دور العقلية الاستراتيجية للقائد في تحسين الأداء التنظيمي

من القضايا المحسومة علميا أن نجاح أية منظمة يعتمد بالدرجة الأولى على مستوى ونوعية الأداء، ثم تأتي بعد هذا الاشتراط، مقومات وإجراءات أخرى لها دورها أيضا في تطوير الأداء الإداري للمنظمة بشكل عام.

ولكن ذوي الاختصاص ربطوا جودة الأداء التنظيمي بالعقلية الاستراتيجية للقائد، فهناك فارق كبير وبون شاسع بين العقلية الآنية المتسرعة، وبين العقلية القيادية ذات البعد الاستراتيجي، النوع الأول من القيادة غالبا ما تكون ذات ردود أفعال متسرعة عاطفية غير مبنية على أسس وأسباب علمية، ولذلك تجد القائد المتسرع لا يمتلك العقلية الاستراتيجية، ولا يتحلى بالحكمة والصبر، فضلا عن كونه يفتقد للعلمية الإدارية التي تساعده على اتخاذ القرارات المناسبة.

أما القائد الآخر وهو الذي يهمنا التركيز عليه في هذا المقال، فهو القائد الذي يتميز بالعقلية القيادية الاستراتيجية، وثمة فرق كبير بين الاستراتيجي والآني المتسرع، حيث يقسم معظم العلماء المختصين بعلم الإدارة قادة الأداء التنظيمي إلى نوعين من القادة، فمنهم من يمتلك العقلية الاستراتيجية بعيدة النظر في اتخاذ القرارات الإدارية التنظيمية الناجحة، وهذا النوع هو الذي يُطلَق عليه بالقائد ذي العقلية الاستراتيجية.

في حين هنالك قادة من نوع آخر، وهم لا يتحلّون بالعقلية الاستراتيجية، ولا يمتلكون الرؤية القيادية بعيدة النظر، وفي الغالب تكون قراراتهم ذات منحى متسرع (عاطفي)، لا يرتكز على أسباب علمية، بل يتم اتخاذ القرارات بسبب الضغط العام الذي لا يعتمد على أسس علمية، فتجد القائد ذا العقلية المتسرعة يتخذ قراراته بصورة ارتجالية لا يسندها العلم الإداري الفعال، ولا العقلية القيادية الصبورة المتأنية الحكيمة.

ولهذا يحدث الفارق الكبير في درجة النجاح بين النوعين من قادة الأداء التنظيمي، فلماذا يحدث هذا النوع من الاختلاف بين القادة الإداريين؟

هنالك أسباب عديدة تجعل من هذا القائد ذا عقلية استراتيجية، وتجعل من غيره ذا عقلية عادية لا تنجح في تطوير الأداء التنظيمي للمنظمة التي يقودها، فما هي هذه الأسباب من وجهة نظر علمية؟

السبب الأول هو الجانب الخبروي، فعندما يكون القائد الإداري شحيح التجربة، وقليل العلمية في الأداء التنظيمي، فهذا سوف يجعل منه مترددا ضعيفا، غير قادر على اتخاذ القرار المناسب في تحسين الأداء التنظيمي.

كذلك عندما لا يمتلك القائد الخلفية العلمية المطلوبة في المجال الإداري والقيادي، فإنه سوف يخفق في تحقيق النجاح المطلوب، لأنه أساسا لا يمتلك الدعم العلمي المناسب.

وهنالك أسباب أخرى تتعلق بطبيعة الشخصية القيادية نفسها، بل يذهب بعض العلماء إلى تأثير الجانب الوراثي في قضية القيادة الناجحة أو الفاشلة، فيقول بعضهم إن الآباء والأجداد قد يورثوا أبناءهم الشخصية الهزيلة المترددة الضعيفة، وفي هذه الحالة لا يمكن لهذا النوع من البشر أن يصبحوا قادة ناجحين حتى لو جاءت بهم الظروف إلى هذا المنصب أو ذاك.

ولكن في نفس الوقت يقول العلماء إن التدريب والتعليم والإصرار على بناء الشخصية القيادية يمكن أن يتغلب على الأسباب الوراثية أو غيرها، وهذا يعني بأن الإصرار على التدريب العلمي المتطور، وامتلاك الإرادة القوية، من الممكن أن يساعد على بناء عقلية قيادية فاعلة.

فهل يعني هذا إن القادة يمكن أن يصلوا إلى المستوى القيادي الاستراتيجي بالتدريب والتعليم والممارسة والإتقان الإداري؟

إن الإجابة عن هذا السؤال، تؤكد على أن العقلية القيادية الناجحة في الأداء التنظيمي يمكن أن يتم اكتسابها من خلال سعي القائد للحصول عليها، فحينما يكون مثابرا متميزا وذا إصرار كبير في امتلاك العقلية الاستراتيجية، فإنه سوف يحصل على ما يريد، ولكن بعد أن يبذل الجهود الهائلة في هذا المجال، وبعد أن تتوفر له الظروف التي تدعمه لكي يكون قائدا ذا عقلية استراتيجية في الأداء التنظيمي الفعّال.

أما تركيزنا على أهمية هذا النوع من القيادات، فإنها في الحقيقة غالبا ما تجعل من الأداء التنظيمي فاعلا ومنتجا ومتميزا في المنظمة، بالنظر لقدرة القائد الاستراتيجي على اتخاذ القرارات التنظيمية الصحيحة، بالإضافة إلى قدرته بتطوير طاقات أفراد المنظمة، والارتقاء بقدراتهم، وأداءهم إلى المستوى الذي يجعل منهم طاقات إدارية فعالة وناجحة، تجعل بدورها من المنظمة متميزة عن سواها من المنظمات، والسبب دائما يعود إلى العقلية الاستراتيجية التي يتحلى بها قائد المنظمة المتميز.

التعليقات
تغيير الرمز