تحاول هذه المقالة معرفة الخصائص الرئيسة لأقتصاد تونس ونموه في السياق الذي قاد الى الأزمة الحالية، والمتمثلة في المديونية الداخلية والدين الأجنبي، نتيجة لتراكم عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات الخارجية. ولا شك في الصعوبات الجمة التي تكتنف محاولات الخروج من الأزمة، وخاصة ما تتضمنه التدابير المطلوبة من المؤسسات المالية الدولية. إذ يتعذر الجمع بين التقشف، متعدد الأوجه، وانتعاش الاقتصاد لرفع النمو، وتحسين المعيشة ، واسترضاء الفقراء والعاطلين عن العمل . ولذا، لا بديل عن كسب الثقة في مستقبل واعد وتماسك اجتماعي سياسي يعاضده ضمان الحد الأدنى الضروري لمعيشة الأسر الفقيرة وغير القادرة على الكسب. واكتشاف حزمة سياسات ملائمة لأستعادة النمو الأقتصادي وتسريعه، وتغيير نمط التنمية، لتفادي الأزمات ومواصلة التصنيع والأزدهار.
ملامح المسار الاقتصادي والسياسي من الاستقلال الى الثورة:
استقلت تونس عن فرنسا عام 1956 واصبحت في العام التالي جمهورية رئيسها الحبيب بورقيبة، واهتمت بالفراغ الأداري بعد خروج الفرنسيين فجعلت من اولوياتها بناء ادارة وطنية فعالة. واعتمدت في المرحلة الأولى، نموذج التنمية بقيادة القطاع العام، فاستطاعت تحقيق معدلات نمو مرتفعة مع تصنيع وتنويع، الى جانب تطوير الطرق والموانئ وخدمات الكهرباء ومياه الشرب، والارتقاء بالتعليم ونشره ... والتمكن من مقومات الحضارة عموما. ومما ساعد على ذلك الادارة الحكومية الكفوءة، آنفا، بل كانت متميزة في دول المنطقة وعالم الدول النامية. ثم برزت صعوبات اقتصادية واحتجاجات لتحسين المعيشة وفرص العمل والعدالة في الأعوام 1969 و 1977 و 1980 أربكت الأداء الأقتصادي لبعض الوقت. وفي المرة الأخيرة استمرت اجواء التوتر السياسي لحين اتخاذ إجرآءات لتهدئة الغاضبين واسترضائهم وإجازة لبعض الحركات السياسية التي توصف بالليبرالية عام 1981. وايضا، جربت الحكومة آنذاك ما يسمى التعديلات الهيكلية والأصلاح الأقتصادي.
وفي عام 1984 وعلى اثر زيادات الأسعار اندلعت "انتفاضة الخبز" خاصة في الجنوب وطالب الشباب بفرص عمل، وتوسعت على نطاق البلاد والعاصمة، وتكاثرت حوادث العنف، ثم تدخل الجيش بعد مواجهات مع الشرطة، وقتلى وجرحى. وتزامنت تلك الأضطرابات مع موسم جفاف، وعموما كانت المناطق الفقيرة ساخطة، واتهمت الحكومة، من جانبها، جهات خارجية بالتدخل لأشاعة عدم الأستقرار.
وبعد الأنتفاضة خففت الحكومة من وطأة سياساتها التقشفية، مع بعض الأنفتاح السياسي، بيد ان معدل التضخم بقي مرتفعا والدَين الخارجي بحوالي 46 بالمائة من الناتج المحلي الأجمالي، ونفقات خدمة الدَين عالية. وقد زعزعت تلك المشكلات الأقتصادية نظام الحكم، وفي السابع من نوفمبر، تشرين الثاني، 1987 نُحّيَ بورقيبة عن السلطة، واصبح بن علي رئيسا للجمهورية بتدبير من داخل المجموعة الحاكمة.
لقد وعد العهد الجديد بديمقراطية اوسع وأعطيت فسحة من الحرية للراي الآخر في الصحافة، واستبدل الحزب الأشتراكي الدستوري بالتجمع الديمقراي الدستوري، وتعديلات تفيد التوجه نحو ليبرالية في نظام الأقتصاد. ثم تبنت الحكومة في التسعينات برنامجا لتسريع الخصخصة؛ وتشجيع الأستثمار الأجنبي؛ واتفاقية مع الأتحاد الأوربي ؛ والمصادقة على اتفاقية الغات وعضوية منظمة التجارة العالمية.
