على الرغم من امتلاك العراق ثروة نفطية كبيرة، إلا إنها لم تنعكس بشكل حقيقي اقتصادياً واجتماعياً وذلك لضعف ادارة الثروة النفطية بالشكل السليم.
ارقام نفطية
حيث يمتلك أكثر من 145 مليار برميل كاحتياطي نفطي، جعله يحتل المرتبة الرابعة عالمياً، بعد كل من فنزويلا(303 مليار برميل) والسعودية(267 مليار برميل) وايران(208 مليار برميل) عام 2022 .
كما وينتج أكثر من 4.4 مليون برميل يومياً، جعله يحتل المرتبة الرابعة عالمياً ايضاً بعد كل من امريكا(أكثر من 11.8 مليون برميل يومياً) والسعودية(أكثر من 10.5 مليون برميل) وروسيا(أكثر من 9.7 مليون برميل) عام 2022.
ويُصدّر أكثر من 3.7 مليون برميل يومياً، جعله يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد كل من السعودية(7.3 مليون برميل يومياً) وروسيا(أكثر من 4.7 مليون برميل يومياً) عام 2022 حسب بيانات أوبك.
هذه الارقام تعكس مدى أهمية العراق على مستوى الطاقة العالمي، كونه يقع ضمن اول خمسة دول عالمياً من حيث الاحتياطي والانتاج والتصدير النفطي.
حقائق اقتصادية
الدولة تهيمن على الاقتصاد بحكم هيمنتها على النفط بشكل كامل من ناحية، وانسحابها من بقية القطاعات الاقتصادية مع بقاءها ممسكة بأغلب عناصر الانتاج وأهمها الاموال والارض بعد عام 2003 من ناحية أخرى.
نظراً لاعتماد الناتج المحلي الاجمالي على النفط بشكل كبير، بنسبة 57%(بناءً على بيانات تقديرية فصليّة للبنك المركزي العراقي) عام 2022، لذلك يفتقد الناتج المحلي الاجمالي للمتانة والاستدامة والاستقرار.
تذبذب النمو الاقتصادي وعدم شموليته، بحكم اعتماده بالدرجة الاساس على النفط الذي تتحدد اسعاره في الاسواق الدولية، ولم يُشارك الجميع في تحقيقه لذلك لم يشمل الجميع نظراً لعدم وجود نظام اقتصادي فاعل.
اختلال الموازنة العامة، حيث دائماً ما تكون النفقات العامة أكبر من الايرادات العامة وحصول العجز، واختلال هيكل النفقات (التشغيلية- بحدود 70%- أكبر من الاستثمارية- بحدود 30%-)وهيكل الايرادات ( النفطية- بحدود 90%- أكبر من غير النفطية- بحدود 20%-).
اختلال التجارة الخارجية، حيث دائماً ما تعاني التجارة الخارجية من تركّز الصادرات وخصوصاً السلعية والنفطية على وجه التحديد بحيص تصل الى 99% من الصادرات السلعية، وتنوع الاستيرادات بحيث يستورد أغلب ما يحتاجه المجتمع.
اثار اجتماعية
ثقافة ريعية، حيث اسهم الاعتماد على النفط في خلق ثقافة ريعية لدى المجتمع، لان الاقتصاد الريعي الذي تديره الدولة؛ يجعل المجتمع يبتعد عن المبادرة والانتاجية باتجاه الراحة والاتكالية، والدليل استمرار التوظيف في وزارات الدولة التي وصل عدد العاملين فيها (4،074،697 موظف) من جانب وتوسع الاعداد المستفيدة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليصل الى أكثر من 7 مليون مستفيد حسب ما منشور على موقع الوزارة من جانب آخر.
البطالة، نظراً لاعتبار الصناعة النفطية كثيفة راس المال لا كثيفة العمل، واعتماد العراق على النفط بشكل كبير، كما اتضح أعلاه؛ بالتزامن مع زيادة اعداد القوى العاملة الداخلة لسوق العمل، وضعف الاقتصاد على توفير فرص العمل، لذلك اصبح البطالة مرتفعة تشكل 15% من القوى العاملة عام 2022 حسب بيانات البنك الدولي.
