الفساد والقطاع العام والخاص

هناك علاقة وثيقة بين الفساد والقطاع العام من جانب والفساد والقطاع الخاص من جانب آخر، تنعكس بشكل وآخر على اداء الاقتصاد.   

ينطلق هذا المقال من فرضية مفادها ان الفساد يسير بشكل طردي مع القطاع العام وبشكل عكسي مع القطاع الخاص، وبالنتيجة يكون الاقتصاد اسوء اداءً مع الاولى وأفضل اداءً مع الثانية.

هذه الفرضية سيتم اثباتها او نفيها من خلال نقطتين الاولى تتعلق بطرق ادارة المال والثانية الحرية الاقتصادية والفساد في الدول.

اولاً: طرق ادارة المال

هناك اربعة طرق لإدارة المال كما حددها الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان، حيث صنفها على اساس الملكية والانفاق وفق معيار حجم الاقتصاد والمنفعة وكما يلي:

الطريق الاول:

 ملكية المال تعود للفرد وينفقه على نفسه، في هذه الحالة سيحرص الفرد على تحقيق أكبر قدر من النفع مقابل اقل قدر من الانفاق.

الطريقة الثانية:

 ملكية المال تعود للفرد ولكن ينفقه على آخرين، في هذه الحالة سيحرص الفرد على ضغط الانفاق أكبر قدر ممكن دون الاهتمام بالنفع الذي سيحصل عليه الاخرين نتيجة الانفاق.

الطريقة الثالثة:

 ملكية المال لا تعود للفرد ولكن ينفقه على نفسه، في هذه الحالة سيحرص الفرد على تحقيق أكبر قدر من النفع دون الاهتمام بحجم الانفاق الذي سينفقه.

الطريقة الرابعة:

 ملكية المال لا تعود للفرد وينفقه على الاخرين، في هذه الحالة، وهي عكس الاولى؛ لا يحرص الفرد على تحقيق أكبر قدر من النفع مقابل أقل قدر من الانفاق.

الفساد طردي والدولة وعكسي والفرد

في العادة ان القطاع الخاص، افراد وشركات؛ يعمل على ادارة امواله وفق الطريقة الاولى لان ملكية الاموال تعود اليه وينفقها على نفسها، وان أي محاولة لإفساد عملية الانفاق من خلال عدم الاهتمام بحجم الانفاق وعدم السعي لتحقيق أكبر قدر من النفع، سيخسر هو بالدرجة الاولى لا غيره، لذلك هو حريص كل الحرص لتحقيق أكبر نفع من عملية الانفاق بأقل حجم من الانفاق.

والعكس بالنسبة للدولة والقطاع العام، فهي تعمل على ادارة اموالها وفق الطريقة الرابعة، حيث لا تعود ملكية الاموال لها كما تعود لملكية القطاع الخاص، كما لا تهتم بالمنفعة التي تحققها كما يهتم القطاع الخاص، لذلك لا يمكن ان تكون الدولة والقطاع العام حريصة على تحقيق أكبر نفع ممكن بأقل إنفاق ممكن كما هو حال القطاع الخاص.

بمعنى ان الدولة والقطاع العام يُمكن ان تنفق الاموال بعيداً عن معيار "أكبر نفع ممكن بأقل إنفاق ممكن" وهذا يدخل ضمن اطار هدر الاموال الذي يمثل يشكل من اشكال الفساد، في حين لا يُمكن للقطاع الخاص ان يعمل ذلك، ومن هنا يُمكن القول، ان الفساد يسير بشكل طردي مع القطاع العام وبشكل عكسي مع القطاع الخاص.

ثانياً: الحرية الاقتصادية والفساد 

إذ هناك علاقة وثيقة بين الحرية الاقتصادية والفساد لان الحرية الاقتصادية تعني احترام الملكية الخاصة وفتح الباب أمام القطاع الخاص لممارسة النشاط الاقتصادي، فلكما تكون الحرية الاقتصادية أكبر يكون اداء القطاع الخاص اكبر وهنا نعود لفرضية المقال بان الفساد يسير بشكل عكسي مع القطاع الخاص والعكس صحيح.