جاء التحول عن نموذج القيادة الحكومية للتنمية، نحو مزيد من الليبرالية والأنفتاح، عل اساس ان النموذج السابق قدم انجازات كبيرة في المرحلة الأبتدائية، لكنه يتسم بضعف التنافسية، ويسمح بالميول الريعية والتطفل، والمحسوبية والفساد ويعيق تطوير الكفاءة... وهذه المبررات شائعة في الدراسات المؤيدة للتحول منذ نهاية السبعينات. ولا يستبعد ان زخم الخصخصة والأنفتاح، الذي عبر عنه "توافق واشنطن" فيما بعد، قد وجد سبيله الى تونس مثل الكثير من الدول. بينما يرى آخرون ان التحول عن النموذج الأول كان سببا لأرتفاع البطالة واتساع تباين المناطق والقطاعات في التطور والأنتفاع من التنمية. بينما يرى انصار التحول إنه ساعد على ازدهار الأنشطة المتجهة للتصدير. لكن البيانات أظهرت صعودا سريعا للصادرات نهاية السبعينات، اي ان سياسة دعم الصادرات باشرتها تونس قبل التحول.
بيد ان الأختيار بين الدولة والقطاع الخاص، والسوق والتخطيط، لا يختزل تعقيدات مسار التنمية. فإلى جانب الأنفتاح والأندماج حاولت الحكومة، قبل الثورة، فعلا النهوض بالقطاع الصناعي، والأستثمار في النقل والمواصلات وبقية انشطة البناء التحتي، وتوسيع قطاع الخدمات وإنعاش السياحة. وربما أثر سلبا، فيما بعد، هذا الأنتشار الواسع وعدم التركيز على الأنتاج السلعي لمدة كافية من الزمن، فاصطدم الأقتصاد بقيد الموارد وعدم التناسب بين القاعدة الأساسية للأنتاج وبقية الأنشطة ثم الأنزلاق الى الأزمة.
واستطاع النظام السياسي، في عهد بن علي، الأنتفاع من دعم مؤسسات واوساط متنفذة في الغرب عبر توظيف الأشكال الليبرالية، وعلى انه نموذج للديمقراطية نادر في العالم العربي ... وحقق نجاحات في التنمية البشرية المستدامة، وساعد على ترسيخ قيم المجتمع المدني المعاصر والعلمانية، إلى ان استفاق العالم نهاية عام 2010 ليجد تونس ثائرة، وعلى خلفية بطالة وفقر ومشكلات في توزيع ثمار التنمية. وشهدت السنوات الخمس التي سبقت ثورة عام 2011 احتجاجات محلية لتحسين مستوى المعيشة. والهمت ثورة تونس حركات الأحتجاج والزخم الشعبي لتغيير التشكيلات الحاكمة فيما سمي ثورات الربيع العربي.
افصحت جمهورية تونس عن استعداد واضح للتنمية الأقتصادية وتجارب جادة في تبني خطط وسياسات للتطوير، كما ارى. لكنها لازالت في الشريحة الدنيا من فئة البلدان متوسطة الدخل، مع تفاوت في التوزيع بين الأسر والمناطق، وفقر وبطالة، وتطلعات محبطة نحو مستويات رفاه اعلى. ولقد اخفى زخم النمو في التسعينات وما بعدها التفاوت في مستويات الرفاه والتطور بين المناطق، واستأثر الساحل الشمالي بالجزء الأكبر من الأستثمار الحكومي. وايضا، يشعر اهل الجنوب، والداخل، أن مناطقهم غنية بثرواتها لكنهم لا ينتفعون منها مثل غيرهم، وحتى في المناطق عالية النمو والمتطورة هناك بطالة وفئات لا تكسب سوى القليل من الدخل. ومن ملاحظة مجريات الحراك السياسي يستنتج ان دور تلك السلبيات لا يستهان به في صناعة الحدث السياسي.
لم يكن الرئيس بورقيبة علمانيا وحسب بل اراد ادماج المجتمع التونسي في الثقافة الأوربية وطابعها الفرنسي بوجه خاص، وقد تفسر قوة الأسلام السياسي واحتدام نزاعه مع النظام، من بين عوامل اخرى، لهذا السبب التأسيسي. بينما تصالح بن علي مع التدين وقيم المجتمع الأسلامي لكنه لم ينجح في الأستجابة لمطلب تداول السلطة والتعددية السياسية. كان نشاط المعارضة يدور حول تحسين المعيشة وعدالة التوزيع والأنتقال الى ديمقراطية كاملة وحريات واسعة. وتوجد الكثير من الدلائل على اهمية الديمقراطية في المجتمع التونسي ، ويتقبل الأسلام السياسي، الى الآن، قواعد التنافس السلمي على السلطة، وعبر صناديق الأقتراع، وينسجم مع دولة مدنية تعرف حدودها. ومع ذلك برزت بعد ثورة 2011 سمات انقسام مجتمعي بين الأسلام السياسي والقوى الأخرى ذات الأيديولوجيات الوضعية. وتوجد جيوب في ثنايا المجتمع التونسي انتجت تطرفا وارهابا بحاجة الى فهم عميق من اجل الحاضر والمستقبل.
النمو وتغيرات بنية الأنتاج والتصنيع:
يقدر الناتج المحلي بالأسعار الجارية للسنوات 2015 – 2018 بمليارات الدنانير التونسية :
84.7 ؛ 89.6 ؛ 96.7 ؛ 106.2 على التوالي، ومتوسط الناتج المحلي للفرد 3737 دولار عام 2016 . ولأن سعر صرف العملة الأجنبية قد ارتفع الى 2.95 دينار تونسي للدولار في، ديسمبر، كانون الأول عام 2018 فعندما يحول متوسط الناتج الى الدولار يبدو وكأنه قد تراجع بينما هو لم ينخفض عند حسابه بالأسعار الثايتة.
