صدر عن صندوق النقد العربي تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023. هناك تحديات تواجه المصارف المركزية والسلطات الرقابية في البلدان العربية تفرض نفسها بقوة امام صانعي السياسات الاقتصادية تمثل بمخاطر تغيرات المناخ، والمخاطر السيبرانية، وارتفاع مديونية الحكومات، ومخاطر ترتبط بخصوصية بعض الدول، ومخاطر تقلبات اسعار الصرف وغيرها.
الدول المصدرة للنفط التي تشمل العراق، الجزائر وليبيا واليمن، وعلى غرار مجموعة الدول المصدرة الاساسية للنفط (المملكة العربية السعودية، الامارات ، قطر، الكويت، عُمان، البحرين)، تستفيد من تحسن مستويات اسعار الطاقة (النفط، والغاز)، ومن المتوقع ان تستفيد دول المجموعة من الاداء القوي في قطاعات الطاقة والخدمات، ومن المحتمل ان تكون هذه التحسينات مدفوعة بتحسن الميزان التجاري وتحويل نمو الناتج المحلي الاجمالي الى القطاعات الاخرى غير النفطية.
بعد الازمة المالية 2008 دأبت المصارف المركزية حول العالم ومنها في المنطقة العربية على اجراء مراجعة شاملة للقوانين والانظمة المنظمة لعملها بهدف توضيح مسؤولياتها خاصة ما يتعلق بالاستقرار المالي، وهو احد اهداف السياسة النقدية وهو ما جاء في قانون البنك المركزي، واصبح احد اهم الاهداف التي تسعى البنوك المركزية لتحقيقها. والبنك المركزي العراقي لم يتأخر عن الامر، اذ جاء في المادة رقم (3) من قانون البنك، ان الاهداف الرئيسة للبنك المركزي العراقي هو (الحفاظ على نظام مالي ثابت يقوم على اساس التنافس في السوق). وطبقا لذلك تم تشكيل قسم الاستقرار المالي في البنك ضمن دائرة الاحصاء والابحاث، واصبح هدف الاستقرار المالي الهدف الاول ضمن استراتيجية البنك المعلنة للمدة 2021 – 2023. واصدر البنك عدة تقارير تخص الاستقرار المالي واخرها تقرير الاستقرار المالي لعام 2022. كما ويصدر البنك المركزي احصائيات توضح المؤشرات المالية والنقدية الرئيسة ومنشورة على موقعه في شبكة المعلومات الدولية.
على صعيد البنية التحتية للنظام المالي، لازالت اجراءات البنك المركزي مستمرة لمعالجة وتطوير البنية التحتية للنظام المالي للمؤسسات المالية والتي لها دور كبير في تحقيق هدف الاستقرار المالي في العراق واتخذ البنك المركزي عدة خطوات واجراءات تهدف الى تحقيق الاستقرار المالي وفقا لقانون البنك والخطة الاستراتيجية له. اذ تم اجراء التسويات الانية الاجمالية وتأسيس نظام استعلام ائتماني عام، ووضع اطار قانوني للرقابة على انظمة الدفع، وادخال خدمات الدفع بواسطة الهاتف النقال، واعتماد رقم الحساب الموحد IBAN واعتماد دليل حوكمة ملزم للمؤسسات المالية وغيرها. كما جاء في تقرير الاستقرار المالي لعام 2022 ان العراق بدأ يعتمد الجباية الالكترونية للرسوم والغرامات من خلال المصارف ومزودي خدمات الدفع الالكتروني المرخصين من قبل البنك المركزي. كذلك وضع خطة استراتيجية تنفذ على مراحل تتضمن عدة مشاريع والهدف منها تطوير البنية التحتية للامن السيبراني وحماية البيانات بكافة مستوياتها وفق احدث التقنيات والتكنولوجيا المتطورة.
التسهيلات الائتمانية استحوذت على المكون الاكبر من موجودات القطاع المصرفي العربي. وارتفعت التسهيلات الائتمانية في معظم الدول العربية باستثناء بعض الدول لعدة اسباب، منها تراجع اسعار صرف العملة المحلية في عدد من الدول، وتحفظ القطاع المصرفي في منح الائتمان في ضوء حالة عدم اليقين التي تشهدها اقتصاداتها وتراجع الطلب على الائتمان نظرا لتراجع حدة ازمة فيروس كورونا بعد عام 2020. وقد شكلت التسهيلات الائتمانية في نهاية عام 2022 حوالي 57 في المائة من اجمالي الموجودات وهذا يدلل على ان البنوك تعتمد على اعمالها الرئيسة المتمثلة بمنح الائتمان. وتتوزع التسهيلات الائتمانية حسب القطاعات ( الافراد، والشركات، والحكومة، والقطاع العام) واستحوذ قطاع الافراد (قروض استهلاكية وسكنية) على 39 في المائة من اجمالي التسهيلات المقدمة من القطاع المصرفي.
