراعات جيوسياسية إقليمية، وهناك غسيل أموال هائل، تهريب دولار، تمويل مخدرات، تجارة أعضاء بشرية، فبدون سياسات اقتصادية، وبدون إنفاذ للقانون الحكومات غير قادرة على وقف هذا الوضع، فالنفوذ المالي والنفوذ الاقتصادي صورة من صور ضعف الدولة، وقد عجزت الحكومة في عهد الكاظمي عن دوفع الرواتب، حيث تم توفير 5 ترليون بصعوبة بالغة، أما الدولار الذي يأتي من البنك الفيدرالي فهو مبلغ بسيط جدا بالكاد يغطي مزاد العملة
* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024