كان نمو الناتج المحلي الأجمالي 4.59 بالمائة سنويا للمدة 1966 – 2016 ، ومعدل النمو هذا يقارب متوسط الأداء التنموي للدول النامية في الفئة التي ينتمي اليها الأقتصاد التونسي أو اعلى قليلا، لكنه دون معدله في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل والتي يتحرك الأقتصاد التونسي للألتحاق بها. ولم ينتقل إقتصاد تونس الى نمط التصنيع والنمو المعروف في شرق وجنوب شرق آسيا. وانخفض النمو خلال السنوات 2006 - 2016 الى 2.99 بالمائة، بينما كان في العشر سنوات الأولى 6.75 بالمائة سنويا. و لا ينسجم الميل لتناقص النمو الأقتصادي مع مرحلة تونس في التطور.
تفيد المؤشرات العينية للأنتاج ان الأقتصاد صار الى ركود منذ نهاية عام 2010 ، إذ يقدر الأنتاج الصناعي في ابريل، نيسان،عام 2018 بدلالة الرقم القياسي للأنتاج الصناعي 98.6 بالمائة من مستوى عام 2010 ، ولذلك صلة وثيقة بعدم الأستقرار السياسي منذ بداية الثورة.
تراجعت الأهمية النسبية للزراعة في توليد الناتج من21.5 بالمائة عام 1972 الى ما لا يزيد عن 10.2 بالمائة منذ عام 2000 . وتشكل الزراعة رافدا مهما للدخل في المناطق الداخلية، ولذا اسهم تراجعها النسبي في تعميق التفاوت لأن الأنشطة الأقتصادية الأكثر ديناميكية وحداثة تركزت في الساحل والشرق.
كانت الصناعة حرفية بسيطة، قبل الأستقلال، وتعتمد معالجة المواد الأولية الزراعية ، فاخذت الحكومة على عاتقها تأسيس صناعة تقوم على الحجم الكبير والشركات في اطار قيادة القطاع العام للنهضة الأقتصادية. وباشرتها بالتأميم والأهتمام بارساء اسس الصناعة الثقيلة. وإعتمدت، مثل غالبية الدول النامية وقتها، استراتيجية تعويض المستوردات . وفي نهاية الستينات حاولت تونس المزاوجة بين تعويض المستوردات ودعم الصادرات ودور اكبر للقطاع الخاص مع ابقاء الصناعات الثقيلة والكهرباء وما اليها بيد القطاع العام. وبالفعل توسع القطاع الخاص في صناعات بسيطة في التكنولوجيا واطئة الكثافة الراسمالية . في النصف الأول من الثمانينات تراجع النمو وظهرت مشكلات اقتصادية مع مديونية خارجية تطلبت مفاوضات لأعادة جدولتها. وايضا، تبنت الحكومة برنامجا لأجراء تعديلات منها: تخفيف القيود الكمية على المستوردات ، وخفض التعرفة الكمركية ، وتخفيض قيمة الدينار التونسي ؛ وإنقاص الضريبة على الدخل، وفرض ضريبة القيمة المضافة؛ وتشجيع القطاع الخاص في الأنشطة ذات التوجه التصديري.
وفيما بعد في المرحلة الثانية اهتمت سياسة التصنيع بالتصدير ونجحت الى حد كبير. وبلغت الصناعة التحويلية ذروتها عام 1995 في الثقل النسبي، تقريبا 19 بالمائة من الناتج المحلي. وفي حين كانت سلع المنسوجات والجلود والمنتجات الغذائية تهيمن على صادرات الصناعة التحويلية، حتى مطلع التسعينات، استطاعت تونس بعد ذلك من تطوير قدرات تصدير في الصناعات الميكانيكية والكهربائية والكيمياويات والألكترونيات. وبذلك اسهمت الصناعة التحويلية كثيرا في التنويع وهو من الأهداف الرئيسة في استراتيجية التنمية اضافة على حجم الصادرات. لكن الأقتصاد التونسي شهد تذبذبا وانتكاسات طال الصادرات الصناعية وسواها .
يمكن وصف الأقتصاد التونسي بالتنوع بدليل مكونات سلة الصادرت، ويدل نجاح تونس في التصنيع وجود بيئة اعمال ملائمة للأستثمار، وتوافر عناصر الدولة التنموية، فهل ستنجح الأحزاب السياسة في البناء على هذه الأيجابيات.
