لا تزال التوترات والتقلبات السعرية تهيمن على اسواق النفط العالمية مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثالث، حيث تعاني أسواق النفط غياب الاستقرار وصعوبة التوازن في ظل بيئة تتميز بالتوترات الجيوسياسية تهدد استقرار العرض والطلب على حد السواء. مؤخرا تراجعت اسعار خام برنت الى 101 دولار بعد ان وصلت الى نحو 139 دولار قبل اسابيع، مما يبرز مديات التقلب والاختلال الذي يواجه اسواق النفط العالمية خصوصا بعد توقعات صندوق النقد الدولي بضعف النمو الاقتصادي خلال العام الجاري واستمرار إغلاق المدن في الصين لمكافحة انتشار وباء كورونا مجددا، علاوة على احتمال رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة؛ ما سيضر بالنمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط.
وعلى الرغم من تلقي أسواق النفط الخام دعما صعوديا جراء العقوبات الأوروبية على النفط الروسي وتوقعات انحسار المعروض في ضوء انقطاعات الإمدادات من ليبيا وشح الإنتاج الروسي تأثرا بالعقوبات إلى جانب جهود تحالف "أوبك +" في إجراء زيادات محدودة في الإنتاج، إضافة إلى تراجع المخزونات النفطية. الا ان الإفراج الضخم عن الاحتياطات النفطية الاستراتيجية في الولايات المتحدة والدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، بهدف الحد من ارتفاع الأسعار وتقليص الضغوط التضخمية، ساهم في تراجعت اسعار النفط بشكل لافت خصوصا بعد إعلان الرئيس الأمريكي الإفراج عن مليون برميل يوميا من احتياطي النفط الاستراتيجي على مدى عدة أشهر مع احتمال وصول الحجم الإجمالي إلى (180) مليون برميل وهو ما بدد مخاوف شح المعروض النفطي في الاسواق. الى جانب ذلك اسهم وقع المخاوف من إمكانية تسبب تفشي كوفيد-19 في الصين الى تراجع اسعار النفط نتيجة تراجع الطلب، اذ يتوقع تراجع الطلب على البنزين والديزل ووقود الطائرات في الصين بنسبة (20%) هذا الشهر، ويعادل ذلك انخفاضًا في استهلاك النفط الخام بمقدار (1.2) مليون برميل يوميًا.
تقرير اوبك والاسواق
خفضت منظمة البلدان المصدرة للنفط اوبك توقعاتها لنمو الطلب على النفط في العام الجاري، كما قلّصت تقديرات نمو المعروض النفطي من خارج المنظمة، وسط تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا. وجاءت افاق تقرير اوبك الشهري الاخير بنظرة سلبية للطلب العالمي على النفط، مع توقعات تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، بسبب التطورات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا وتزايد إصابات كورونا في الصين.
آفاق الطلب
خفضت منظمة البلدان المصدرة للنفط في تقريرها الشهري توقعات نمو الاقتصاد العالمي من (4.2%) إلى (3.9%) عام 2022 نتيجة التوترات السياسية والتحديات الاقتصادية المتفاقمة في العالم. وقلّصت أوبك توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط هذا العام عند (3.67) مليون برميل يوميًا، مقارنة مع توقعات الشهر الماضي البالغة (4.15) مليون برميل يوميًا. وبحسب التقرير، فإن إجمالي الطلب على النفط من المحتمل أن يبلغ (100.50) مليون برميل يوميًا، لكنه سيظل أعلى من مستويات ما قبل الوباء بنحو (300) الف برميل يوميًا.
إنتاج أوبك
ارتفع إنتاج الدول الأعضاء في أوبك بنحو (57) ألف برميل يوميًا خلال مارس/آذار الماضي، على أساس شهري، ليصل إلى (28.557) مليون برميل يوميًا. ويأتي ذلك مع زيادة الإنتاج من جانب السعودية والكويت والإمارات بنحو (54 و25 و23) ألف برميل يوميًا على التوالي. فيما انخفض إنتاج ليبيا ونيجيريا والكونغو الديمقراطية بنحو (27 و24 و15) ألف برميل يوميًا على الترتيب، بحسب التقرير الشهري.
المعروض من خارج أوبك
تتوقع أوبك نمو المعروض النفطي من خارج المنظمة في العام الجاري بنحو (2.70) مليون برميل يوميًا، انخفاضًا من التوقعات السابقة عند (3.02) مليون برميل يوميًا. ويعني ذلك أن إجمالي إمدادات النفط من خارج دول أوبك قد يصل إلى (66.26) مليون برميل يوميًا في العام الحالي. ويرجع ذلك إلى خفض توقعات إنتاج روسيا من السوائل النفطية بمقدار (0.53) مليون برميل يوميًا في العام الجاري. في المقابل، تتوقع المنظمة نمو إمدادات الولايات المتحدة من النفط بمقدار (1.29) مليون برميل يوميًا هذا العام، وهو ما يمثل تعديلًا بالرفع بمقدار (0.26) مليونًا.
وتشير منظمة "أوبك" الى أن انخفاض الاستثمار في قطاع التنقيب والانتاج والتوزيع احد أكبر التحديات التي تواجه الصناعة النفطية حاليا، ولا سيما في أعقاب فيروس كورونا والاغلاق الكبير للاقتصاد العالمي، حيث انخفضت النفقات الرأسمالية في قطاع النفط بأكثر من (30%) تقريبا عام 2020. وترى اوبك صعوبة استجابة الصناعة النفطية بمستواها الحالي للطلب المتزايد على الطاقة بسبب تزايد عدد سكان العالم المتوقع بلوغه نحو (9.5) مليار بحلول عام 2045. وتتوقع المنظمة أن تشهد جميع مصادر الطاقة نموا باستثناء الفحم، وأن يحتفظ النفط بالحصة الأكبر في اسواق الطاقة العالمية حتى عام 2045، مما يتطلب إنفاقا تراكميا يقارب (11.8) تريليون دولار لتمويل أنشطة التنقيب والإنتاج والتوزيع حتى عام 2045.