القائد السام يمكن وصفه بشكل مباشر بأنه نقيض تام للقائد المفيد أو الناجح، فهناك قادة عظماء خلَّدهم التاريخ لأعمالهم ومنجزاتهم الكبيرة، وهناك قادة على العكس من ذلك، تسببوا بتدمير شعوبهم ودولهم، وأمثلة هؤلاء القادة يعجّ بها التاريخ.
لذا فإن القائد السام في أي مجال كان، سواء كان إداريا أو سياسيا أو ماليا أو عمليا، فإنه يكون حجر عثرة في طريق تقدم المؤسسة أو المنظمة التي يقودها، فهو لديه قدرة هائلة على تدمير العاملين معه، ويمتلك أساليب كثيرة وخبيثة لعرقلة الأداء، فيضع العراقيل أمام العاملين المتميزين، ويفرض عليهم أساليب تقلل من شأنهم ومن أدائهم، وبدلا من أن يكون صانعا للقادة الناجحين، يصبح صانعا للمرؤوسين المتلكّئين.
المشكلة تكمن في شخصية القائد السام المريضة والمعقدة، فهو في الحقيقة نتاج بيئة تربوية فاشلة، نشأت وترعرعت فيها شخصيته، فاعتاد على الغرور والتكبر والشعور بالنقص، وانغرست فيه صفات رديئة مثل الحقد والكراهية والتعالي، وحب الذات، والابتعاد عن التواضع، مضافا إلى كل هذه الصفات هنالك الغباء الذي غالبا ما يرافق شخصية القائد الفاشل الذي يخشى نجاح الآخرين.
هذه المجموعة من الصفات السامة، تشكّل شخصية القائد السام، وتجعل منه سببا رئيسا في عرقلة التقدم إلى أمام، ومثل هؤلاء القادة لا يعنيه التقدم بشيء، فالمهم عنده أن يكون في قمة الهرم، ولا تعنيه مشاكل العاملين معه، ولا رداءة الإنجاز، ولا ضعف الأداء العام، وغالبا ما يكون القائد السام سببا في إضعاف العاملين معه، بل هو الذي يستهدف الجيدين، ويسعى لتحييدهم، ويقابل صفاتهم الجيدة ومنجزاتهم المتميزة بالاستهزاء منهم والتقليل من شأنهم فيكون سببا في تراجعهم بالعمل والأداء.
وبهذا يكون القائد السام عقبة كبيرة أمام تطوير الأداء الفعال في أي مكان يقوده، مما يتحتم على الدولة وعلى المعنيين بتقدمها، أن يرصدوا هؤلاء القادة الفاشلين، ويحاصروهم، ويقللون من تأثيراتهم السلبية الكبيرة على الأداء الفعال للعاملين، لأن وجود القائد السام على رأس المؤسسة يعني فشلها الحتمي، وتدمير العاملين فيها.
ما هو الأداء الفعال؟
حين نسعى لوصف الأداء الفعال، فإنه في الحقيقة فعل يقود نحو الإنجاز المتميز، حيث يكون المرؤوسين في قمة الانضباط، ولديهم قدرات ومهارات فعالة، حيث يتم فسح المجال أمامهم لأداء مهامهم على أفضل وجه، مع وجود المشجعات والتحفيزات والمكافآت، والتقييم الدوري الجيد هذه كلها تدخل في صالح الأداء وتطويره وجعله أكثر فعالية.
لهذا لا يجتمع الأداء الناجح المتميز في بوتقة واحدة مع القائد السام، كونهما نقيضان لبعضهما، فالقائد السام لا يعنيه الأداء الفعال، بل هو أصلا لا يستسيغ هذا النوع من الأداء، لأن جلّ ما يهمه مصلحته الشخصية وتربّعه على قمة الهرم القيادي، مع إسقاط أمراضه النفسية على العاملين، واستهداف المتميزين، وتحييد مواهبهم وتدمير طاقاتهم.
اثار القائد السام
لذا فإن وجود القائد السام على رأس المؤسسة أو المنظمة، أو أي مجال يتطلب الأداء الفعال، يُعدّ من معرقلات الإنجاز، حيث يثير وجوده في أي مكان كان جملة من المشاكل التي تنتهي بالنتيجة إلى منجز رديء ونتائج سلبية تقود المؤسسة أو المنظمة أو حتى الدولة إلى التراجع وقلة الإنجاز، ومن ثم إلى الضعف والانهيار.
