بعد تصاعد اسعار النفط إثر الحرب الروسية-الاوكرانية بالتزامن مع بداية انتعاش الاقتصاد بعد تخفيف قيود الاغلاق، ارتفعت الايرادات النفطية للدول النفطية بما فيها العراق.
نجم عن ارتفاع الايرادات النفطية فائض مالي في خزينة الدولة دفع الكثير، من المتخصصين وغيرهم؛ إلى طرح السؤال أين يفترض أن يتم صرف هذا الفائض؟
تعددت الآراء بهذا الخصوص، لكنها في المجمل لا تتجاوز اربعة آراء، وهي توزيعها على الموطنين، سداد الديون، انشاء صندوق سيادي، اعمار البنية التحتية.
توزيعها على المواطنين
يستند أصحاب الرأي الأول لدافعين:
أولها، لتعويض اثار ارتفاع سعر الصرف الذي أقدمت الحكومة عليه في نهاية عام 2020، والذي أدى لارتفاع التضخم، ولو بنسب متدنية؛ الذي زاد من معاناة الواقع المعاشي للمواطنين.
ثانيها، لتأمين الأمن الغذائي، إذ تسببت الحرب الروسية-الاوكرانية في تعثر المواد الغذائية وبالخصوص الحنطة، في الوقت الذي تحتل فيه كل من هاتين الدولتين مراتب متقدمة في الحنطة، فتوجيه الفائض المالي نحو دعم البطاقة التموينية سيسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وهذا ما عملت السلطة التشريعية لأجله وتم تشريع قانون الأمن الطارئ للأمن الغذائي.
سداد الديون
ويرى البعض أن يتم توجيه الفائض لسداد الديون الداخلية والخارجية، وذلك لتفادي استمرار خدمتها وبالخصوص الديون الخارجية التي قد تزيد من تبعية العراق للعالم الخارجي اذا ما استمرت، وتحرمه من فرصة الاقتراض مرةً أخرى إذا ما تعرض لأزمة مالية حادّة مستقبلية في ظل فرضية استمرار اعتماده على النفط في تمويل الاقتصاد.
ضعف الاقتصاد الحقيقي
يمكن القول، إن من اسباب ظهور الحاجة لتوزيع الفائض على المواطنين، إضافة إلى سداد الديون الداخلية والخارجية، هو ضعف الاقتصاد الحقيقي، كنتيجة لأسباب خارج إطار هذا المقال.
تسبب ضعف الاقتصاد الحقيقي في انخفاض الايرادات العامة حجماً ومتانةً واضطرار وزارة المالية وبالاتفاق مع البنك المركزي إلى رفع سعر صرف الدولار لتوفير الايرادات اللازمة لموازنة 2021 وارتفاع التضخم وزيادة الاعباء على المواطنين.
تسبب ايضاً؛ في انخفاض الامن الغذائي الذي يرتكز بالأساس على الاقتصاد الحقيقي، مما دفع إلى توجيه الفائض المالي، المتحقق جراء ارتفاع اسعار النفط؛ نحو تحقيق الأمن الغذائي والتخفيف من معاناة المواطنين.
كما تسبب، ضعف الاقتصاد الحقيقي؛ بزيادة المديونية في سنوات سابقة، إذ إن ضعف الاقتصاد الحقيقي يعني عدم قدرة الاقتصاد على تلبية احتياجاته في ظل انخفاض اسعار النفط بشكل حاد، مما دفعه لزيادة الديون من أجل تلبية احتياجاته على أمل تسديدها في وقت لاحق حين ترتفع اسعار النفط كما هو حاصل الآن، مما يعني حرمان الاقتصاد منها وبناءه بالشكل السليم.
انشاء صندوق سيادي
ومن أجل انتشال الاقتصاد العراقي من آثار الهيمنة النفطية، دعا الكثير من المختصين إلى انشاء صندوق سيادي ووضع الفوائض النفطية فيه لتتم ادارتها من خلاله كما هو الحال في البلدان الرائدة في هذا المجال.
إن الدعوة إلى الصندوق السيادي دعوة مهمة لأجل حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية والعمل على تفعيل الاقتصاد الحقيقي، إذ ان استمرار اعتماد الاقتصاد على النفط بشكل استهلاكي لا انتاجي يعني استمرار ضعف الاقتصاد واستمرار تأثره بالصدمات الخارجية.
ولكن تجب الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي كيف يمكن وضع الفوائض النفطية في الصندوق السيادي في ظل تدهور البنية التحتية التي تُعد حجر الأساس في تفعيل الاقتصاد الحقيقي؟
البنية التحتية عامل جذب
حينما يرغب مستثمر ما الاستثمار في أي بلد سينظر لمجموعة مؤشرات من بينها البنية التحتية، ونظراً لما تشكل البنية التحتية من تأثير كبير على ارباح المستثمر، فإنها تلعب دور كبير في تفعيل الاقتصاد الحقيقي.
بمعنى كلما تكون البنية التحتية واسعة الانتشار في عموم البلد وبالنوعية الجيدة كلما تسهم في تدنية تكاليف الانتاج وتكون محفزة للمستثمر على الاستثمار والعكس صحح، بمعنى انها عامل جذب للاستثمار وتفعيل الاقتصاد الحقيقي.
ونظراً لتدهور البنية التحتية في العراق كماً ونوعاً، أصبح الاقتصاد العراقي غير جاذب للاستثمار بل طارد للاستثمارات وذلك بحكم ارتفاع تكاليف الانتاج التي تنعكس بشكل مباشر على الارباح.
البنية التحتية أولى بالفوائض النفطية
إن العمل على توفير البنية التحتية بالكمية والنوعية، ستنعكس على الاقتصاد برمته وتجعله أكثر قوة ومتانة، وذلك من خلال زيادة الانتاج الحقيقي لمختلف القطاعات الاقتصادية بعيداً عن الاحادية النفطية وزيادة الصادرات والايرادات كماً ونوعاً.
جدير بالذكر، ان توفير البنية التحتية ستطال المواطنين جميعاً سواء من حيث استخدامها والاستفادة منها بشكل مباشر أو من خلال توفير فرص العمل وتوليد الدخول.
ونظراً لما تتطلبه البنية التحتية من رؤوس اموال كبيرة وفترة زمنية طويلة لاسترداد راس المال، فالقطاع الخاص لا يفضل الاستثمار بها، لذا تبقى البنية التحتية من مسؤوليات الدولة.
وفي ظل تدهور البنية التحتية في العراق من جانب، وان توفيرها سيعمل على تفعيل الاقتصاد الحقيقي وتقويته وخدمة جميع المواطنين من جانب ثانٍ، هذان الجانبان؛ يحتمان على الدولة توجيه الفوائض النفطية نحو البنية التحتية بل ان هذه الاخيرة تكون أولى بالفوائض النفطية بحكم ان الاخيرة هي للجميع وان توجيهها لتوفير البنية التحتية سيخدم الجميع ايضاً كما أسلفنا.
خلاصة القول
ان توفير البنية التحتية سيسهم في تفعيل الاقتصاد الحقيقي وتقويته، وهذا ما يجعل توجيه الفوائض النفطية نحو البنية التحتية هي الخيار الأولى على الخيارات الأخرى، لان الخيارات الأخرى يمكن تحقيقها بعد تفعيل الاقتصاد الحقيقي لكن لا يمكن تفعيل الأخير في ظل غياب البنية التحتية.