في سياق العقوبات الاقتصادية الدولية، وبعد شهور من الجدل حول اليات تقليص الايرادات النفطية الروسية، وافق الاتحاد الأوربي على مقترح مجموعة الدول السبعة المتضمن تحديد سعر (60) دولارا للبرميل كسقف اعلى للنفط الروسي، في محاولة لاستنزاف مصدر تمويل روسيا لحربها ضد أوكرانيا. تزامن ذلك مع دخول الحظر، الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام الروسي في يونيو/تموز الماضي، حيز التنفيذ بدءا من يوم الاثنين الماضي (5 ديسمبر/كانون الأول)، مع استثناءات محددة. ومن المتوقع أن يعقب حظر واردات النفط الروسية، الذي بدأ تفعيله بالتزامن مع وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي المنقول بحرا، حظرا للمشتقات النفطية في فبراير/شباط من العام المقبل. ويسمح القرار الأوروبي للشحنات المنقولة بحرا بالتمتع بالخدمات البحرية طالما التزمت بسقف السعر المحدد في نطاق (60) دولارًا للبرميل، بينما تطال العقوبات عمليات النقل والخدمات البحرية للشحنات المنقولة بما يفوق السقف السعري المحدد من قبل الائتلاف.
الاتفاق الاوربي وتحركات الاسواق
زاد الاتفاق الاوربي من ضبابية الافاق السعرية لأسواق النفط العالمية نتيجة تشابك العوامل المحركة للأسعار والترقب لردود فعل تحالف "اوبك+" الذي توعد في اجتماعه الاخير بمراقبة الاسواق عن كثب والحيلولة دون تراجع الاسعار خارج المديات التوازنية للأسواق. ورغم توقعات عديدة سبقت سريان تنفيذ القرار بإمكانية صعود الاسعار نتيجة تلويح روسيا تجميد الصادرات النفطية في حال فرض سقف سعري على نفوطها دون معدلات الاسعار الجارية، الا ان ترجيح احتمالات الركود الاقتصادي العالمي والإغلاق في الصين، زاد من مخاطر ضعف الطلب العالمي وقلص فرص ارتفاع الاسعار حاليا. وتطرح روسيا عدة خيارات للالتفاف على الحضر والسقف السعري في ان واحد، منها، الاستمرار في بيع النفط عبر أسطول الظل الذي أمنته روسيا لنفسها لتصدير نفوطها في حال تنفيذ العقوبات الاوربية. او تمكن شركات التكرير في الصين والهند، أو دول أخرى تسعى إلى الحصول على النفط الروسي في الأسابيع والأشهر المقبلة، من الوصول إلى خدمات الشحن والتأمين من الشركات في روسيا أو بلدانها أو الوسطاء التجاريين أو المؤسسات في دول ثالثة. او تقليص الانتاج، كما اشار ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي مؤخرا، بنسبة تتراوح ما بين (5-6 %)، أي خفض إنتاج النفط الروسي بما يتراوح (500 -700 ألف برميل يوميًا)، بدءًا من مطلع العام المقبل (2023) ردا على سقف الاسعار. وقد ارتفعت أسعار نفط برنت الى اكثر من (83) دولار للبرميل بعد اعلان روسيا امكانية خفض انتاج النفط. ويتوقع ان تتراجع صادرات روسيا من نفط الى قرابة (20%) في كانون الاول/ ديسمبر مقارنة بالصادرات الروسية لشهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، بسبب سريان العقوبات الاوربية على النفط الروسي.
وتعد روسيا من كبار المنتجين للنفط الخام عالميا وبصادرات تقارب (8) مليون برميل يوميا، معظمها تصدر بحرا، والباقي عبر انابيب. مؤخرا وبسبب العقوبات الاوربية تحاول موسكو احلال المصافي الاسيوية (الصين والهند بشكل خاص)، محل المصافي الاوربية عبر توجيه النفط الروسي الى اسيا بأسعار تميزية. ويعني ذلك امكانية ايجاد منافذ جديدة للنفط الروسي رغم العقوبات المفروضة، وهو ما يضعف سيناريو خفض الانتاج والتصدير الروسي للنفط كرد على العقوبات الدولية، وبالتالي لن تخشى الاسواق كثيرا من ضعف الامدادات. مما يجعل ارتباط الاسعار بالطلب العالمي على النفط من جهة واستجابة تحالف "اوبك+" اذا ما استمرت الاسعار بالتراجع من جهة اخرى. مع ذلك، قد يكون للعقوبات الاوربية على النفط الروسي تداعيات غير سعرية على البلدان المنتجة للنفط، وتحديدا السعودية والعراق، نظرا لتنافس هذه الدول على المستهلك الاسيوي (الصين والهند بشكل خاص)، مما يثير تحدي اخر للدول النفطية، يتعلق هذه المرة بتسويق الصادرات النفطية بانسيابية وضمان اسواق ومصافي تستوعب نفوط العراق والخليج.
وبالنسبة للعراق، يجب مراعاة واقع اسواق الطاقة والتركيز على اتفاقات وشراكات دولية جديدة لضمان تسويق الصادرات النفطية وتجنب معضلة ضيق الاسواق التي قد تنشأ قريبا بسبب اعادة تشكيل خارطة الطاقة دوليا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. كما يجب ان تراعي الحكومة العراقية تقلبات اسعار النفط العالمية واتساع مديات التذبذب السعري بسبب اللايقين وضعف افاق الاقتصاد العالمي، عبر اختيار سعر متحفظ لبرميل النفط في الموازنة الاتحادية 2023، وتشديد الضبط المالي لتفادي ضغوط التمويل المعتادة في سنوات الانحسار النفطي.