على الرغم من تفوق فنزويلا على النرويج في الثروة النفطية لا ان الاخيرة افضل اداءً بشكل عام وعلى مستوى الاقتصاد بشكل خاص.
ففي الوقت الذي تمتلك فنزويلا 303 مليار برميل كأكبر احتياطي نفطي مؤكد، في العالم؛ من احتياطي النرويج البالغ 7.5مليار برميل عام 2023، الا ان النتيجة، لم تكن متماثلة اقتصادياً.
بحكم ان اجمالي الناتج المحلي النرويجي بلغ 593 مليار دولار، وهو أكبر من اجمالي الناتج المحلي الفنزويلي البذي بلغ بحدود 93 مليار دولار عام 2022.
اشكالية السكان
قد يطرح البعض، ان تعداد السكان في النرويج البالغ 5.4 مليون نسمة هو أقل بكثير من تعداد السكان في فنزويلا البالغ 28.3 مليون نسمة عام 2022 حسب بيانات البنك الدولي، فتكون النتيجة طبيعية في ان النرويجيين اكثر ثراءً من الفنزوليين!
يبدو للوهلة الاولى ان اشكالية السكان منطقية، إلا ان ثروة الفنوليين أكبر من ثروة النرويجيين، بحكم ان نصيب المواطن الفنزويلي من الاحتياطي النفطي البالغ 10,706 برميل أكبر من نصيب المواطن النرويجي البالغ 1000 برميل، لكن النرويجيين افضل اقتصادياً.
بحكم ان نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي في النرويج، والبالغ أكثر من 100 الف دولار؛ أكبر بأضعاف نصيب الفرد من اجمالي الناتج في فنزويلا، والبالغ أقل من 4 الاف دولار؛ عام 2022 واذا ما أخذنا العمق التأريخي لنصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي، سنجد نصيب الفرد النرويجي أكبر من الفنزويلي منذ عام 1960 وتتسع الفجوة بينهما سنة بعد أخرى حتى بلغ أكثر من 25 ضعفاً عام 2022 كما اتضح أعلاه.
الموارد لا تكفي لوحدها
هذه المفارقة تعطي دلالة مهمة وهي ان الموارد لا تكفي لوحدها لتحقيق تقدم اقتصادي بل لابد ان تسبقها أو تترافق معها على اقل تقدير عوامل عديدة أهمها نظام الحكم هل هو ديمقراطي ناضج أم دكتاتوري؟
لان النظام الديمقراطي الناضج يمثل القاعدة الاساس لانطلاق المؤسسات وتحقيق اهدافها عكس النظام الديكتاتوري الذي ينخر المؤسسات من الداخل ويجعلها شكلية لا أكثر.
وفي العادة ان المؤسسات المستقلة وسط نظام ديمقراطي ناضج تعمل على تجفيف منابع الفساد وترسيخ الشفافية عكس المؤسسات الشكلية وسط نظام ديكتاتوري حيث تعمل على تأصيل جذور الفساد خدمةً للديكتاتور لان وجودها مرتبط بخدمته.
صنف مؤشر الديمقراطية العالمي الديمقراطية الى اربعة اصناف وهي:
ديمقراطية كاملة والتي تتراوح درجتها بين 8 - 10
ديمقراطية بها خلل والتي تتراوح درجتها بين 6 - 7.9
نظام هجين الذي تتراوح درجته بين 4 - 5.9
نظام تسلطي الذي تتراوح درجته بين 0- 3.9
النرويج والديمقراطية والنفط
ونظراً لامتلاك النرويج تاريخ طويل من التطور الديمقراطي نضجت الديمقراطية بل وصُنفت على انها ديمقراطية كاملة، حيث لم تنخفض درجتها عن 9.75 من 10 طيلة سنوات صدور مؤشر الديمقراطية العالمي من 2006 - 2023.
اسهم نضج الديمقراطية بنشوء مؤسسات فعالة جففت منابع الفساد، حيث تقع النرويج في مراتب متقدمة في مؤشر مدركات الفساد العالمي من 2004(سنة صدور المؤشر) وحتى عام 2023 مما يعني زيادة الشفافية التي لا تسمح بتوظيف النفط بشكل سيء بعيداً عن الاتجاهات المطلوبة.
وبحكم العلاقة العكسية بين الفساد والاقتصاد، تحسن اداء الاقتصاد النرويجي، كما اتضح أعلاه حين بلغ اجمالي الناتج المحلي593 مليار دولار، نظراً لمساهمة الشفافية في منع التوظيف السيء للنفط بل وعملت على توظيفه بما يخدم حماية الاقتصاد وتطويره.
