أبرزت الازمات التي شهدها الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد العراقي بشكل خاص ولعل آخرها أزمة جائحة كورونا وما أفرزته من تداعيات سلبية على أداء الاقتصاد العالمي وعلى سلامة وصحة ومتانة النظام المالي، أهمية وجود مؤشر يعبر عن حالة ووضع النظام المالي وعن أداء المؤسسات المالية لتقييم مدى استقراريتهُ، وقد اثبتت التجارب أهمية وجود إطار احترازي للتعامل مع القطاع المالي، وتنبع أهمية تطوير مؤشر للاستقرار المالي من ضرورة وجود مؤشر كمي يعمل كأداة للتوجيه والتنبيه لاتخاذ القرارات المناسبة وتقييم سلامة النظام المالي، بوصفه أداة تكميلية لأنظمة الإنذار المبكر واختبارات الأوضاع الضاغطة.
وفي هذا الإطار سعى البنك المركزي العراقي الى بناء مؤشر تجميعي للاستقرار المالي لضمان نظام مالي مستقر والحفاظ عليه وتقليل المخاطر المحتملة والتنبؤ بها من خلال أنظمة الإنذار المبكر وفقاً لأفضل الممارسات العلمية المتبعة في المؤسسات المالية العالمية والعربية لضمان قطاع مالي سليم ومستقر قادر على مجابهة الازمات والتخفيف من حدتها وتفاديها بأقل التكاليف.
أولاً: مكونات مؤشر الاستقرار المالي في العراق
يتكون المؤشر التجميعي للاستقرار المالي في العراق من أربع مؤشرات رئيسة ومجموعة واسعة من المؤشرات الفرعية بلغت 20 مؤشر وكالاتي:
• مؤشر القطاع المصرفي: ويتكون من 10 مؤشرات فرعية وهي نسبة (نسبة كفاية رأس المال، نسبة الديون غير العاملة الى اجمالي الديون، نسبة صافي الديون غير العاملة الى رأس المال، نسبة تغطية المخصصات، نسبة الأصول السائلة الى الالتزامات السائلة، نسبة اجمالي الديون الى اجمالي ودائع العملاء، نسبة العائد على الأصول، نسبة العائد على الحقوق، نسبة اجمالي المصروفات من غير الفوائد الى اجمالي الدخل، ونسبة هامش الفائدة الى اجمالي الدخل.
• مؤشر الاقتصاد الكلي: ويتكون من 4 مؤشرات فرعية وهي (معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، نسبة عجز الحساب الجاري الى الناتج المحلي الإجمالي، معدل التضخم، نسبة الاحتياطيات الأجنبية الى الناتج المحلي.
• مؤشر سوق رأس المال: يتكون من مؤشرين رئيسين وهما مؤشر سوق العراق للأوراق المالية، ومؤشر نسبة القيمة السوقية للأسهم الى الناتج المحلي الإجمالي.
• مؤشر الدورة المالية: ويتكون من مؤشر واحد يقيس فجوة الائتمان، بمعنى الفرق بين نسبة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص الى الناتج المحلي الإجمالي واتجاه النسبة طويلة الاجل باستخدام هوديرك- بريسكوت فلتر The Hodrick – Prescott Filter.
ويوضح الجدول الاتي المتغيرات المستخدمة في تكوين مؤشر الاستقرار المالي والعلاقات بين هذه المتغيرات وبين مؤشر الاستقرار المالي.
جدول (1) المتغيرات الداخلة في تكوين مؤشر التجميعي للاستقرار المالي في العراق
المصدر: تقرير الاستقرار المالي لعام 2019، قسم الاستقرار النقدي والمالي، البنك المركزي العراقي، 2019، ص48.
ثانياً: اتجاهات المؤشر التجميعي للاستقرار المالي
إن تقييم لاستقرار المالي في العراق يعتمد على المؤشرات الفرعية واتجاهاتها والعلاقات التي تربط المتغيرات الفرعية بالمؤشر الرئيسي، ويوضح الجدول (2) ذلك.
جدول (2) المؤشر التجميعي للاستقرار المالي في العراق والمؤشرات الفرعية المكونة له*
*هناك اختلاف بين تقارير البنك المركزي العراقي وتقارير الاستقرار المالي الصادرة عن صندوق النقد العربي فيما يتعلق بالمؤشر التجميعي للاستقرار المالي، لذا تم الاعتماد على تقارير صندوق النقد العربي بسبب توفر البيانات لعام 2020.
يتضح خلال الجدول إن مؤشر الاستقرار المالي في العراق قد شهد ارتفاعات نسبية وملموسة خلال المدة 2016-2020، إذ ارتفع من 0.343 عام 2016 ليصل الى 0.440 في عام 2018 بالرغم من سوء الأوضاع الأمنية والسياسية التي مر بها البلد خلال المدة منتصف 2014- 2017 وتعرض الاقتصاد العراقي الى صدمة مزدوجة (تنظيم داعش الارهابي وانخفاض أسعار النفط)، ومن ثم ارتفع ليصل 0.568 في عام 2020 بالرغم من تداعيات تفشي جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات ليسقط الاقتصاد العراقي هذه المرة في أزمة ثلاثية (اقتصادية سياسية صحية) نتيجة لسوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية واندلاع الاحتجاجات الشعبية بسبب سوء الأوضاع المعيشية رافقها انخفاض حاد في أسعار النفط بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا في العراق
إجمالاً، يعود السبب الرئيسي لذلك هو لارتفاع مؤشرات القيم الفرعية الداخلة في احتسابه لا سيما مؤشر القطاع المصرفي مما يعكس توجهات البنك المركزي العراقي لاتباع سياسات تعزز الاستقرار المالي في العراق، لعل أبرزها تأسيس وحدة الاستقرار المالي وإدارة المخاطر وتحفيز الشمول المالي وإصدار التعليمات الخاصة بتطبيق معايير بازل III لا سيما تلك المتعلقة بنسبة كفاية رأس المال (والذي تُعد من اهم النسب التي تقيس سلامة ومتانة المراكز المالية للبنوك وتُعزز من قدرة البنوك على مواجهة الصدمات والمخاطر وحماية أموال المودعين) والتي بمقتضاها يكون لزاماً على البنوك العاملة في العراق (عدا المصارف الأجنبية) أن تحتفظ بنسبة كفاية رأس المال لا تقل عن 12%، فضلاً عن اتباع سياسات احترازية كلية والتي تمثل مجموعة من الأدوات تستخدمها السلطات الرقابية (البنك المركزي العراقي) للتأثير في ميزانية وعمليات المصارف لضمان تعزيز سلامة ومرونة الجهاز المصرفي والتخفيف من حدة المخاطر النظامية، ومنع انتقال عدوى الازمات، والحد من الاتجاهات المسايرة للدورة في النظام المالي لضمان تحقيق الاستقرار المالي، وهو ما يمثل تحول وانتقال من هدف المحافظة على الاستقرار النقدي الى تحقيق جملة من الأهداف تكون محصلتها تحقيق الاستقرار المالي وحفز النمو الاقتصادي.
في ضوء ما تقدم، يتبين وجود اهتمام متزايد من البنك المركزي العراقي لبناء وتطوير مقياس كمي يعبر عن حالة النظام المالي وسلامته وبما يسهل عملية المقارنة والدراسة والتحليل عبر الزمن، الى جانب جعل الاستقرار المالي الهدف الأول ضمن استراتيجية 2016-2020.