في السنوات 1966 – 1989 في ثلاث منها فقط ازدادت مساهمة الزراعة والصناعة التحويلية في توليد الناتج عن 30 بالمائة، وللسنوات 1990 – 1996 ايضا بلغت اكثر من 30 بالمائة من الناتج وبعدها دون 30 بالمائة، وفي عام 2010 إنخفضت مساهمة الزراعة والصناعة التحويلية مجمتعتين الى 24.1 بالمائة وهي الأوطا، وافصح هذا الأنخفاض عن ضيق قاعدة الأنتاج السلعي قياسا بمرحلة تطور الأقتصاد. ومن الدلالات الأخرى ايضا ارتفاع نسبة البطالة، لأن الأنشطة الخدمية تعجز عن مواصلة النمو المرتفع، وتوليد المزيد من فرص العمل، عندما يتعثر الأنتاج السلعي فهو الحامل للأنشطة الخدمية.
في العقد الأول من القرن الحالي تسارع نمو الخدمات متجاوزا نمو الناتج المحلي الأجمالي، وتزايدت اهمية الأنشطة عالية التكنولوجيا، وشارك راس المال الأجنبي، على اشكال مختلفة، بمئات المنشآءات التونسية. ويلاحظ في عام 2007 ان 31 بالمائة من الأستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الميكانيكية والكهربائية والألكترونية و 19 بالمائة في النسيج والملابس ومثلها في الكيمياويات والمطاط.
وفي هذه البيئة عالية الأنفتاح التجاري والمالي والأندماج مع الخارج، ودور اوسع للأنشطة الخدمية والسياحية، إزداد الأحساس بالتفاوت ووطأة البطالة والفقر والأنشغال بالعدالة التوزيعية. وتتهم قيادات في الدولة وجهازها البيروقراطي بالزبائنية والأنتفاع غير المشروع من مواقع النفوذ وتحيز التنمية لفئات ومناطق بعينها وان هذا التحيز صار مؤسسيا وبنويا.
من تحليل بيانات تونس يتضح ان متوسط نسبة تكوين راس المال الثابت الى الناتج المحلي الأجمالي 24.5 بالمائة في المدة 1966 – 2016 . وللسنوات 1966 – 1976 بلغت تلك النسبة 22.45 وللعشر سنوات الأخيرة من مدة الدراسة كانت 22.21 بالمائة. ويعبر مؤشر تكوين راس المال الثايت عن الجهد الأستثماري لتنمية مجموع الأصول الثابتة في الأقتصاد الوطني. بينما يظهر من جهة أخرى ان اجمالي الأدخار الوطني من الناتج المحلي الأجمالي 12 بالمائة عام 2017 ، اي ان الأدخار قاصر عن تمويل الأستثمار بمقدار 10 بالمائة من الناتج المحلي. وهذه الفجوة هي مقدار العجز في ميزان المدفوعات الجارية، ما يدل على ان اصل العجز الخارجي هو ضعف القدرة على الأدخار نتيجة لضغط الطلب الأستهلاكي، وذلك كله بالمقاييس النسبية.
لقد افاد التحليل ضعف الأرتباط بين الجهد الأستثماري والنمو ولا يعني هذا ، بالطبع، انتفاء العلاقة السببية بل عدم التلازم الزمني، إذ لا يمكن تطوير الطاقات الأنتاجية دون الأستثمار. وربما يفسر هذا النمط بقوة العوامل المحددة للطلب الكلي في التشغيل والأنتاج: ومنها الأنفاق الحكومي، وتحويلات العاملين في الخارج والأستثمار الأجنبي، اضافة على الصادرات واسعارها. لكن العلاقة بين الزراعة والصناعة التحويلية والنمو الأقتصادي كانت واضحة ودلالتها الأحصائية مستقرة.
كلمة حول التشغيل وتوزيع الدخل:
إزداد سكان تونس من 4.6 مليون نسمة عام 1966 الى 11.4 مليون نسمة عام 2016 ، والمعدل السنوي لنموه 1.87 بالمائة للمدة 1966 – 2016 . و قد تناقص على نحو واضح من 2.23 بالمائة للعشر سنوات الأولى الى 1.13 بالمائة للعشر سنوات الأخيرة. وبالمجمل هذه خاصية ايجابية وتجاري النمط العالمي.
واستمرت معدلات البطالة مرتفعة في تونس ، اكثر من 13 بالمائة، منذ مطلع التسعينات، مع تناقص معدل نمو السكان، ما يفيد ان التحولات التكنولوجية والتنظيمية كانت تستدعي نموا اقتصاديا اسرع لتوليد فرص عمل كافية. وتقدر بطالة الشباب دون الثلاثين بضعف المعدل العام للبطالة وعام 2008 اصبحت ضعف ما كانت عليه عام 1984 وهي سنة مضطربة ايضا.
وبقيت الأنشطة واطئة الأنتاجية ، وفي القطاع غير المنظم خاصة، تستوعب نسبة مهمة من القوى العاملة وهذه اجورها واطئة والدخل المكتسب منها عموما لا يكفي لمتطلبات المعيشة بالمستوى المقبول . وذلك الى جانب قطاع اكثر حداثة ومرتفع الأنتاجية والأجور، وهي من سمات الثنائية Duality المعروفة في العالم النامي وتختلف الدول في سرعة الخروج منها .