من أسوأ ما ينتج عن القائد السام محاربته للمنتجين المتميزين، وترصّد نجاحاتهم، فهو لا يريد لشخص أو عامل أو موظف أو مؤدّي يتفوق في عمله، لأنه يشعر بالغيرة منه، ويخشاه، لذا يسعى بكل الأساليب إلى التقليل من شأن المؤدّين المتميزين، ويحاول أن يقصّ أجنحتهم التي يحلقون بها بألف طريقة وطريقة.
هذا الاستهداف للأداء الجيد، يشكل صفة ملاصقة للقائد السام، مما يثير عواقب كثيرة تنشر الضعف والتردّي في المؤسسة، وتجعل العاملين الجيدين فيها يفكرون بمغادرتها إلى أمكنة أداء أخرى يجدون أنفسهم فيها، فالقائد السام يكون طاردا للطاقات الأدائية الفعالة، وهو لا يرغب بتاتا في صنع قادة متميزين لأنه يخشى منافستهم له.
لذا نجد دائما أن هذا النوع من القادة، لا يسمح بالإنجاز الذي يتفوق على إنجازه، كونه لا يقدم شيئا يفيد الناس، ولا المؤسسة أو المنظمة التي يقودها، لهذا تجده يثير المشاكل والعراقيل، ويحارب الطاقات الجيدة، ويهمّش الفاعلين، ويحاربهم بكل الوسائل النفسية والإدارية، كأن يمنع عنهم المحفزات والاجازات ويضيّق الخناق عليهم، فيجعلهم في حالة من اليأس والانعزال والتراجع في الأداء والإنجاز.
وهذه القضية تشكل خسارة كبيرة في حال تم جمعها على مستوى جماعي يخص الدولة كلها، فكثرة القادة السامين، تعني كثرة الضعف في الأداء الفعال، وتقليل فرص تقدم الدولة إلى أقصى حد، لذا يجب التفكير بجدية كبيرة من قبل المعنيين بالتصدي (للقائد السام)، والسعي لتقليل وجوده، ومحاصرته، وعدم السماح لهذا النوع من القادة بالتزايد والتواجد في المؤسسات المختلفة للدولة.
تحجيم أضرار القائد السام
بعد تبيين مخاطر هذا النوع من القادة، على الدولة والمجتمع، وعلى التقدم بشكل عام، لابد من تقديم رؤية واضحة للعلاج تتضمن خطوات فعلية أو عملية تتصدى لهذه الحالة قبل أن تصبح ظاهرة تعرقل النمو والتقدم إلى أمام، فما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتقليل أو تحجيم أضرار القادة الفاشلين الأنانيين:
- أهم خطوة لمواجهة هذا النوع من القادة سن تشريعات إدارية واضحة وحاسمة وعادلة في نفس الوقت.
- ونتيجة لتطبيق التشريعات الإدارية الجيدة، لا يُسمَح للقائد الأناني الفاشل بالتسلق إلى هرم القيادة الإدارية العليا.
- وضع معايير واضحة للشخص القيادي، تقوم على الخبرة والمؤهلات العلمية، والأداء الناجح.
- إبعاد الواسطات والمحسوبية والحزبية عن المناصب القيادية المهمة.
- التركيز على طبيعة الشخصية القيادية، وضرورة خوضها الاختبار النفسي الذي يثبت سلامتها من الأمراض المعقدة كالإصابة بجنون العظمة مثلا.
- وضع لجان ذات خبرة عالية تكون مهمتها الفرز بين القادة الناجحين والفاشلين، وإبعاد القادة السامين لإتاحة الفرصة لمن يقود بجدارة وجودة عالية.
في النهاية لابد أن نؤكد أن مشكلة هذا النوع من القادة، حقيقة ماثلة في مؤسساتنا وفي دولتنا، وإنكار ذلك لا يغيّر من الواقع، ولا يعالج هذه المشكلة، بل على العكس سوف يزيدها تأثيرا وتعقيدا، فالاعتراف يقودنا إلى المعالجة، لذا في ضوء ما تم طرحه في هذا المقال، نأمل من الجهات ذات العلاقة أن تتنبه لهذه المشكلة الإدارية حتى تتوفر أمامنا فرص أكثر للتقدم إلى أمام.