تسعى أغلب دول العالم لتكون اقتصاداتها قوية لتلبي متطلبات مجتمعاتها وفرض نفسها على مسرح الاقتصاد العالمي خصوصاً مع شيوع العولمة التي تدعو للتحرر الاقتصادي من القيود التي تفرضها الدولة على الاقتصاد.
تلعب القدرة التنافسية دوراً كبيراً في قوة الاقتصاد وضعفه، وكلما كان الاقتصاد يتمتع بقدرة تنافسية حقيقة عالية كلما كان اقتصاداً قوياً والعكس صحيح، حينما يفتقد القدرة التنافسية يكون اقتصاداً ضعيفاً. وإن التنافسية لا يمكن أن تتحقق دون تحقق الكفاءة الاقتصادية التي تمثل حجر الأساس للتنافسية كما ستتضح لاحقاً.
التنافسية المصطنعة والتنافسية الحقيقية
وتجدر الإشارة إلى التنافسية المصطنعة مقابل التنافسية الحقيقية، ففي الوقت الذي تكون الأخيرة مدفوعة بتكاليفها المجردة دون أن تتحمل الدولة جزء منها وتكون أسعارها معقولة ونوعيتها جيدة بفعل سيادة اقتصاد السوق، تكون الأولى (التنافسية المصطنعة) مدفوعة بتكاليف إضافية تتحمل الدولة جزءاً منها بالإضافة للأسعار المزيفة والنوعية الرديئة بفعل سيادة التخطيط، من أجل الفوز بالمنافسة؛ بمعنى إن الدولة تقوم بالتنافسية المصطنعة في حين يقوم القطاع الخاص بالتنافسية الحقيقية.
البيئة التي تعيش فيها التنافسية، السوق أم الدولة؟ الانفتاح أم الانعزال؟
وهذا ما يعني إن التنافسية الحقيقية تعيش في ظل سيادة اقتصاد السوق والقطاع الخاص لا التخطيط والدولة لان أحد المرتكزات الأساسية لاقتصاد السوق هو المنافسة التي تكفل تخصيص الموارد بشكل أمثل وتكون النتيجة أسعار معقولة ونوعية جيدة، في حين لم يكُن الأمرُ كذلك بالنسبة للتخطيط والدولة، لان الأخيرة تُعد المحرك الوحيد في الاقتصاد وهذا ما يعني غياب المنافسة وسوء تخصيص الموارد وتقويم الإنتاج بعيداً عن آلية السوق فتكون الأسعار غير معقولة ونوعية الإنتاج ليست جيدة.
ونظراً لنتائج اقتصاد السوق والقطاع الخاص الأخيرة المتمثلة بالأسعار المعقولة والنوعية الجيدة، يكون أكثر قدرة على اختراق الاقتصاد العالمي والتنافس معه وفرض نفسها عليه، من نتائج التخطيط والدولة المتمثلة بالأسعار غير المعقولة والنوعية غير الجيدة، لذلك أصبحت التنافسية تعيش وسط سيادة اقتصاد السوق والانفتاح لا التخطيط والانعزال.
الكفاءة الاقتصادية حجر الأساس للتنافسية
ولكن وجود الانفتاح واقتصاد السوق لا ينفعان التنافسية إذا ما كان الاقتصاد فاقداً للكفاءة الاقتصادية بالأساس لان التنافسية تعتمد بشكل رئيس على الكفاءة الاقتصادية التي تعني الحصول على أكبر نفع من الموارد بأقل قدر من النفقات. ولا تتحقق الكفاءة الاقتصادية من أجل تحقيق التنافسية، دون توفير الشرطين الآتيين
1- أن يحقق النشاط الاقتصادي الذي تتم ممارسته قدراً من المنافع يفوق التكاليف بالنسبة لأفراد المجتمع.
2- لن تتم ممارسة النشاط الاقتصادي إذا كانت التكاليف المترتبة عليه تفوق المنافع المحققة منه.
