وقع العراق وتركيا والامارات وقطر مذكرة التعاون (الاتفاقية الرباعية ) الخاصة بمشروع طريق التنمية في نيسان الماضي في العاصمة بغداد والذي سيستحدث طرقاً سريعة وخطوطا جديدة للسكك الحديد، وستكون هناك حملة لتأهيل الخطوط السريعة استعداداً للشروع بالتنفيذ.
مشروع طريق التنمية مشروع استراتيجي اقليمي كبير اشتركت فيه ثلاث بلدان عربية فضلا عن تركيا، وتم التوقيع عليه في بغداد، بعد اشهر من التحضيرات والتفاهمات بين العراق وتركيا ومباحثات مع كل من الامارات وقطر، وبحضور رئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان. ويعبر المشروع عن رؤية مشتركة للدول المشتركة بأن العلاقات الاقتصادية في المنطقة وتنميتها تعزز فرص السلام فيها وتزيد من تشابك مصالح شعوب المنطقة وتزيد من التواصل بين تلك الشعوب بعيدا عن الصراعات التأريخية.
تطورات المشروع وتسارع مراحله يعبر عن ارادة كبيرة لتعزيز تلك العلاقات الاقتصادية. اكد المدير العام للشركة العامة لسكك حديد العراق التابعة لوزارة النقل، يونس الكعبي، عن وجود مباحثات جارية في تركيا مع البنك الدولي لدعم مشروع طريق التنمية الاستراتيجي. وقال الكعبي في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن مشروع طريق التنمية سيستحدث طرقاً سريعة وخطوطا جديدة للسكك الحديد، وستكون هناك حملة لتأهيل الخطوط السريعة استعداداً للشروع بالتنفيذ، مؤكداً في الوقت نفسه أن هنالك توجها لعقد اجتماع وزاري بين البلدان الموقعة على المذكرة الرباعية في الفترة القليلة المقبلة لوضع خطوات عملية لتنفيذ مشروع طريق التنمية، لافتا الى أن المذكرة نصت على ان الأبواب مفتوحة لكل الدول الراغبة للانضمام الى هذه المذكرة، والعراق منفتح على جميع الدول في ملف طريق التنمية.
واضاف أن الشركة المصممة حققت نسبا متقدمة بالتصاميم الأولية للطريق، حيث تجاوزت نسبة تصاميم سكك الحديد 76% والطريق السريع وصل الى قرابة 66%، ومسوحات التربة والطبوغرافية تجاوزت90% .
وأضاف، أن العراق على وشك التعاقد مع الشركة الاستشارية (أوليفر وايمان) بعد تفويض مجلس الوزراء، موضحا أن الشركة ستعطي موثوقية عالمية لطريق التنمية تعمل على جذب المستثمرين وإعطاء الخارطة المالية لتنفيذ هذا المشروع.
وعلى الرغم من ذلك، فان أي اتفاق أو مذكرة تفاهم ذات صبغة اقتصادية لا بد من أن تكون محل ترحيب من الجميع، لكن هذا الاتفاق الرباعي يبدو جميلاً بظاهره وصعب التحقيق بجوهره على رغم البيانات المصاحبة لتوقيعه المشيدة بأهميته. والتحديات كبيرة على المستوى المحلي العراقي او على المستوى الاقليمي وهو ما يثير مخاوف من عدم ترجمة هذه المذكرة الى اتفاق تجاري شامل يعزز العلاقات الاقتصادية في المنطقة.
الاشكالية التي تثار اقليميا، هو عدم شمول السعودية والبحرين وتركيا وانضمامهم للاتفاق، على الرغم من ان هذه الدول على طريق التنمية وتسعى، كما هو العراق، الى تعزيز مؤشراتها الاقتصادية وتخفيض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي ومن ثم في الايرادات العامة. ومن جانب اخر، وفيما يخص العربية السعودية، فان العراق والسعودية اسسوا لعلاقات اقتصادية رصينة وشهدت تلك العلاقات تطورا في السنوات الاخيرة بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق. اذ عمل كلا البلدين على تأسيس اطار للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين وهو مجلس التنسيق العراقي السعودي، وهناك تسهيلات كثيرة على مستوى النقل الجوي وتسهيلات السفر للافراد من كلا البلدين. كما ان العربية السعودية وتركيا اعادوا الحياة لعلاقاتهما بعد حادثة الصحفي جمال خاشقجي، وكلاهما بحاجة الى علاقات اقتصادية اكثر متانة وبالتالي علاقاتهما القوية تخدم السلام في المنطقة كونهما من الدول المؤثرة اقليميا ويعدون من الفواعل في المنطقة. وهو ما يندرج ضمن رؤية الحكومة العراقية تجاه احداث المنطقة. كما ان السعودية وفق رؤيتها لعام 2030 ستكون فاعلة في دعم الاستثمارات الاقليمية كونها من الدول التي تملك احد اكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم. وهي بحاجة الى توسيع استثماراتها ويمكن ان تشمل هذه الاستثمارات دول المنطقة ولاسيما العراق.
وعلى الرغم من ان الكويت منشغلة داخليا على المستوى السياسي، لكن العلاقات العراقية الكويتية بحاجة الى اطار علاقات اقتصادية وسياسية تزيح ترسبات الماضي وتزيد من تماسك الشعبين العراقي والكويتي. هذه الاشكالية يمكن تجاوزها طالما ان العراق اعلن ان الباب مفتوح لدول المنطقة للانضمام للمشروع. لذا ينبغي توجيه الدعوة لكل من السعودية والكويت للانضمام الى المشروع ودفعهما الى توجيه استثماراتهما لدعم طريق التنمية.
احد ابرز الاشكاليات الاقليمية الاخرى هي ايران وسلوكها السياسي الخارجي، فهي على جبهة التنافس الجيوسياسي في المنطقة مع تركيا في العراق وسوريا. عليه يمكن ان تعمل على توظيف اذرعها في المنطقة لعرقلة المشروع.
قطر والإمارات طرفان في المشروع وهما دولتان خليجيتان عضوان في مجلس التعاون الخليجي، لكنهما كانتا بالأمس القريب تعيشان حالاً من القطيعة والخصومة السياسية، وانتهت تلك القطيعة من دون ضمانات لعودة تكرارها، ليس بين الدولتين فحسب، ولكن بين دول المجلس الست عموماً، مما قد يتسبب بعرقلة المشروع وتدمير الرؤية المشتركة بين دولهِ.
الامن النسبي والهش في العراق وما يشهده من احداث وتجاوزات على مصالح المستثمرين وفرض الاتاوات يمكن ان يخلق بيئة طاردة للاستثمارات. ولذا تبرز الحاجة الى ضرورة سيادة القانون في البلاد عبر اطار مؤسساتي امني وقضائي حازم. وبما يبعث الاطمئنان لدى الشركات العالمية والمستثمرين الاجانب على مصالحهم في العراق، ولاسيما بعد توجيه الدعوة للشركات العالمية للاستثمار الصناعي والانشائي في مشروعات طريق التنمية.
الاشكالية الاخرى، التنسيق المؤسساتي بين السلطات في العراق امر في غاية الاهمية لدعم المشروع، ولذلك ينبغي ان لا تتردد في دعم المشروع وضمان استدامة التنسيق لدعم المشروع عبر توفر التشريعات والاطر التنظيمية، والسياسات الاقتصادية الواضحة والهادفة لدعم المشروع وجعله اولوية استراتيجية لها عبر توفر التمويل والتخصيصات المالية لترميم البنية التحتية والخدماتية على طول المناطق التي يمر عبرها مشروع طريق التنمية.