ومثل اغلب الدول النامية، ومنها العراق، يعجز الطلب على القوى العاملة، في حجمه، وبنيته المهنية والمستوى التعليمي، عن استيعاب مخرجات التعليم العالي وهي ظاهرة بطالة الخريجين. وعندما تضاف البطالة الى حجم العاملين في الأنشطة واطئة الأنتاجية تتضاءل صورة الأنجازات التنموية لدى اوساط اجتماعية عريضة في تونس.
عند تبويب الأقتصاد في ثلاث قطاعات تكون حصة الزراعة من القوى العاملة 13.7 بالمائة؛ و42.6 بالمائة يعملون في الصناعة بالمعنى الواسع: التعدين والمقالع والصناعة التحويلية والبناء والتشييد والكهرباء والماء ؛ وفي باقي الأقتصاد ،انشطة الخدمات، 43.7 بالمائة ، لكن حصة القطاع الثالث 63.6 بالمائة من الناتج المحلي. فالقطاعات السلعية تستوعب تستوعب 56.3 بالمائة من مجموع القوى العاملة لكن حصتها من الدخل 36.4 بالمائة.
حسب التقارير الرسمية 15.2 بالمائة من السكان دون خط الفقر الوطني عام 2015 ، وكانت هذه النسبة 23.1 عام 2005 ، ويستلم 8 بالمائة من السكان اعانات نقدية ، ويخشى من زيادة الفقراء في بيئة التعثر الأقتصادي، ومع ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الأعانات تواجه الحكومة ضغوطا سياسية كبيرة.
بدولارات عام 2011 متعادلة القوة الشرائية دوليا PPP نسبة الذين يعيشون دون 5.5 دولار للفرد من مجموع السكان 65.1 بالمائة عام 1985 ، وفي عام 2000 نسبتهم 48.6 بالمائة وفي عام 2010 انخفضت هذه النسبة الى 30.3 بالمائة. علما ان 5.5 دولار للفرد تناسب الدول متوسطة الدخل في الشريحة العليا وتونس في الشريحة الدنيا .
اما بمقياس 1.9 دولار للفرد وهو الذي يناسب الدول الفقيرة ، واطئة الدخل، فقد كانت نسبة السكان دون هذا المستوى 13.9 بالمائة عام 1985 وفي عام 2000 اصبحت 5.3 بالمائة وانخفضت عام 2010 الى 2 بالمائة.
لا يفسر النمو الاقتصادي، مرتفعا او منخفضا، توزيع الدخل في تونس فليس ثمة تلازم بينهما، ومن الصعب الأتفاق على اثر ايجابي للتفاوت في توزيع الدخل على النمو الأقتصادي، حتى ولو بين التحليل الأحصائي مثل هذه العلاقة. لأن التحليل الأحصائي ايضا لا يؤكد سببية تتجه من التفاوات الى الأدخار والأستثمار. ان عدم التماثل بين المناطق وفئات المجتمع في سرعة التطور والأنتفاع من ثمار التنمية يعود الى نمط التنمية ذاته بابعاده القطاعية والتنظيمية والتكنولوجية اضافة على برامج الأستثمار الحكومي والأشتغال في الحكومة والقطاع العام وسياسات الضرائب والأعانات.
العجز المزدوج والمديونية:
يستحوذ الأنفاق الحكومي على 30.3 بالمائة من الناتج المحلي عام 2017 بينما الأيرادات والمنح 24.2 بالمائة، وبذلك يكون العجز اكثر من 6 بالمائة نسبة الى الناتج المحلي وهو كبير. بيد ان المالية العامة في تونس توافرت على مقومات الرصانة إذ تسهم الأيرادات الضريبية بحوالي 93 بالمائة من مجموع الأيرادات عام 2017، والأيرادات تشكل 81.4 بالمائة من مجموع النفقات. هذا مقارنة مع العديد من الدول ومنها النفطية على وجه الخصوص التي لا تشكل الأيرادات الضريبية سوى نسبة ضئيلة من مجموع موارد تمويل الأنفاق العام فيها. ولذا، ورغم الديونية الداخلية التي تقترب من 70 بالمائة من الناتج والتي تزيد على 230 بالمائة من الأنفاق السنوي في الموازنة العامة، مع ذلك يمكن تدوير الدين العام وخفضه تدريجيا لبقائه في نطاق الأستدامة.
لكن الأكثر اهمية في هذه الأزمة هو الدين الخارجي بحوالي 86 بالمائة من الناتج المحلي عام 2018 وينخفض قليلا في السنوات القادمة. ان الدين الخارجي نتيجة لتراكم العجز الكبير في ميزان المدفوعات الخارجية الجارية وصل ذروته عام 2017 بنسبة 10.5 بالمائة من الناتج المحلي الأجمالي. كما ان الأحتياطيات الدولية الرسمية في حدود 6 مليار دولار عام 2017 تعادل ربع الأستيرادات السنوية تقريبا، ولذا لا تكفي لأمتصاص عجز الحساب الجاري فتلجأ الحكومة الى الأقتراض من الخارج وترتفع مخاطر عدم القدرة على التعامل مع الدين الخارجي.