واحتلت البنوك العراقية المرتبة الاولى من حيث نمو حجم التسهيلات خلال عام 2022 مقارنة مع نهاية عام 2021 بعدل نمو بلغ 14.3 في المائة، ويعود هذا الارتفاع بشكل رئيس الى نمو حجم التسهيلات الممنوحة للقطاعات الصناعية والخدمية والانشائية.
من جانب اخر، يشغل العراق مرتبة متأخرة جدا في حجم ودائع القطاع المصرفي مقارنة بالدول العربية الاخرى. فقد واصلت ودائع القطاع المصرفي ارتفاعها خلال الفترة 2013 – 2022 حيث بلغ حجم الودائع مقوما بالدولار الامريكي حوالي 2.605 مليار دولار في نهاية عام 2022 في حين بلغت 2.571 مليار دولار عام 2021 وبمعدل نمو بلغ 1.3 %. وهذا يدلل على زيادة ثقة العملاء بالقطاع المصرفي ونجاح سياسة البنوك باجتذاب المزيد من المدخرات، وفضلا عن نجاح وتوسع سياسات الشمول المالي. اما في العراق، فالوضع مختلف تماما بسبب انعدام شبه تام لثقة العملاء بالبنوك، والاجراءات المعقدة المتعمدة في فتح حسابات التوفير والحسابات الجارية والطاردة للمدخرين، فضلا عن بطء كبير في اجراءات الشمول المالي وسط اجراءات تقليدية وعدم اتمته البنوك الرئيسة، ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي والامني وعدم وضوح السياسات الاقتصادية والفساد.
استحوذت بنوك دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على 66.3% من اجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي نهاية عام 2022 . وكانت في المقدمة المملكة العربية السعودية اذ بلغ حجم الودائع مقوما بالدولار 612.1 مليار دولار ، وفي الامارات (مقوما بالدولار) 605.1 مليار دولار عام 2022.
اما مؤشر معدل كفاية رأس المال والذي يعد اداة اساسية تعزز قدرة البنوك على تحمل الصدمات المالية والاقتصادية المخاطر المرتفعة. وفي العراق بلغ متوسط نسبة كفاية رأس المال لدى القطاع المصرفي مستوى جيد مقارنة بالدول العربية وللعام السادس على التوالي نظرا لتحقيق البنوك العراقية قيم كبيرة جدا (Outliers) ، اذ بلغت 52.1 في المائة و 34.1 في المائة نهاية عامي 2021 و 2022 على التوالي. علما انها تجاوزت 110 % خلال المدة 2013 – 2019 وذلك لسببين رئيسيين: السبب الاول يعود لترخيص العديد من البنوك التجارية الجديدة في عام 2017 ، والسبب الثاني هو متطلبات البنك المركزي العراقي بخصوص زيادة رأس مال البنوك الخاصة وبذلك احتلت البنوك العراقية المرتبة الاولى في مؤشر متوسط كفاية رأس المال.
اما مؤشر متوسط كفاية رأس المال الاجمالي الى الموجودات المرجحة بالمخاطر في نهاية 2022، فقد حققت البنوك العراقية اعلى نسبة اذ بلغت 30.4%. وهذا المؤشر هو (تُستخدم الأصول المرجحة بالمخاطر لتحديد الحد الأدنى من رأس المال الذي يجب أن يحتفظ به البنك فيما يتعلق بملف مخاطر أنشطة الإقراض والأصول الأخرى. ويتم ذلك من أجل تقليل مخاطر الإعسار وحماية المودعين. كلما زادت المخاطر التي يواجهها البنك، زاد رأس المال الذي يحتاجه. وتعتمد متطلبات رأس المال على تقييم المخاطر لكل نوع من أصول البنك). ومعروف ان الحد الأدنى لنسبة رأس المال إلى الأصول المرجحة بالمخاطر هو 8% بموجب اتفاقية بازل الثانية و10.5% (والتي تتضمن احتياطي حماية بنسبة 2.5%) بموجب اتفاقية بازل 3 . ونسبة كفاية رأس المال المرتفعة هي تلك التي تكون أعلى من الحد الأدنى من متطلبات بازل 2 وبازل 3.