النزوح، ان زيادة الاعتماد على النفط دون الاهتمام بالتنمية الريفية في ظل زيادة آثار تغير المناخ، يعني زيادة النزوح من الريف الى المدينة، ففي نهاية عام 2021، سجلت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 20 ألف شخص نازح بسبب ندرة المياه (في 10 محافظات فقط من أصل 19 محافظة عراقية)، وارتفاع الملوحة، وسوء نوعية المياه في جميع أنحاء العراق، حسب ما نقلته الامم المتحدة.
اختفاء الطبقة الوسطى، في ظل هيمنة الدولة على النفط والاقتصاد من جانب وانسحابها من النشاط الاقتصادي مع امساكها بعناصر الانتاج بالتزامن مع شيوع الفساد وضعف بيئة الاعمال، أخذت الطبقة الوسطى تتلاشى وتنزلق لتزيد من قاعدة الطبقة الدنيا في حين اصبحت الطبقة الغنية أكثر تركزاً.
زيادة الانحرافات، ان عدم وجود اقتصاد آمن للناس، يدفعهم لدائرة الفقر والقلق، فتكون النتيجة زيادة الانحرافات الفكرية والسلوكية كالانتحار والطلاق وتعاطي المخدرات والاتجار بها والتسول وزيادة الخلافات العائلية وغيرها.
يتضح مما سبق ان الثروة النفطية لم تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، مما يتطلب إعادة النظر بالثروة النفطية بما بضمن انعكاسها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي بشكل حقيقي.
اعادة النظر بإدارة النفط
في ظل تفاقم الاثار الاجتماعية التي اتضحت أعلاه، نتيجة للحقائق الاقتصادية التي اتضحت أعلاه ايضاً، يُفترض اعادة النظر بالثروة النفطية بالشكل الذي يسهم في تغيير الحقائق الاقتصادية لأجل تلافي ظهور الاثار الاجتماعية.
خصوصاً في ظل اعتبار الدستور العراقي 2005 في المادة 111 ان "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات" أي لا بد من العمل على ترجمة الثروة النفطية بشكل حقيقي على ارض الواقع وذلك من خلال:
اعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد بما ينسجم مع التوجه الجديد مع الاحتفاظ بالدور التنموي والاشرافي لضمان سير اداء الاقتصاد وفق المطلوب.
فتح الباب امام القطاع الخاص ليأخذ دوره في الاقتصاد وذلك من خلال محاربة ومكافحة الفساد وتهيئة بيئة الاعمال الجاذبة.
تبني سياسات اقتصادية تسهم في تنويع الاقتصاد ومتانة النمو واستدامته وشموليته ومعالجة الاختلال المالي والتجاري لتجنب الضعف والتذبذب.
العمل على تصميم نظام جديد(شركة اسهم مثلاً) لإدارة الثروة النفطية بما يسهم في انعكاسها اقتصادياً واجتماعياً بشكل حقيقي بعيداً عن الدولة لان الشعب هو المالك الحقيقي لها وليس الدولة.
الاهتمام بالتنمية الريفية لأجل تثبيت السكان في الريف وتجنب نزوحهم للمدن وهذا ما يقلل من الضغط على الخدمات في المدينة.
وضع خطة استراتيجية للشباب تعمل على تطوير مهاراتهم الفكرية والمهنية وبما ينسجم مع متطلبات سوق العمل لتقليل البطالة.
توجيه الاعلام بما يسهم في زرع ثقافة المبادرة الفردية وتقديس العمل وزيادة الانتاجية دون التأثير على الاخرين بشكل سلبي( أي ان يكون العمل مشروع، أن لا يؤثر على البيئة، ان يكون وسيلة لا هدف).
يمكن القول، ان العمل على هذه النقاط قد يسهم في انعكاس الثروة النفطية على الاقتصاد والمجتمع بشكل حقيقي وهذا هو المطلوب.