بمعنى كلما تكون الحرية الاقتصادية أقل يعني انخفاض دور القطاع الخاص وزيادة دور الدولة والقطاع العام في الاقتصاد وزيادة الفساد وتتحقق فرضية المقال ايضاً بان الفساد يسير بشكل طردي مع الدولة والقطاع العام. لذلك فالعلاقة وثيقة بين الحرية الاقتصادية والفساد والقطاع العام والخاص.

ويمكن ملاحظة ذلك في الواقع، أي ان الدول التي تحتل مرتبة متقدمة في الحرية الاقتصادية في الغالب هي ذاتها تحتل مرتبة متأخرة في الفساد، والعكس صحيح أي ان الدولة التي تحتل مرتبة متأخرة في الحرية الاقتصادية في الغالب هي ذاتها تحتل مراتبة مرتفعة في الفساد.

فعلى سبيل المثال لا الحصر نلاحظ، ان سويسرا تحتل المرتبة الثانية عالمياً  من بين 179 في مؤشر الحرية الاقتصادية عام 2022  (1) وفي الوقت ذاته تحتل مرتبة جيدة وهي السابعة عالمياً من بين 180 دولة على مستوى تقدم الشفافية وتراجع الفساد (2).

وفي المقابل نلاحظ ان كوريا الشمالية على سبيل المثال لا الحصر تحتل المرتبة الاخيرة في الحرية الاقتصادية عام 2022 فيما تحتل مرتبة متقدمة على مستوى تراجع الشفافية وتقدم الفساد وهي 171 من أصل 180 دولة من العام ذاته، بمعنى ان تسعة دول فقط تسبقها من حيث التوغل في الفساد.

تبين مما تقدم ان الدولة التي تجعل ملكية الاموال للقطاع الخاص وينفقها على نفسه كما هو حال سويسرا أفضل حالاً من حيث الفساد وتأثيره على اداء الاقتصاد، من الدولة التي تهيمن على الاموال وتنفقها على غيرها كما هو حال كوريا الشمالية.

الفساد والعراق

وفيما يخص العراق، ونظراً لإجراء التحول الاقتصادي عام 2003 من الدولة الى القطاع الخاص، وان هذا التحول لم يجري بشكل سلس بسبب عدم تهيئة الظروف المناسبة له، فتعثر التحول وأخذ الفساد يتزايد في أغلب مفاصل الدولة.

بمعنى ان الفساد لم يكن سبب لتعثر التحول الاقتصادي بقدر ما كان الامر معكوس تماماً، أي ان الفساد كان نتيجة لعدم اجراء التحول السليم فظهر الفساد، واخذ الجميع يهاجم الفساد دون إدراك هذه الحقيقة التي لا يُمكن اغفالها بأي حال من الاحوال.

فالعلاج يبدأ من خلال إدراك هذه الحقيقة اولاً ثم العمل على تبسيط اجراءات التحول السليم وفسح المجال امام القطاع الخاص وتوفير كل ما من شأنه أن يُشجع القطاع الخاص ويحفزه على النشاط الاقتصادي وعند هذه اللحظة سيبدأ الفساد باتجاه التضاؤل شيئاً فشيئاً.

ويقتصر دور الدولة والقطاع العام على الوظائف التقليدية والقطاعات الاستراتيجية (كالبنية التحتية) التي تمثل القاعدة الاساس التي يقوم عليها القطاع الخاص فضلاً عن الدور الاشرافي لضمان عدم انفلات القطاع الخاص بعيداً عن الدور المقبول.

 

مصادر تم الاعتماد عليها

1  - مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة التراث، واشنطن، متاح على الرابط أدناه.

https://indexdotnet.azurewebsites.net/index/ranking

2  - مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، متاح على الرابط أدناه.

https://www.transparency.org/en/cpi/2022/index/sgp

التعليقات
تغيير الرمز