كذلك يلاحظ ان العراق حقق مستوى مرتفع في نسبة التسهيلات غير العاملة (نوع من القروض أو خطوط الائتمان التي يتم تقديمها للشركات دون الحاجة الى ضمانات. على عكس القروض المضمونة المدعومة بأصول محددة، يتم منح التسهيلات الائتمانية غير المضمونة فقط على أساس الجدارة الائتمانية للمقترض وتاريخه المالي.) الى اجمالي التسهيلات الائتمانية في القطاع المصرفي اذ بلغت 18.8 في المائة بسبب ارتفاع التسهيلات الائتمانية غير العاملة لدى البنوك الحكومية والتي تمنح قروض اكبر من البنوك الخاصة، اضافة الى الظروف التي مر بها العراق بعد عام 2014. التي اثرت سلبا على النشاط الاقتصادي بشكل عام وعلى قدرة المقترضين في تسديد القروض لاسيما من القطاع الخاص.
اما مؤشر السيولة، تعد نسبة الاصول السائلة الى اجمالي الاصول من اهم النسب التي تقيس قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها بالاعتماد على اصول عالية الجودة وقابلة للتسييل بشكل اسرع من الاصول الاخرى. وقد واصلت هذه النسبة في الدول العربية ووصلت الى مستويات جيدة. وحققت البنوك العراقية المرتبة الثانية بنسبة بلغت 72.8 في المائة في نهاية عام 2022 وهذه النسبة تحققت لوفرة السيولة النقدية لدى البنوك العراقية والتحفظ في منح الائتمان في ضوء التحديات وظروف عدم اليقين في البلاد.
كذلك يعد هامش الفائدة احد ابرز مؤشرات قياس الكفاءة التشغيلية للبنوك من خلال اعتمادها على تحقيق ايرادات من اعمالها الرئيسة المتمثلة بدورها كوسيط بين المدخرين والمستثمرين. وبعد تداعيات ازمة فيروس كورونا وانعكاسها على الاداء المصرفي العربي، تحسنت نسبة صافي هامش الفائدة الى اجمالي الدخل لدى القطاع المصرفي لتبلغ 68 في المائة في نهاية عام 2022. وكانت النسبة في البنوك العراقية هي الاقل بين الدول العربية اذ بلغت 46 في المائة.
اما معدل العائد على الموجودات، والذي يشير الى كفاءة عملية منح الائتمان، وقدرة القطاع المصرفي على المحافظة على الاصول وتنميتها من خلال تحقيق عوائد مناسبة عليها. حقق العراق نسبة موجبة بلغت 1. 4 في المائة كحال الكثير من الاقتصادات العربية في حين احتلت البنوك السودانية المرتبة الاولى بمعدل 2.5 في المائة والبنوك السعودية في المرتبة الثانية بمعدل بلغ 2.1 في المائة. كذلك لم يحقق العراق معدلات ايجابية كبيرة في معدل العائد على حقوق الملكية.
لم يختلف العراق عن الدول العربية في اقساط التأمين المكتتبة، حيث شكلت اقساط التأمين لدى شركات التأمين العربية اقل من واحد في المائة في سوق التأمين العالمية. ولم يحقق العراق مستوى معتد به في هذا الاطار.
فيما يخص الاسواق المالية، وعلى الرغم من اهمية الاسواق المالية ودورها الكبير في دعم ودفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال تعبئة المخدرات الوطنية وتنمية العادات الادخارية من خلال تشجيع الافراد على استثمار فوائض اموالهم في قنوات ادخارية تؤمن لهم دخلا اضافيا، وتوفر لهم سيولة عند بيع الاسهم العائدة لهم، الا ان سوق الاوراق المالية العراقي والبورصة العراقية لم تحتل اي حيز معين بين بورصات واسواق المال العربية.
لم يحقق العراق اي مستويات تُذكر في مؤشرات اخرى عدة منها (شركات التمويل غير المصرفية، ومؤسسات التمويل الاصغر للأشخاص الذين لا يتمكنون من الحصول على الخدمات المالية من القطاع المصرفي، وغيرها).