هناك علاقة وثيقة بين الدينار العراقي والدولار النفطي، نظرا لاعتماد الاقتصاد العراقي على النفط من ناحية وتقويم النفط العراقي بالدولار الامريكي من ناحية أخرى.
المؤشرات الذاتية للقطاع النفطي
حيث يعتمد الاقتصاد العراقي في اغلب مؤشراته على النفط، بحكم امتلاكه احتياطي نفطي كبير (145 مليار برميل) جعله يحتل المرتبة الرابعة عالمياً، والثالثة اقليمياً، والثانية عربياً.
كذلك يحتل المرتبة الرابعة عالمياً على مستوى الانتاج بعد كل من امريكا (11 مليون برميل يومياً) والسعودية(10) وروسيا(9) والعراق (4 مليون برميل) عام 2022.
وعلى مستوى التصدير يحتل العراق المرتبة الثالثة عالمياً بعد السعودية (7 مليون برميل يومياً) وروسيا (4 مليون برميل يومياً)، ثم يأتي العراق ليُصدّر (3 مليون برميل يومياً) عام 2022 حسب بيانات منظمة اوبك.
هذه المؤشرات الذاتية للقطاع النفطي في العراق (الاحتياطي، الانتاج، التصدير) القت بظلالها على الاقتصاد العراقي في ظل غياب أو ضعف المؤسسات وأصبح النفط هوية الاقتصاد العراقي البارزة.
القطاع النفطي والمؤشرات الاقتصادية
يُعد الناتج المحلي الاجمالي اهم المؤشرات الاقتصادية، كونه يعطي صورة عن طبيعة تكوين الاقتصاد، حيث شكَّل قطاع التعدين والمقالع بضمنه قطاع النفط النسبة الاكبر وهي 56% في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، في الربع الثالث من عام 2022، مقابل محدودية اهمية النشاطات الاخرى فيه، وخصوصاً قطاع الزراعة والغابات وصيد الاسماك (بنسبة 1.5%) والصناعة التحويلية (2.26%)؛ مما يعطي دلالة واضحة على هيمنة القطاع النفطي على الناتج المحلي الاجمالي.
كذلك الحال بالنسبة للإيرادات النفطية ونسبتها في الايرادات العامة، ففي الوقت الذي تشكل الايرادات النفطية ما نسبته 96.07%، لم تشكل الايرادات الاخرى سوى 3.39% من الايرادات العامة في الربع الثالث من عام 2022، مما يعني ان الايرادات النفطية تمثل العمود الفقري للإيرادات العامة.
لا يختلف الامر بالنسبة لمؤشر الصادرات، بل وأكثر؛ حيث هيمنت الصادرات النفطية على هيكل الصادرات، إذ شكّلت الصادرات النفطية 99.2%( النفط الخام 96.52%، المنتجات النفطية 3.40%) فيما لم تشكل الصادرات الاخرى سوى نسبة ضئيلة جداً 0.08% من الصادرات في الربع الثالث من عام 2022، حسب بيانات البنك المركزي العراقي.
ونظراً، لهيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد العراقي، وعدم توظيفه بما يخدم التنويع الاقتصادي، إضافةً لتنويع ونمو الاستيرادات وبالخصوص الاستهلاكية لتشكل أكبر معدل نمو وبنسبة 22.81% في الربع الثالث من عام 2022 مقارنة بالفصل الثالث لعام 2021، أصبح الاقتصاد العراقي احادي الجانب وتابع ومتذبذب وغير مستدام (اقتصاد ضعيف)، حيث احتل العراق مرتبة متأخرة وهي 15 من أصل 17 دولة للمدة (2018-2021) في تقرير تنافسية الاقتصادات العربية الصادر عن صندوق النقد العربي.
من اين تأتي قوة الدينار العراقي؟
بشكل عام، ان القاعدة الاساسية لقوة العملة تأتي من قوة الاقتصاد، فالعملة تستمد قوتها من الاقتصاد وليس العكس.