فنزويلا والاستبداد والنفط
وفي المقابل نلاحظ ان تاريخ الديمقراطية في فنزويلا كان سيئاً وبمرور الزمن أخذت تنحدر للأسوء حتى دخلت في مرحلة الاستبداد، حيث انخفضت درجتها من 5.42 عام 2006( تصنيف النظام الهجين) إلى 2.31 من 10 ( تصنيف النظام التسلطي)عام 2023 حسب مؤشر الديمقراطي العالمي.
ان سيادة الاستبداد يعني ضعف المؤسسات وانخفاض الشفافية وزيادة الفساد واحتلالها(فنزويلا) موقع الصدارة في حجم الفساد طيلة سنوات صدور مؤشر مدركات الفساد العالمي من 2012 وحتى 2023 والذي يؤثر سلباً على توظيف النفط واداء الاقتصاد بشكل عام.
ان وجود الفساد يعني توظيف النفط بشكل سيء بعيداً عن الاتجاهات التنموية وهذا ما يسهم في تدهور البنية التحتية وضعف بيئة الاعمال، ويعطي صورة سلبية عن البلد وانخفاض الاستثمار الاجنبي والنتيجة عدم تطور الاقتصاد الفنزويلي كما اتضح أعلاه حين بلغ اجمالي الناتج المحلي 93 مليار دولار.
باختصار، ان النفط ينعكس على الاقتصاد حسب نظام الحكم وطبيعة المؤسسات، أي ينعكس ايجابياً اذا ما توفرت ديمقراطية ناضجة ومؤسسات فعالة، كما هو حال النرويج؛ وسلبياً إذا ما كان نظام الحكم استبدادياً اوديمقراطياً شكلياً مع ضعف المؤسسات، كما هو حال فنزويلا.
العراق والنفط ونظام الحكم
يمتلك العراق ثروة نفطية كبيرة، تقدر بأكثر من 145 مليار برميل كأحتياطي نفطي مؤكد، هل اسهمت هذه الثروة في حماية الاقتصاد وتطويره؟
كما ذكرنا أعلاه، ان انعكاس النفط على الاقتصاد يكون مرهون بنظام الحكم والمؤسسات، وبهذا الصدد مر العراق بنظام الاستبداد قبل 2003، مما يعني خطف المؤسسات من اداء دورها بشكل حيادي بعيداً عن الضغوط والنتيجة عدم توظيف النفط في خدمة الاقتصاد وتقويته.
وبعد عام 2003 انتقل للديمقراطية لكن هذه الديمقراطية لم تكُن ناضجة بما يكفي، بل وانها سائرة نحو مرحلة النظام التسلطي حسب مؤشر الديمقراطية العالمي، حيث لم تتجاوز درجة العراق 4.30 من 10 في احسن احوالها وفي السنوات الاخيرة انخفضت وصولاً الى 2.88 من 10 عام 2023 وهي مرحلة الاستبداد مما يعني ان الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية شكلية.
وبما ان الديمقراطية شكلية سيكون دور المؤسسات ضعيف وهذا ما انعكس على حجم الفساد، ورغم التحسن النسبي في مؤشر مدركات الفساد العالمي إلا انه لازال يحتل مراتب متقدمة حيث يحتل المرتبة 154 من أصل 180 دولة عام 2023.
ان شكلية الديمقراطية وضعف المؤسسات دفعا لعدم توظيف النفط وفق الاتجاهات المطلوبة واستمرار استشراء الفساد في مفاصل الدولة ونتيجة عدم متانة الاقتصاد العراقي بل انه اقتصاد ضعيف ينهار بأي أزمة.
وفق هذا الحال، ان العراق لا يختلف عن فنزويلا حيث لا يمتلك ديمقراطية ناضجة ولا مؤسسات قوية قادرة على توظيف النفط وفق الاتجاهات المطلوبة؛ والنتيجة انتشار الفساد وضعف الاقتصاد وربما انهياره في أي لحظة.
ولأجل حماية الاقتصاد وتطويره، يتطلب العمل والاستفادة من التجرية النرويجية في كيفية تنضيج الديمقراطية وتقوية المؤسسات لأجل تعزيز الشفافية وتجفيف منابع الفساد وتوظيف النفط وفق الاتجاهات المطلوبة وبما يخدم الاقتصاد تطويراً وحمايةً.
مصدر تم الاعتماد عليها
1 - البنك الدولي.
2 - منظمة أوبك.
3 - منظمة الشفافية الدولية.
4 - وحدة الاستخبارات الاقتصادية، تقرير مؤشر الديمقراطية العالمي 2023 “عصر الصراع”، ص18- 20.