وكشف تحليل إحصائي في دراسة اجراها اساتذة من تونس ، زاغدودي خميس Zaghdoudi , Khemais وزملائه، منشورة بالأنكليزية عام 2016، عن علاقة سلبية بين الدين الخارجي والنمو الأقتصادي. وهو استنتاج يتفق مع التصور النظري، إذ يدفع الأقتراض من الخارج الى تأجيل تكيف الأقتصاد مع المستويات المتاحة من موارد العملة الأجنبية واساءة التصرف بالموارد بوهم الوفرة. وعند اقتراب المديونية الخارجية من مستوى الخطر تتّخذ إجراءات قسرية لمعالجتها تعرقل تشغيل الطاقات الأنتاجية وتَضيع معها فرص في التنمية.
وصل اقتصاد تونس الى مأزق المديونية الخارجية نتيجة العجز التجاري المزمن والذي رافق تجربة التنمية التونسية. وتعَد تونس من الأمثلة البارزة على تسارع الأنفتاح التجاري حتى ارتفعت الأستيرادات من السلع والخدمات الى ما يعادل 59.2 بالمائة من الناتج المحلي الأجمالي عام 2008، وهي ذروة الأنفتاح، ثم تراجعت الى 51.6 بالمائة و 51 بالمائة عامي 2015 و 2016 ربما تحت ضغط قيد العملة الأجنبية. بينما كانت 12.7 بالمائة من الناتج عام 1969 وتحركت نحو 42 بالمائة من الناتج عام 1979.
كان النمو السنوي للاستيرادات والصادرات، وكلاهما من السلع والخدمات، 9.7 بالمائة و 9.07 بالمائة على التوالي، ونتيجة لذلك تتسع الفجوة بالأرقام المطلقة. ان السياحة مشمولة في صادرات الخدمات وتقدر ايراداتها 2.8 مليار دولار في السنة، وفق احدث البيانات، وتعادل تقريبا خمس العجز التجاري. ولا تكفي لتعويض عدم قدرة الصادرات السلعية على ملاحقة نمو الأستيرادات. ومنذ عام 1975 وحتى آخر سنة توفرت عنها بيانات كان الأقتصاد يعمل مع عجز الميزان التجاري عدا عام 1988 . وبلغ المتوسط السنوي للعجز شاملا للمدة بأكملها بما فيها سنوات الفائض 8.35 بالمائة من الصادرات. وفي عام 2017 تمثل الصادرات 68.8 بالمائة من الأستيرادات والعجز التجاري 15.6 مليار دينار تونسي. وبلغ متراكم العجز بالدولار الأمريكي وبالأسعار الجارية ما يعادل 308 بالمائة من صادرات السلع والخدمات عام 2017 .
تتسم اسعار الصادرات والأستيرادات بالتذبذب دون زيادة في الأتجاه العام قبل عام 2000، ثم ارتفعت الى 207 بالمائة و 184 بالمائة على التوالي عام 2011 ، قياسا بمستوياتهما لعام 2000، وتراجعت الى 163 بالمائة و 142 بالمائة عام 2016. ولذا كانت حركة اسعار التجارة الخارجية ونسب التبادل التجاري ايجابية داعمة لتحسين الميزان التجاري. وعادة ما تتعرض الدول النامية وخاصة مصدري المواد الأولية من الزراعة والتعدين الى صدمات خارجية من تقلبات اسواق واسعار صادراتها لكن تونس ليست من هذه الفئة.
يشار في التقارير التي تناولت العجز الخارجي في تونس الى ان عدم الأستقرار منذ بداية الثورة من بين الأسباب، وكذلك الأزمة الليبية. صحيح هذه العوامل وغيرها ادت الى تفاقم العجز لكن مراجعة مسار التجارة الخارجية ، آنفا، بين ان عجز الميزان التجاري مزمنا في تونس منذ عام 1975.
لقد اسهمت تحويلات العاملين في امتصاص جزء من ذلك العجز والباقي يظهر في عجز الحساب الجاري الخارجي، الذي بلغ بالمتوسط السنوي 8.48 بالمائة من الناتج المحلي للمدة 2011 – 2016 وكان من قبل لا يتعدى 5 بالمائة من الناتج. ويسهم صافي الأستثمار الأجنبي في تعويض جزء منه. ويقدر الأستثمار الأجنبي، المباشر وفي الأصول المالية التونسية، 2 بالمائة من الناتج المحلي عام 2017 ،ويأمل الصندوق ارتفاع هذه النسبة الى 3.4 بالمائة عام 2023 . بينما اشارت تقارير صحفية عام 2016 الى احتمال انسحاب بعض الشركات الأجنبية المستثمرة نتيجة الأضطراب.
برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمة:
نشرت مجموعة البنك الدولي دراسة لتقييم الأداء الأقتصادي التونسي قبل عام 2011 في مايو، أيار 2014، بعنوان الثورة التي لم تكتمل بعد " The Unfinished Revolution “ فسرت المشكلة بانحراف النظام الأقتصادي في تونس عن النموذج المثالي لنظام الأقتصاد الحر وآليات عمل الأسواق بمنافسة تامة، وذلك بسبب تدخلات الدولة وقيودها وضوابطها الرقابية التي شوهت الأسعار وأدت الى اساءة تخصيص الموارد، والأستثمار، بما في ذلك التحيز نحو الأنشطة واطئة الأنتاجية وزبائنية وخروقات فساد ... وهذه وصفة جاهزة لتفسير التعثر الأقتصادي في العالم النامي. واضافة على الصندوق ، سيأتي، للبنك الدولي برنامج في تونس ومشاريع بكلفة 2.21 مليار دولار ، ويرتبط هذا البرنامج مع تعديلات في نظام الأدارة الأقتصادية واعادة تقسيم للعمل بين القطاع العام والفضاء الخاص ... وهكذا.
عقد صندوق النقد الدولي في العشرين من مايو، أيار، 2016 اتفاقية مع تونس امدها اربع سنوات لتنفيذ حزمة إجرآءات في المالية العامة وسياسات الأقتصاد الكلي. وذلك ضمن برنامج من متطلباته تقييد الأنفاق الذي يتضمن: تقليص اعانات الطاقة، وتجميد الأجور في القطاع العام، والتشجيع على انسحاب طوعي لبعض منتسبي الجهاز الحكومي ...، وتدابير أضافية منها اعادة هيكلة المصارف الحكومية والتي لها الدور الأكبر في حجم الأئتمان. ويأتي هذا البرنامج ، كما يفهم الصندوق، للسيطرة على التضخم وتقليص عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات الخارجية. ويقدم الصندوق خلالها قرضا، بمبلغ 2.9 مليار دولار، على دفعات بعد مراجعات وتقييم للتأكد من التزام الحكومة بالأجرآءات والسياسات المتفق عليها.
ومن الأهداف الأساسية للبرنامج استقرار الدين العام عند حجم قابل للأستدامة، وخاصة الدين الخارجي، وفي نفس الوقت رفع الأحتياطيات الدولية للبنك المركزي. وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج اكثر من 70 بالمائة وتنخفض قليلا ، بحسب البرنامج، حتى عام 2023 بالتدابير الصعبة، آنفا، منها: خفض التحويلات للرواتب التقاعدية، والأقتصار على زيادات طفيفة في مجمل الأجور لمنتسبي الدولة، وزيادة اسعار الطاقة لأمتصاص الزيادة المحتملة في اسعار النفط، والتشدد في الرقابة على شركات القطاع العام للتأكد من نفقاتها وايراداتها لتكون ضمن المسار المطلوب، والعمل على زيادة ايرادات الموازنة الحكومية. كما يشجع البرنامج المتفق عليه مغادرة آلاف المنتسبين من الجهاز الحكومي، ويأمل الصندوق بان التضخم الذي يقلص القوة الشرائية للأجور يدفع المزيد من منتسبي الدولة لمغادرتها. وقد لا يكون هذا التوقع صحيحا لأن الأمر يتوقف على مدى توفر فرص بديلة لكسب الدخل وهي ضئيلة نظرا لمعدلات البطالة المرتفعة.
وفي السياسة النقدية يطلب الصندوق بالحفاظ على مرونة سعر الصرف ويقصد السماح لأرتفاع سعر صرف العملة الاجنبية. ولذا، ان يعمل مزاد العملة الأجنبية في البنك المركزي على اساس تنافسي مع الغاء القيود على التحويل الخارجي. كما يلوم الصندوق البنك المركزي التونسي على ابقاء اسعار الفائدة منخفضة، دون معدل التضخم، لأن معدل الفائدة الحقيقي اصبح سالبا، ويتوقع انخفاض الودائع لهذا السبب مقابل زيادة الأحتفاظ بالعملة. لكن الأحتفاظ بالعملة لا يمثل بديلا افضل للجمهور قدر تعلق الأمر بسعر الفائدة. وينطلق الصندوق ، عادة، من إفتراض العلاقة العكسية بين رفع سعر الفائدة والتضخم ، ولذلك يعول على السياسة النقدية في السيطرة على التضخم.
ان متوسط سعر الفائدة في سوق النقد 7.25 بالمائة وسعر الفائدة على الودائع الأدخارية 5 بالمائة من بيانات البنك المركزي التونسي عام 2018. ويصر الصندوق على رفع سعر الفائدة الأسمي فوق معدل التضخم بقارق واضح ليكون سعر الفائدة الحقيقي للأمد القصير موجبا، عبر رفع سعر فائدة البنك المركزي وسعر الفائدة في سوق النقد كي يتجاوزا معدل التضخم بفارق واضح . لقد بلغ النمو السنوي لمجموع الأئتمان في الأقتصاد التوسي 12.7 بالمائة عام 2017، ويظهر من الجداول في تقرير الصندوق، آنفا، من بين الأهداف خفض نمو الأئتمان الى اقل من نصف هذا المعدل عام 2023 ، ويضيف هذا التوجه عاملا آخر لتقييد نمو الطلب الكلي.