بمعنى اوضح، ان الاقتصاد القوي القادر على انتاج السلع والخدمات بكلف اقل وبنوعية أفضل، وزيادة الاقبال والطلب عليه؛ سيزداد الطلب على عملته وترتفع قيمتها وقوتها، والعكس صحيح.
اي ان الاقتصاد الضعيف هو الذي ينتح السلع والخدمات بكلف أكبر وبنوعية اقل، وانخفاض الاقبال والطلب عليه؛ سيقل الطلب على عملته وتنخفض قيمتها وقوتها.
في ظل هذه القاعدة، من أين تأتي قوة الدينار العراقي وان الاقتصاد العراقي اقتصاد ضعيف كما اتضح اعلاه؟
ان قوة الدينار العراقي لم تأتي من صميم الاقتصاد العراقي لأنه اقتصاد ضعيف بالأساس، هذه نقطة مفروغٌ منها، ونظراً لأهمية النفط في الاقتصاد العالمي وزيادة الطلب عليه وامتلاك العراق كميات كبيرة منه، ويعمل على الانتاج والتصدير، كما اتضح في المؤشرات الذاتية للقطاع النفطي، أصبح لهذه النقطة الدور الاكبر في دعم الدينار العراقي.
وفي هذا السياق، ان بيع النفط العراقي بالدولار الامريكي له دور كبير، ايضاً؛ في دعم الدينار العراقي، نظراً لاعتباره العملة الأكثر قبولاً وانتشاراً في الاقتصاد العالمي، وان زيادة كمية الانتاج والتصدير النفطي الى جانب ارتفاع اسعار النفط يعني زيادة كمية الدولارات النفطية الداخلة للاقتصاد العراقي وزيادة الطلب (المُصطنع من قبل البنك المركزي) على الدينار العراقي وزيادة قيمته وقوته!
باختصار، ان الدينار العراقي يستمد قوته من الدولار النفطي وليس من ذات الاقتصاد العراقي، نظراً لضعف واعتماد الاقتصاد العراقي على النفط من جانب وتقويم النفط العراقي بالدولار الامريكي من جانب آخر.
مما يُمكن القول، كما ان الاقتصاد العراقي ضعيف بحكم احاديته وتبعيته وتذبذبه وعدم استدامته، ان الدينار العراقي ايضاً ضعيف بحكم ان قيمته لم تكُن نابعة من ذاته واقتصاده بل مستمدة من ارتباطه بالنفط والدولار وان القوة التي يتمتع بها ما هي إلا قوة وهمية وليس حقيقية تعبر عن ذات الاقتصاد العراقي.
النفط لتقوية الاقتصاد
عموماً ولأجل العمل وجعل قوة الدينار العراقي قوة حقيقية مُستمدة من واقع الاقتصاد العراقي لابُد من العمل على تحويل وظيفة النفط من الهيمنة الى الخدمة، من الهيمنة على الاقتصاد الى خدمة الاقتصاد وتقويته من خلال تنويعه، وكذلك تقويم النفط بسلة العملات العالمية.
وان نقطة البداية تكون في توظيف النفط في توفير البنية التحتية بحكم ان النفط ثروة عامة والبنية التحتية تمثل خدمة عامة، وكذلك الاهتمام في اعتماد الحكومة الالكترونية كونها تمثل خدمة عامة ايضاً اضافة الى دورها في تجفيف الفساد الذي يحتل العراق مراتب متقدمة فيه، ويمثل عقبة كبيرة امام انطلاق الاقتصاد العراقي.
ان توفير البنية التحتية واعتماد الحكومة الالكترونية في جميع التعاملات، يعني انخفاض تكاليف الانتاج وسهولة بيئة الاعمال، وهذا ما يزيد من الاقبال والطلب على منتجات وخدمات الاقتصاد العراقي ثم على عملته فترتفع قيمتها وقوتها، وهنا يستمد الدينار العراقي قوته من قوة الاقتصاد العراقي فتكون قوته قوة ذاتية لا مُستمدة من النفط والدولار كما اتضح انفاً.