فالاقتصادات الأكثر كفاءة هي اقتصادات ذات قدرة تنافسية حقيقية عالية تستطيع استثمار مواردها النادرة في توفير الحاجات المتزايدة وبأقل الكلف وتستطيع أيضاً فرض نفسها على الاقتصاد العالمي، وكذا العكس أي إن الاقتصادات التي تلبي حاجاتها بتكاليف أعلى هي اقتصادات تفتقر للكفاءة وبالتالي هي اقتصادات غير تنافسية ولا تستطيع فرض نفسها على الاقتصاد العالمي بل تعتمد عليه في إشباع حاجاتها كون منتجات وخدمات الأخير أكثر كفاءة منها سعراً ونوعيةً، وهذا ما يعني إن الكفاءة الاقتصادية تمثل حجر الأساس في التنافسية.
لا كفاءة في ظل الدولة كما في ظل القطاع الخاص
لا تتحقق الكفاءة الاقتصادية في ظل التخطيط والدولة كما في ظل سيادة اقتصاد السوق والقطاع الخاص، لان التكاليف المادية لا تؤُخذ بعين الاعتبار من قبل الدولة كما تؤُخذ من قبل القطاع الخاص، حيث يسعى هذا الأخير لتحقيق الأرباح وتعظيمها ومن أجل هذا الهدف خصوصاً مع زيادة حِدة المنافسة يسعى لتدنية تكاليف ورفع نوعية الإنتاج ثم خفض أسعاره لزيادة مبيعاته وأرباحه أخيراً.
في حين لم يكُن الأمر كذلك بالنسبة للدولة كونها المحرك الوحيد في الاقتصاد كما اتضح أعلاه، ولا تهدف لتحقق الأرباح بشكل بحت أي أن هدفها من النشاط الاقتصادي يشمل أهداف اجتماعية وسياسية وغيرها، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فهي لا تأخذ مسألة التكاليف والنوعية بعين الاعتبار، وهذا ما يعني زيادة الإنتاج حتى وإن كان بتكاليف عالية ونوعية رديئة! ورُبما تكون مشاريعها خاسرة (تكاليف الإنتاج أكبر من الإيرادات) !! ما دام هناك هدف اجتماعي أو سياسي أو غيره، تسعى لتحقيقه، وهذا ما يتناقض تماماً مع الكفاءة الاقتصادية.
خلاصة القول
إن الاقتصادات التي تعتمد اقتصاد السوق والقطاع الخاص بالتزامن مع الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتمتعها الكفاءة الاقتصادية، هي اقتصادات تنافسية كونها تستطيع أن تخترق الاقتصاد العالمي عن طريق تخفيض أسعارها ورفع نوعية منتجاتها وخدماتها، واعتماد الاقتصاد العالمي عليها أكبر من اعتمادها عليه، هذه هي حقاً اقتصادات قوية.
والعكس صحيح، إن الاقتصادات التي تعتمد التخطيط والدولة بالتزامن مع الانعزال عن الاقتصاد العالمي، هي اقتصادات لا تمتلك كفاءة اقتصادية وبالتالي هي اقتصادات غير تنافسية ولا تستطيع اختراق الاقتصاد العالمي بحكم ارتفاع أسعار منتجاتها وخدماتها مع رداءة نوعيتها، مما يعني إنها تعتمد على الاقتصاد العالمي أكثر مما هو يعتمد عليها، هذه هي حقاً الاقتصادات غير القوية.
التوصيات:
فالدول ذات الاقتصادات الضعيفة، ومن بينها العراق؛ وتروم أن تكون قوية عليها أن تستفاد من تجارب الدول ذات الاقتصادات القوية ووفق النقاط العامة الآتية:
أولاً: اعتماد الشراكة الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص كخطوة أولى لتقوية القطاع الخاص ثم انسحاب الدولة بشكل تدريجي ويبقى القطاع الخاص المحرك الرئيس في الاقتصاد.
ثانياً: بعد تقوية القطاع الخاص وتمكينه من تلبية حاجات الاقتصاد يقتصر دور الدولة على الإشراف والتنظيم لضمان عدم انحراف القطاع الخاص عن الدور المرغوب ولتلافي الفوضى.
ثالثاً: اعتماد الانفتاح الاقتصادي على الاقتصاد العالمي ومغادرة الانعزال عنه بشكل تدريجي لضمان اختراق الاقتصاد العالمي بفعل الكفاءة الاقتصادية والتنافسية.
وبعد تحقيق النقاط أعلاه واكتمال نضوجها نستطيع القول، إن الاقتصادات الضعيفة أصبحت تسير في ركب الاقتصادات القوية وهذا هو المطلوب من أغلب -إن لم تكُن-دول العالم.