ملاحظة حول سياسات وإجراءات معالجة الأزمة:
بفهم من منشورات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ان برامج تعاونهم مع تونس لخفض العجز، والسيطرة على مسار المديونية، تأتي ضمن سياق توجه نحو مزيد من الليبرالية في سوق الصرف والمصارف واسعار الفائدة وغيرها، و تقليص الدور الأقتصادي للقطاع العام والأقتراب اكثر ما يمكن من النموذج النظري لنظام الأقتصاد الحر بالتوصيف النيوكلاسيكي.
ان العبء الأجتماعي والسياسي لمجموع هذه التدابير لا يستهان به رغم وصفها بالتدرج والتأنّي، لكن استمرار العجز وتراكمه في مديونية متنامية سريعا، كما سيتضح، ضَيّقَ مساحة الأختيار امام الأدارة الأقتصادية.
ويوصف هذا الطراز من برامج التعديل بالتشدد كونه يرفع اسعار سلع اساسية؛ ويخضع الأنفاق الحكومي الى ضوابط صارمة؛ ويحاول زيادة الأيرادات الحكومية؛ وفي نفس الوقت يرفع اسعار الفائدة؛ ويسمح بتدهور قيمة العملة الوطنية، من اجل دعم الصادرات وتحسين ميزان المدفوعات عبر خفض المستوردات.
وتاتي هذه الأجرآءات مع تصاعد المطالبات بتحسين الأجور وترقية مستوى المعيشة والعناية بالفقراء ... ولهذا من المتوقع بروز توتر بين آونة وأخرى.ولقد ظهرت قوة المعارضة السياسية للأجرآت التقشفية وخاصة في موضوع اسعار الطاقة، ومطالب منتسبيي الخدمة العامة، والتقاعد، الى جانب الشكوى من البطالة وبالذات بطالة الشباب الخريجين وهي موجودة اصلا قبل الأتفاق مع الصندوق.
ولذا تصبح حماية ذوي الدخل المنخفض او الذين لا يستطيعون اكتساب موارد عيشهم في غاية الأهمية. مع ضرورة تقصي امكانات تخفيف حدة الأزمة، ومحاولة اكتشاف سبل لتحريك قطاعات الأنتاج السلعي بسياسات تونسية دون حبس الأقتصاد بوصفة الصندوق. وقد يتسبب التشدد في ارباك الشركات العامة، وهي عادة مستقلة ماليا لكن بعضها تحتاج اعانات لعدم كفاية ايراداتها الذاتية لتغطية النفقات. ومنها في الكهرباء والغاز، وخدمات اخرى ضرورية .
لا يخفى على المتابعين ان تجربة تونس في السنوات الأخيرة، ومشكلات اقتصادها، نمطية تتكرر في العديد من الدول النامية والمتمثلة خاصة في : محدودية القاعدة الأنتاجية وضعف القدرة على توليد ما يكفي من فرص العمل المنتِجة؛ وعدم مواكبة موارد الصادرات للطلب المتزايد على المستوردات؛ وصعوبة زيادة الأيرادات الضريبية لمواجهة نمو الأنفاق الحكومي؛ كما ان قطاع المصارف واسواق المال ليست بالعمق الذي يسمح باستيعاب الدين الحكومي المتزايد لتمويل العجز. ولذا فإن القراءة المتأنية لبنية الأقتصاد التونسي وادائه تكشف عن نمط من ازمات الأقتصاد النامي في بداية المرحلة المتوسطة من مستوى الدخل والتطور.
ان سياسات خفض العجز ليست اختيارية في تونس وليس سهلا على الأدارة الأقتصادية تجنب آثارها السلبية على معيشة الأسرة وادامة الخدمات العامة التي لا بد ان يصيبها بعض التشدد في الأنفاق الحكومي. وقد تبين ، آنفا، ان التقشف يؤدي الى خفض الطلب الكلي وتثبيط النشاط الأقتصادي الذي يحركه الطلب عادة. كما ان الكثير من انشطة الأنتاج والأستثمار تعتمد على مدخلات مستوردة سوف تواجه مشكلة ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية. وهنا يتوقف الأنتفاع من خفض قيمة العملة الوطنية اسميا على بقاء التضخم دون نسب الخفض، كي ينخفض سعر الصرف الصرف الحقيقي للدينار التونسي لتقليص المستوردات وزيادة الصادرات. وانعكاسه في الأخيرة يتطلب مدة زمنية كافية لأستجابة القرارات الأستثمارية لبنية الأسعار الجديدة.
ويتوقف النجاح في الخروج من الأزمة على تعاون سياسي عريض وسياسة اقتصادية اوسع في نطاقها، وموضوعاتها وادواتها، من البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.